أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةأخبار وتقاريرمحليات

البروفيسور إبراهيم أبو جابر في حوار مع “المدينة” حول مآلات الحراك الشعبي المناهض للعنف في المجتمع العربي

*يمكن للجنة المتابعة تقوية التحامها بالجماهير من خلال ممارسة دور أكثر فاعلية في الحراكات الشعبية
*يجب العمل على مقاطعة جماعات الاجرام ومناسباتهم كوسيلة ردع اجتماعية مهمة

ساهر غزاوي
حالة غضب شعبي تعيشها البلدات العربية بالداخل الفلسطيني، وسط حراكات متصاعدة ضد دوامة العنف والجريمة وسفك الدماء واستفحالها، في ظل فوضى السلاح وتقاعس سلطات إنفاذ القانون وتواطؤ الشرطة الإسرائيلية مع عصابات الجريمة المنظمة التي تتغول وتسيطر على مفاصل الحياة لفلسطينيي الداخل لتفكيك مجتمعهم ضمن مشروع كامل ومتكامل.
في أعقاب التفاقم الخطير في منسوب الجريمة وأعمال العنف، يشهد المجتمع العربي في الداخل الفلسطيني حراكًا متصاعدًا واحتجاجات متواصلة في البلدات العربية ومداخلها الرئيسية ضد الجريمة خصوصًا في أعقاب استشهاد الشاب أحمد حجازي، من مدينة طمرة برصاص الشرطة مطلع الأسبوع الماضي. وقد انطلقت شرارتها قبل 4 أسابيع في مدينة أم الفحم، لا سيما وأنه منذ بداية العام الجاري قتل 15 شخصا من أبناء المجتمع العربي بينما قتل 113 شخصا في عام 2020، وقتل منذ انتفاضة القدس والأقصى بعام 2000 نحو 1700 عربي.
حول تحويل هذا الغضب والخطوات التصعيدية التي وصلت إلى حد المطالبة بالعصيان المدني إلى فعل نضالي وجماهيري متواصل يفرض على الشرطة الإسرائيلية أن تغير سياساتها المتواطئة، وحول ترجمة الحراكات الشعبية التي أوقد جذوتها الشباب الغاضب، وحول اخفاقات القيادات وأعضاء الكنيست تحديدًا، كما يتهمهم الشارع، بأنهم لم يقوموا بواجبهم كما يجب ولدى الجماهير الكثير من الأدلة العملية على ذلك، كان هذا الحوار لصحيفة “المدينة” مع البروفيسور إبراهيم أبو جابر باحث في العلوم السياسية ومحاضر في جامعة النجاح الوطنية ونائب رئيس حزب “الوفاء والإصلاح”.

المدينة: كيف تقرأ الحراكات الشعبية في الفترة الأخيرة ضد جرائم القتل وتواطؤ الشرطة والتفاعل الجماهيري والشعبي معها؟
أبو جابر: يأتي خروج الجماهير العربية في الداخل الفلسطيني إلى شوارع البلدات العربية أمرًا طبيعيًا وردة فعل طبيعية على ما آلت إليه الأوضاع في المجتمع العربي بسبب ازدياد حالات العنف والجريمة في ظل تقاعس الأجهزة الأمنية وعلى رأسها البوليس الإسرائيلي المتهم جماهيريًا بتواطؤه الواضح في الحد من سطوة عصابات الإجرام المنتشرة في مختلف مناطق الداخل الفلسطيني. هذه الحراكات ما كانت لتحصل لولا تنامي الشعور بالخطر وانعدام الأمن الفردي والجماعي خلال عقدين من الزمان تقريبًا دفع ثمنها الفلسطينيون في الداخل مئات الضحايا وما يعنيه ذلك أيضًا من ألم وحسرة لدى الأهالي وعدد كبير من الأرامل والأيتام والثكلى. إن الأمر المزعج وهذه كلمة حق لا بد من قولها، لقد وصل مجتمعنا إلى مستوى يطلب فيه الحماية من البوليس الإسرائيلي من نار أبنائه، في سابقة لم أتوقع حدوثها قط.

المدينة: ما هي الأسباب التي أدت إلى إيقاد جذوة “الانتفاضة الشعبية” إن صح التعبير؟
أبو جابر: سبقت مؤشرات ما يمكن تسميته انتفاضة شعبية انطلاقتها بكثير فالمجتمع العربي في الداخل كان في حالة غليان مناشدًا المؤسسة الإسرائيلية والقيادات العربية بالتحرك لوقف نزيف الدم في البلدات العربية أو ما أسماه البعض بالحرب الاهلية التي ازدادت من يوم إلى آخر في ظاهرة لم يشهدها فلسطينيو الداخل منذ نكبة عام48.
إن ارتفاع أعداد ضحايا القتل والإجرام من العرب في الآونة الأخيرة والقتل المزدوج وتقاعس البوليس الإسرائيلي عن اعتقال متهمين والاكتفاء بفتح ملفات ضد مجهولين هي من الأسباب المباشرة لهذا الحراك، إضافة إلى تهميش الحكومة الإسرائيلية لملف العنف والجريمة في المجتمع العربي والاكتفاء بوعود عرقوبية ومنها زيادة فتح مراكز للبوليس في البلدات العربية كمراكز تشغيل لأفراد البوليس والأجهزة الأمنية ثم ممارسات البوليس ضد المتظاهرين والمحتجين وحالات إطلاق النار بصورة عشوائية دونما تمييز بين مجرم وبريء كما حصل في طمرة بقتل الطالب الجامعي أحمد حجازي وإصابة طبيب لا ذنب لهما. وحري بالقول أيضا أن حالة الإحباط التي تسود فلسطينيي الداخل من أداء القيادات العربية بخاصة الأحزاب العربية دفعت بقوة نحو خروج الجماهير للشوارع والميادين للتعبير عن سخطهم واستنكارهم لما وصل إليه الحال، بعدما لم تلق نداءات الناس المتكررة آذانا صاغية.

المدينة: كيف يمكن استثمار الحراكات الشعبية المتواصلة؟
أبو جابر: إن استثمار هذه الهبة الشعبية أو الانتفاضة الشعبية إن صح القول يبقى محدودًا لأن المؤسسة الإسرائيلية ربما وجدت ضالتها الآن في زيادة منسوب قمعها الممنهج ضد أهلنا في الداخل فلن تتوانى في استخدام كل الأساليب القمعية ضد الكل من جماعات اجرام وغيرهم ممن لا ناقة لهم ولا جمل من شرائح ومكوّنات مجتمعنا بحجة مكافحة العنف والجريمة، وهذا حتما سيؤدي إلى سقوط ضحايا أبرياء والمؤسسة قادرة على تبرير أعمالها بسهولة وما عنا تلك الملفات التي قدمت للجنة التحقيق في البوليس ببعيد وقتل الشهيد يعقوب أبو القيعان وأحمد حجازي وغيرهما العشرات من أبنائنا.
لكن من ناحية أخرى أرى أنه بإمكان لجنة المتابعة العليا توظيف هذا الحراك لإعادة ثقة الشارع العربي بها بالالتحام بالجماهير أكثر مما هو عليه الحال الآن، ثم تشكيل فرق حراسة شعبية في البلدات العربية بدعم من السلطات المحلية والبلدية استثمارًا للروح المعنوية المرتفعة عند الشباب العربي بعدما أصبح الجميع في دائرة الخطر.
إن واجب مجتمعنا أيضا في ظل هذه الهبة أو الانتفاضة الشعبية الصحوة من غفوته وقد حصل والعمل على مقاطعة جماعات الاجرام ومناسباتهم كوسيلة ردع اجتماعية مهمة، لكن التفكير أبعد من هذه الدوائر فلا أظن أنها مجدية في ظل مؤسسة لا تنشد الخير لنا وتعمل ليلا ونهارا على اقصائنا من المشهد تمامًا ويدخل في ذلك أيضًا بحجة التأثير من خلال الكنيست.

المدينة: في أكثر من موقع رأينا الشباب المنتفض يوجه غضبه وانتقاده اللاذع لقيادات الأحزاب السياسية وخاصة لأعضاء الكنيست العرب، ما فحوى وأبعاد هذه الرسالة؟
أبو جابر: هذه رسالة واضحة لا لبس فيها تدل على إحباطهم من أداء لجنة المتابعة والأحزاب العربية بخصوص العنف والجريمة وعدم قيامهم بما يلزم نحو المجتمع، بدليل تزايد أعمال القتل وانتشار ظاهرة الإتاوات (الخاوة) من التجار ورجال الأعمال والمحلات التجارية وتهديد أمن الناس الفردي والجماعي. إن موقف الشباب الغاضب هذا قد يترجم عمليًا في الصناديق في 23/3 القادم بإحجامه عن المشاركة في انتخابات الكنيست ومقاطعتها أيضًا مما سيضع الأحزاب المشاركة في انتخابات الكنيست أمام مفترق طرق، ومن ناحية أخرى هي رسالة للجنة المتابعة العليا للجماهير العربية (مع قلة أوراق الضغط عندها) تنذر بعدم التزام هؤلاء بنداءات وفعاليات لجنة المتابعة ومقاطعة نشاطاتها مما سينعكس سلبيًا على الحراك العام في الداخل الفلسطيني، وهذا ما لمسه الجميع في مظاهرة طمرة السبت الماضي وعدم تمكين بعض القيادات من القاء كلماتهم أمام الحشود.

المدينة: على أعتاب انتخابات لدورة جديدة للكنيست، كيف ينظر الشارع في مثل هذه الظروف والأجواء الملتهبة إلى سلوك الأحزاب ومرشحيهم وماذا يتوخى منهم؟
أبو جابر: كما قيل أعلاه لقد فقد الشارع الثقة بالأحزاب السياسية العربية الممثلة في الكنيست، وهذا ما بان بكل وضوح في الشعارات المرفوعة والنداءات وحالات عدم تمكين أعضاء الكنيست وبعض القيادات من إلقاء خطاباتهم. هذا النهج بالتأكيد ترجمة لواقع الحال المعاش وعدم الرضى عن أداء هؤلاء ولربما ينعكس سلبيًا كما ذكر في الصناديق من خلال مقاطعة انتخابات الكنيست بهدف معاقبة هذه القيادات وأعضاء الكنيست تحديدًا ممن يتهمون بأنهم لم يقوموا بواجبهم كما يجب ولدى الجماهير الكثير من الأدلة العملية على ذلك ومنها الأداء الضعيف حيال قانون القومية والموقف من إخراج الحركة الإسلامية عن القانون وقوانين أخرى لا عد لها كالقوانين الخاصة بالشواذ ومغازلة نتنياهو وحزب الليكود بدون مقابل اللهم إلا وعودًا عرقوبية لا طائل منها.

المدينة: في الآونة الأخيرة تعالت أصوات كثيرة من قيادات ونشطاء فاعلين وحتى من ناس عاديين تطالب بالعصيان المدني كخطوة تصعيدية متقدمة. ما هي طبيعة العصيان المدني وتفاصيله؟ وكيف يمكن تطبيقه في الداخل الفلسطيني ضمن وضعيته وظروفه الخاصة؟
أبو جابر: العصيان المدني يعني الرفض المتعمَّد والعلني والسلمي لطاعة الأوامر أو القوانين الظالمة التي تسّنها أو تُطبقها سلطة تنتهك الحقوق العامة للشعب، أو تقصر في تحقيق مصالحه، أو تنتهك الأهداف الأساسية والقيم الحاكمة لنظامه الدستوري.
وعليه فان العصيان المدني على مستوى الفرد موقف مبني على جملة من القيم أساسها رفض الظلم والطغيان، ويوظف على الصعيد الجماعي في تحرك سياسي يتسم بالوقوف الثابت والمنظم والعلني والمتواصل في وجه كل القوانين المضادة للحقوق الشرعية للفرد والمجتمع والعمل على تعطيل هذه القوانين الجائرة وإزالتها بكل الوسائل السلمية دون غيرها، من خلال الامتناع عن تنفيذ أوامر السلطة والتوقف عن دفع الضرائب ورسوم الجمارك والموارد المالية الأخرى.
أمّا حول كيفية تطبيقه في الداخل الفلسطيني في ظل كل التعقيدات والمعادلات الوطنية والقومية والدينية والمجتمعية والسياسية، فهذه قضية لم تطرح حتى الساعة بصورة جدية (على حد علمي) وإنما كوسيلة ضغط لا غير على المؤسسة الإسرائيلية، إمّا لحملها على القيام بواجباتها كسلطة نحو المجتمع العربي أو لثنيها عن تطبيق بعض سياساتها الظالمة في حق فلسطينيي الداخل. وشهدت الكثير من دول العالم حالات عصيان مدني من شعوبها أو مكونات معينة منها فحققت مطالب لها بالطرق السلمية بعيدًا عن العنف والأمثلة لا حصر لها والثورات العربية شاهدة على ذلك رغم تعثرها لاحقًا، أما على مستوى الداخل الفلسطيني فأرى أن الأمر يبقى خيارًا مطروحًا يسمع بين الفينة والأخرى لكنه غير مدروس بعمق من حيث سلبياته وإيجابياته ومآلاته.
وأخيرًا، أقول إن قادم الأيام لا يعلم مجرياتها وما تحمل إلا الله، فالمؤسسة الإسرائيلية الآن قد تتسلح بالحاصل في المجتمع العربي سواء بنداءات تدخل البوليس وتحمل السلطة الحاكمة لمسؤولياتها فتعيدنا إلى مربع الحكم العسكري، بخاصة وقد عيّنت حاكما للداخل الفلسطيني فتطلق العنان لقطعانها وأزلامها المسعورة ليعيثوا فسادًا في الشارع العربي، إضافة إلى فتح مراكز بوليس لهم في كل زاوية من بلداتنا بحجة فرض الأمن والأمان المفقود منذ سنوات فيها، ولهذا فالواجب يستدعي الوقوف مع الذات ودراسة الحالة والعمل على إيجاد حلول إبداعية من قبل قيادات الجمهور العربي وأصحاب الاختصاص منّا تخفيفًا للضرر الذي سيطال مجتمعنا من قبل المؤسسة وأذرعها الأمنية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى