مقالاتومضات

المسجد الأقصى في العقلية الصـــهيونية ومسائل الفرص التاريخية (18)

صالح لطفي- باحث ومحلل سياسي

تحديات تواجه القدس والاقصى
ثلاثة تحديات تواجه القدس والمقدسيين والمسجد الأقصى، وكلها تتعلق بالعرب وليس بالاحتلال، إذ الاحتلال كما يبدو لي هو من تجليات الحالة العربية التي نشأت قسرا مع نشوء القومية العربية التي أحدثتها العلمانية الغربية ممثلة بالاستعمارين الفرنسي والبريطاني، وهما الابن الشرعي لإسرائيل. وهذه التحديات التي هي كما ذكرت عربية خالصة تعتور المدينة المقدسة وتاليا المسجد الاقصى، وهذه التحديات كما أراها، تفريط العرب بفلسطين والقدس والمسجد الأقصى، وها نحن نعيش لحظات ذروة هذا التفريط في الخيانات المسماة تطبيع، والاحتراب الداخلي البين محلي (على مستوى الاقطار كما حصل في العراق وسوريا واليمن) وهذه الاحترابات تعود جذورها الى الاستعمارين، وذلك بخلقهما نواتها الطائفية والعرقية والسياسية ممثلة بالنظم الملكية والاستبدادية لتحقيق دوام الضعف الداخلي الذي يؤثر مباشرة على القضية الفلسطينية برمتها، والتحدي الثالث، تحد الارتهان للقوى الغربية فمنذ قيام الدول الحقيرة ارتبطت صُريا بتلكم الدول الاستعمارية التي لا تزال تستحوذ عليها (الحالة التونسية كمثال مباشر وارتهانها للفرانكفونية ودول الخليج للأنجلو-سكسونية) وهو ما يدعو هذه الانظمة للاستجابة الدائمة لهذه القوى من اجل البقاء على سدة السلطة والاستئثار بخيرات تلكم البلدان.
لا أرى بالاحتلال تحد، فالقضية مع الاحتلال معادلاتها واضحة وخلاصاتها كل احتلال مهما كان نوعه وسيرته وصيرورته لا مبرر أخلاقي وسياسي له، والاصل المؤسس مواجهته واقتلاعه مهما طال زمانه، ولنا في سير شعوب الارض التي استعمرت وتخلصت من الاستعمار بعد عدد قرون المثال والعبرة. لكنَّ المأساة تكون يوم يشارك في الاستعمار والارتهان له بنو جنسك وأهلك ومن هم على دينك ومن قوميتك، وهذا هو البلاء الذي يعيشه الفلسطيني إنسانا وحضارة، فقد اجتمع عليه العرب من بني جنسه وبعض الخونة من شعبه ممن يتاجرون بتاريخهم، والغرب الحامي الشرعي والحارس الذي لا ينام على أمن وأمان إسرائيل. وبذلك تكون التحديات مُضاعفة اضعافا كثيرة تستوجب صفا إسلاميا ينقل القضية برمتها من أيدي الفلسطينيين إلى فضائها الاسلامي ولنا في هذا الباب حديث.
إسرائيل دولة وجهازا واحتلالا تستغل هذه الاوضاع أيما استغلال، لتحقيق مُرادها، فقد استثمرت الاعتراف بها عام 1948 وتمددت في الجغرافيا الفلسطينية، ثم استغلت حرب الايام الستة وتمددت مرة أخرى، ثم استغلت الاتفاقيات معها بعدئذ رفع العرب بعد حرب رمضان الراية البيضاء، وما اتفاقيات كامب ديفيد مع مصر وأوسلو مع منظمة التحرير والعربة مع الاردن والآن اتفاقية ابرام (ابراهيم) مع دول الخليج، إلا مثالا حيا لما ذكرت.

تثبيت الفرص السانحة واستثمارها
يعمل الاحتلال ليل نهار لتثبيت وجوده في القدس بشقيها الغربي والشرقي وفي القلب منها البلدة القديمة، والاحتلال إذ يُراكم سياسات عملياتية لتحقيق هذا الهدف، فهو يراهن منذ عام 2018 على ثلاثة مسارات تحقق له هدفه إستراتيجيا، المسار التعليمي والمسار الإنمائي والمسار الاقتصادي، بمخرجاته التشغيلية والمهنية والمادية، ويعمل جاهدا على إتاحة الفرصة للمرأة المقدسية للعمل كجزء من هذه السياسات، ولتحقيق ذلك فقد أقرّت حكومة نتنياهو عام 2018 خطة خُماسية للتنمية الاقتصادية في الجزء الشرقي المحتل عام 1967 وذلك بقرارها الحكومي الموسوم بـ (القرار رقم 3790 للسنوات 2018-2023) وقد تمّ تكليف مركز القدس لأبحاث السياسات بدور المراقب لتنفيذ هذه الخطة التي تناولت ما ذكرته سابقا.
ومن أهم ما كلف به هذا المعهد هو متابعة سُبُل تعضيد وتنمية علاقات ثقة بين المواطن المقدسي والاحتلال كجزء من هذه الخطة ذات النَفَس الطويل التي يراهن عليها الاحتلال. بين سياسات العمل على المواطن المقدسي بناء على سياسات الترغيب والترهيب وسياسات السيطرة على المسجد الأقصى، تكمن السياسة الاسرائيلية الاحتلالية التي تعتمد العمل الدائم والدؤوب على الانسان المقدسي، باعتباره عمليا السد الاول وقد يكون الاخير في الدفاع عن المسجد الاقصى المبارك، وبناء على هذه السياسات فإن استغلال كل فرصة لتحقيق سيادتها في المسجد الاقصى المبارك. فكل حادثة في مدينة القدس والبلدة القديمة والمسجد الاقصى مهما كانت تافهة في نظر البعض لتحقق مزيد من السيادة والسيطرة على المسجد، وكل حدث إقليمي أو دولي له علاقة بالقدس يستثمر مباشرة على أكثر من صعيد وجهة وواجهة.
فيما يلي بعض من الفرص التي تغتنمها المؤسسة الاسرائيلية عبر مختلف أذرعها لتحقيق هذه السياسات.
الحادثة الاولى كانت مباشرة بعد اعتراض شباب مقدسي على زيارة وفد إماراتي وصلاته في المسجد الأقصى، الاحتلال اعتقل الذين اعترضوا بهدوء ومنعهم من دخول المسجد الأقصى، استثمر اللحظة “التاريخية” المتعلقة بالتحالف الاستراتيجي لتعزيز سياسة يعمل على تنفيذها في المسجد الاقصى منذ عدة سنوات: إخلاء المسجد من المصلين يعني مزيد إمكانيات السيطرة والتفرد بالمسجد ورواده ومزيد من إدخال المستوطنين والتمهيد البطيء على نار هادئة لفرض الصلاة فيه.
الحادثة الثانية كانت إقليمية فقد كشفت صحيفة “يسرائيل هيوم” المقربة من رئيس الوزراء أنه تجري دراسة إمكانية فتح معبر بحري مباشر للحجاج والمعتمرين المسلمين من حملة الجنسية الإسرائيلية من ميناء إيلات الواقع في جنوب البلاد، إلى ميناء جدة بالمملكة العربية السعودية، وهذا الاتفاق الذي يبدو أنه في مراحله الاخيرة من التوقيع في جوهره الإسرائيلي، عينه على المسجد الأقصى، فهو يسعى بدهاء ومكر لشطب الأردن من المسجد الاقصى عبر سياسات إحلال تعتمد اتفاق بين السعودية والامارات ولربما المغرب والاحتلال، وبذلك يحقق الاحتلال سياسة فرق تسد وإبقاء الخلاف البين عربي قائم ومستعمر يلزم هذه الدول/ الهياكل الارتماء بأحضان قوى إقليمية أو عالمية، للبقاء وتحقيق بعض من سياساته، والأمر الأهم أن مجرد المفاوضات بين هذه الاطراف والاحتلال يعني منحه الحق “السيادي” والديني في المسجد الأقصى، والسؤال هل ستقوم هذه الدول بالسماح عبر فتاوى ستصدرها من العلماء الجاميين السلفيين والصوفيين القبوريين للاحتلال بتقسيم المسجد الاقصى زمانيا ومكانيا، أو تسمح له ببناء كنيس في بعض من مساحاته، ومعلوم أن عين الاحتلال على الشريط الممتد بين باب الاسباط ومصلى الرحمة، ومن قبل أقرَّ رئيس الوزراء السابق أرئيل شارون بناء كنيس في هذه المساحة من المسجد الأقصى، وهو ما سيعني استبداد الاحتلال بهذه المنطقة ليس فقط عبر فرض السيادة بالقوة، بل وبما يمكن أن تقدّمه دول التطبيع العربية والاسلامية في هذا الصدد؟. وبذلك تكون هذه الدول المطبّعة قد فقدت ليس حسها الديني والعروبي والقومي، بل وفطرتها الإنسانية.
الحادثة الثالثة تتعلق بإعلان الخارجية الدومينكانية السبت الماضي (31\10\2020) عن عزمها نقل السفارة من تل ابيب الى القدس، اقتداء بالولايات المتحدة، مشيرا وزير خارجيتها روبارتو الباراز أن علاقة اليهود بدولته تعود الى القرن السادس عشر بعد هجرتهم من إسبانيا، وبذلك تستغل اسرائيل لحطة التطبيع مع العرب لتفعيل لوبياتها في عديد دول العالم لتحقيق مكاسب سياسية وسيادية، مستغلة حكم ترامب حتى النفس الأخير، وهذا ما تجلى في تأكيد وزير الخارجية مايك بومبيو الجمعة الفائت (30-10-2020) من أن الولايات المتحدة سمحت للحاملين لجواز سفرها ممن ولدوا في القدس، أن يسجّلوا في جواز السفر أنهم ولدوا في اسرائيل أو القدس، وهذا الانجاز الذي قد يبدو للوهلة الأولى أمرا تافها في جوهره، لكنَّ قيمته المعنوية عالية جدا تصب كاملا في صالح الاحتلال الاسرائيلي الذي يستحيل بهذا الاقرار الى سيد شرعي تعترف به الولايات المتحدة وتقدّره، إذ يسجل أنه من مواليد القدس بما تحمل من قداسة جامعة بين الانجيلية والصهيونية الاحلالية المتعلمنة المتوافقة مع الدين، انتظارا للعودة الثانية للمسيح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى