أخبار رئيسيةأخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

المشروع الصهيوني أم المشروع الإيراني؟!

حامد اغبارية

إن ما تشهده منطقتنا الإسلامية العربية مؤخرا من تطورات متسارعة وأحداث وتداعيات، يُعدّ من أخطر المراحل التي واجهتها الأمة منذ نكبة إسقاط الخلافة الإسلامية مطلع القرن الماضي، وهي لا تقل خطورة عن نكبة الأمة بسقوط فلسطين في براثن الاحتلال الغربي، الذي سلمها للحركة الصهيونية على طبق من دماء الفلسطينيين والمسلمين، ولعل هذه المرحلة تسبق مرحلة أشد خطورة قد تشهد أحداثا جساما لا يُمكن تخيّلها…!!

ولقد خُتمت هذه المرحلة الخطيرة، التي نعيش لحظاتها المأساوية، مساء أول من أمس الأربعاء، بإعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب اعتراف بلاده بالقدس عاصمة للدولة العبرية، وقراره نقل سفارته إليها، وهو قرار ستكون له تداعياته وآثاره الخطيرة على مجمل مجريات الأحداث، على الساحة الدولية والعربية والإسلامية والفلسطينية سواء بسواء. غير أن هذه الخطوة لن تكون نهاية المطاف، ولا هي آخر الشوط – كما يقال- وإنما بداية لمرحلة جديدة، مفصلية، ربما تمهد للحظات قادمة تُقلب فيها موازين وتختلّ فيها توازنات، وتُدفع فيها أثمان باهظة، ولكن أيضا تُحسم فيها ملفات وقضايا، لم تكن في حسبان السادرين في غيّهم من عرب وعجم وفرنجة.

ولعل السؤال الذي لا بد من الإجابة عليه: ما هو الهمُّ الذي يجب أن يشغل بالنا؛ فلسطينيين وعربا ومسلمين؟ وما هو الخطر الحقيقي الذي يهدد المنطقة؟ هل هو المشروع الصهيوني أم المشروع الإيراني؟ وإلى أين يجب أن توجه الأمة بوصلتها، وطاقاتها واهتماماتها؟ نحو مواجهة المشروع الصهيوني؟! أم نحو مواجهة المشروع الإيراني؟!

لقد نجح الإعلام الغربي والصهيوني وإعلام أنظمة العار العربية، في حرف البوصلة، خاصة في السنوات الأربع الأخيرة، وعلى وجه أخص عقب اشتداد وطأة الأزمة السورية، نحو الأطماع الإيرانية في المنطقة، (وهي بالمناسبة أطماع حقيقية وذات اعتبار)، وأشغلت الرأي العام العربي والإسلامي به، على حساب انشغاله بالمخاطر الزاحفة نحو مقدرات الأمة، من جانب المشروع الصهيوني، وبات من الواضح، والمقلق في ذات الوقت، أن الشارع العربي والإسلامي أصبح على قناعة بأن الخطر المباشر الذي تجب مواجهته هو الخطر الإيراني. وقد أصبح (الصراع السني – الشيعي) على رأس سلم أولويات الشارع العربي والإسلامي، سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي، بل ومن جانب جزء لا يستهان به من العلماء المسلمين، وحلّت المصطلحات الجديدة مكان المصطلحات القديمة، مثل: المشروع الصفوي، الأطماع الإيرانية، الفُرس، صراع السنة والشيعة، محاربة الإرهاب، مواجهة الأطماع الإيرانية، وغير ذلك من مصطلحات حلت مكان ما يجب أن يشغل بال الأمة حقيقةً، وعلى رأسها مواجهة المشروع الصهيوني. وأصبحنا في وضع لا تكاد القضية الفلسطينية تُذكر إلا فيما ندر، ولم يعد هناك ذكرٌ- تقريبا- للاحتلال الإسرائيلي ولا للمشروع الصهيوني، وهذا غاية ما سعى ويسعى أعداء الأمة في فرضه على الأجندة العربية والإسلامية، وبات الشعب الفلسطيني وحيدا في مواجهة المشروع الصهيوني، بل إن داخل الشعب الفلسطيني من ساهموا في فرض هذه البيئة الخطيرة، وعلى رأس هؤلاء سلطة رام الله، التي لم تحقق منذ أوسلو سوى الذل والمهانة والتبعية والاستحذاء والتوسل والتسوّل على موائد اللئام، أمام مزيد من النجاحات للاحتلال في نهب المزيد من مقدرات الوطن الفلسطيني، سواء في القدس أو في الضفة الغربية.

بل والأدهى والأكثر خطورة وقذارةً أنه بدأت تنبح أصوات عربية (من السعودية مثلا) تهاجم الشعب الفلسطيني، وتعتبر مقاومته للاحتلال إرهابا، بل وتقرُّ للمشروع الصهيوني حقوقا في فلسطين التاريخية، وتربِّتُ على كتفه بلطف وتودّد، وتنفي عن الشعب الفلسطيني أية حقوق، تاريخية أو دينية فيها!! وإذا كانت هذه الأصوات النابحة تنحصر في هذه المرحلة في إطار كتاب وإعلاميين وناشطين، فإننا نعلم أن هذا إنما هو مقدمات تمهّد للسياسيين في مرحلة لاحقة، كي يخرجوا على الرأي العام بمقولات مشابهة… أكثر خطورة وقذارة!

إن الخطر الحقيقي الذي يجب على الأمة كلها أن تواجهه هو خطر المشروع الصهيوني، وهذا ما يجب أن يفهمه الجميع، وهذا ما يجب أن تركز عليه وسائل الإعلام في كل مناسبة، وهذا ما يجب أن تُربى عليه الناشئة، وهذا ما يجب أن يكون على رأس سلم أولويات كل فلسطيني وعربي ومسلم.

هذا لا يعني أنه ليس هناك مشروع إيراني ذو أبعاد طائفية خطيرة يهدد المنطقة، بل هو موجود وحقيقي، ويمارس أطماعه على الأرض في سوريا ولبنان والعراق واليمن، وعينُه على أرض الحجاز. ولكن المطلوب من الأمة الآن وطوال المرحلة القادمة أن تعمل على مواجهة المشروعين (الصهيوني والإيراني) كلا على حدة، ومن منطلقات مختلفة، ذلك أن المشروع الإيراني هو أساسا من الآثار الكارثية للمشروع الصهيوني. فإذا نجحت الأمة في مواجهة المشروع الصهيوني، فإن المشروع الإيراني (الذي يسعى إلى تأسيس دولة ولاية الفقيه) سينهار تباعا، ولن يبقى له أثر يذكر.

ولاحظ معي، مثلا لا حصرا، كيف أن الإعلام العبري قد طوى صفحة الملف الفلسطيني، وراح يركز في السنوات الأخيرة على المشروع الإيراني، وعلى (الصراع السني- الشيعي)، وهذا وحده كان يجب أن يوقظنا من سباتنا، ويضيء أمامنا شارة حمراء، مفادها أن عملية غسيل أدمغة تُجرى علينا كي نوجّه بوصلة جهودنا في اتجاه طهران، على حساب قضية الأمة الأولى؛ ألا وهي قضية الصراع على فلسطين. وعندما نقول (الصراع على فلسطين) فإننا نقصد هذا بعينه، فهو ليس صراعا عربيا إسرائيليا، وليس صراعا عربيا فلسطينيا، هو صراع على فلسطين، يخوضه المشروع الصهيوني ضد الأمة الإسلامية، وليس ضد الشعب الفلسطيني وحده، ليحقق أطماعه التوراتية، التي صاح أصحابها مساء أول من أمس الأربعاء، فرحين، بأن خطاب ترامب هو تحقيق لنبوءات أنبياء بني إسرائيل. فمتى نفيق من غفلتنا؟! متى نستيقظ من أوهامنا؟!

هنا العاصمة…

ولعل من آثار ما قلناه أعلاه هو خطاب ترامب ليلة أول من أمس بخصوص القدس. ولكن….

ما الذي سيتغيّر؟

إن سعي الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، وتوسلاتها للدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، كي تعترف بالقدس عاصمة لها، إنما يعني شيئا واحدا بالنسبة لنا؛ وهو أن المؤسسة الإسرائيلية لا تشعر أن القدس عاصمة لها، وتريد شرعية دولية لتحقيق هذه الشعور. واسألوا إن شئتم مفكريهم وإعلامييهم وسياسييهم!

مدينة القدس لن تكون يوما من الأيام عاصمة للمؤسسة الإسرائيلية، رغم كل ممارسات الاحتلال فيها منذ 1967 ولغاية اليوم، ورغم إعلان ترامب، وحتى لو أقرت الأمم المتحدة بأنها عاصمة للدولة العبرية. وما تكرار سمفونية (العاصمة الأبدية) ليل نهار، بمناسبة وبدون مناسبة، إلا دليل على ذلك.

القدس محتلة، وما يجري فيها هو ممارسات وجرائم احتلالية، بنص القانون الدولي الذي يتبجحون به. وهي مدينة فلسطينية عربية إسلامية،  هكذا كانت، وهكذا هي الآن، وهكذا ستبقى إلى يوم القيامة. وهي، وإن كنت لا أراها عاصمة لدولة فلسطينية، لأنه لن تكون هناك دولة فلسطينية بمواصفات أوسلو ومواصفات حل الدولتين، ومواصفات الأمم المتحدة، لكنها ستكون عاصمة… ستكون عاصمة لدولة الخلافة الراشدة القادمة، بقرار إلهي حقيقي، وبمبشرات قرآنية ونبوية شديدة الوضوح، رغم أنف ترامب وقراراته، ورغم أنف المشروع الصهيوني، ورغم أنف أنظمة العار العربية التي سقط عن وجهها القناع الأخير، وأصبح تآمرها على الأمة ومستقبلها ظاهرا للعيان؛ يراه الأعمى ويسمعه الأصم… وإن غدا لناظره قريب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى