أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالاتومضات

“أوسلو”.. مشروع مأزوم وطريق مسدود (7)

الفساد المالي والإداري وعلاقته في تعميق أزمة القيادة الفلسطينية (أ)

الفساد المالي والإداري وعلاقته في تعميق أزمة القيادة الفلسطينية (أ)

ساهر غزاوي
منذ اللحظة الأولى لولادة اتفاق “أوسلو”، سعت السلطة الفلسطينية إلى نقل صنع القرار السياسي من دوائر منظمة التحرير إلى دوائر ووزارات السلطة الفلسطينية، كما نقلت معها جميع شوائب المنظمة من فساد إداري ومالي. وفور قيامها اعتمدت السلطة الوطنية ممثلة برموزها من كوادر منظمة التحرير الفلسطينية إلى فرض سلطتها على جميع نواحي الحياة الاقتصادية والمالية يساندها في ذلك مجموعات مسلحة انضوت تحت مسميات أجهزة أمنية عديدة تابعة للسلطة. وهنا ظهرت إشكالية النظام السياسي الفلسطيني، كونه نظام جديد، وبرزت عودة كوادر وقيادات منظمة التحرير، التي أخذت على عاتقها بناء السلطة وإدارتها، وبناء المؤسسات وتطبيق القانون، والقضاء على الفساد والمحاسبة، وبناء اقتصاد وطني قوي. ولكن سرعان ما تحولت هذه السلطة إلى مراكز قوى تتناحر فيما بينها، وتطغى عليها المصلحة الشخصية والمنفعة الذاتية، في ظل غياب أجهزة الرقابة وتهميش القضاء، برز الفساد في مؤسسات وإدارات السلطة الفلسطينية. وبرزت المحسوبية والشللية واحتكار المؤسسات الاقتصادية.
وكما تم ذكره آنفا، فإنه قد تم تعزيز دور السلطة الفلسطينية لتقوم بدورها كأداة وظيفية ووكيل محلي لإسرائيل من خلال إيجاد المؤسسات والإدارات الوظائف التي توهم سلطة ذات سيادة، وذلك في سياق عملية تحويل مبرمجة للنضال الفلسطيني لرأس مال رمزي متحالف مع منظمات العولمة المالية وصناديق الدول المانحة. الأمر الذي أوجد طبقة منتفعة ماليا بتشابك مصالحهما مع استمرار وبقاء هذه السلطة في سياق الدور الذي رسم وحدد لها. وتم اثقالها بجهاز وظيفي ضخم يساعد على السيطرة والتحكم، ويفرض عليها البقاء في حالة احتياج دائم للدعم المالي الخارجي، ولا سيما وأنها ترتبط في بنيتها الاقتصادية الهامشية باقتصاد الاحتلال، الذي يمثل مركزا مهيمنا يمتص عبر آليات كثيرة النسبة الأكبر من أموال الدول المانحة التي تضخ للسلطة. ما دفعها للاستمرار في العملية التفاوضية سواء بشكل متواصل أو متقطع ولكن على قاعدة المماطلة والتسويف بعد افقادها كل أدوات الضغط وتضييق هامش المناورة عليها، الأمر الذي ترتب عليه تمييع الحقوق الوطنية الفلسطينية من ناحية. وتحسين صورة اسرائيل أمام العالم وتوسيع مساحة علاقتها الدولية، ومساعدتها في مواجهة حملات المقاطعة الدولية من منطلق وجود مسيرة سلمية ومفاوضات مع السلطة الفلسطينية. وبإشراف أمريكي تم بناء أجهزة السلطة الفلسطينية الأمنية، وبعقيدة أمنية متعارضة مع متطلبات النضال الوطني الفلسطيني، وكأداة قمع على المستوى الداخلي، وتقديم خدمات أمنية لصالح الجانب الإسرائيلي في سياق الصيغة المعروفة بالتنسيق الأمني. الذي وفر بيئة ملائمة للتغول الاستيطاني الذي بلغ أرقاما قياسية إذا ما قورن بعدد المستوطنين والمستوطنات قبل توقيع اتفاق “أوسلو”.
وفيما يتعلق بالتأثير على القرار السياسي الفلسطيني، فإن الولايات المتحدة هي أكبر مانح للمساعدات المالية للسلطة الفلسطينية، وهذه المساعدات تؤثر على جميع جوانب الحياة للفلسطينيين تقريبا، كما هي تؤثر على النظام السياسي الفلسطيني المتمثل بالسلطة الفلسطينية وما يتخذه من قرارات. ولا أدل على ذلك مما يورده إدوارد سعيد في هذا السياق في كتابه (“أوسلو 2”: سلام بلا أرض) إذ يقول: “قد حدث أثناء المفاوضات أن قام عرفات بحركة من حركاته المسرحية المعهودة، حيث خرج من قاعة المفوضات غاضبا يزمجر: لسنا عبيدا لهم. وبينما المفاوضات كلها مهددة بالتوقف، تلقى عرفات مكالمة هاتفية من دنيس روس، الذي قيل إنه لوح لعرفات بأنه ما لم يتم توقيع الاتفاقية فورا، (اتفاق أوسلو)، فإن المعونة المالية التي تبلغ مليون دولار لن تصله، فما كان من عرفات إلا أن عاد إلى مائدة المفاوضات ليوقع نفس الاتفاقية المهينة التي رفض شروطها من لحظات”.

غياب المحاسبة والرقابة
ما زالت تشكل ظاهرة الفساد واحدة من أهم المشكلات والهموم والتحديات في الواقع الفلسطيني، إلى جانب تردّي الأوضاع الاقتصادية، والإشكالات المتعلقة بقضايا الحكم. وذلك في ظل غياب المجلس التشريعي (السلطة التشريعية) وعرقلة عمله وجهوده في مكافحة الفساد، ما عزز من التفرد بالسلطة وأدى إلى عدم الرقابة على مدى الالتزام باتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، وإلى تمركز السلطات بيد رئيس التنفيذية، وقد تعزز بعد أن تولى الرئيس محمود عباس كامل دور المجلس التشريعي، إضافة إلى تعيينه رئيس مجلس القضاء الأعلى دون تنسيب من الاخير، وإحالة رئيس ديوان الرقابة المالية والإدارية إلى التقاعد، ووقف أو نقل بعض من كبار المسؤولين دون إعلان المسوّغات؛ مما أثر في توازن النظام السياسي، وأضعف من تطور نظام وطني فعّال للنزاهة. (انظر. أمان. (نشاطات 2015). في مؤتمرها السنوي امان تنشر تفاصيل تقرير واقع النزاهة ومكافحة الفساد لعام 2014).
غير أن ملفات الفساد داخل وزارات السلطة الفلسطينية ودوائرها الحكوميّة، لم تقتصر على تجاوزات إداريّة وماليّة بحتة يرتكبها أفراد غير مسؤولين بدافع المصالح الشخصيّة، مثل اختلاس المال العام، وسوء استخدام الموارد، والمحسوبية -ما هي إلا نتيجةُ فسادٍ مزمنٍ متأصل في هيكل السلطة الأساسي في النظام السياسي الفلسطيني المتجذر في منظمة التحرير الفلسطينية مِن قَبل عملية “أوسلو”. وتساهم إسرائيل في تعزيز فساد السلطة الفلسطينية وتستغله. وهي سعيدة بلَوم الفلسطينيين على علاتهم الاقتصادية، لكي تصرف الانتباه عن الأثر المدمر الذي تلحقه سياساتها الاستعمارية بالتنمية الاجتماعية والاقتصادية الفلسطينية.
ومع أن الفساد في السلطة الفلسطينية مضرٌ اقتصاديًا ولا شك، فإنه يأتي في المركز الثاني بعد التدمير الإسرائيلي المنهجي للاقتصاد الفلسطيني الذي يتصدره بأشواط. تضطلع إسرائيل بدورٍ أساسي في تعزيز الفساد وحماية الفاسدين وتوفير لهم ملاذاً آمناً بطرق ووسائل عديدة. فاحتكارات القطاعين العام والخاص التي يتحكم بها ذوو المراتب العليا في بيروقراطية السلطة الفلسطينية وشركاؤهم في القطاع الخاص ليست ممكنةً لولا تواطؤ الشركات الإسرائيلية وتعاونها وموافقة المؤسسة السياسية والأمنية الإسرائيلية. يضاف إلى ذلك علاقةُ إسرائيل المباشرة “بالحسابات السرية” التي فتحها بعض المسؤولين الفلسطينيين في عقد التسعينيات حول العالم، بما في ذلك في بنك لئومي الإسرائيلي. فالكثير من أموال تلك الحسابات جاء من الضرائب التي جبتها إسرائيل على الواردات الفلسطينية، ومن ثم حوَّلتها مباشرةً إلى تلك الحسابات. وحوّلت إسرائيل بين عامي 1994 و1997 مبلغ 125 مليون دولار إلى هذه الحسابات؛ وفي عام 1997 كشفت أول عملية تدقيق فلسطينية أن 40 بالمئة من ميزانية السلطة، بما يصل 326 مليون دولار أُسيء استعمالها، فيما حوَّلت إسرائيل 500 مليون دولار لحسابات بعض المسؤولين الفلسطينيين في بنوكها. كما اغتنت النخبة السياسية المرتبطة بالسلطة الفلسطينية على حساب بقية الفلسطينيين، عبر التفاوت المفرط في مستويات الدخل، ففيما يتقاضى بعض كبار الوزراء والمسؤولين مرتبات شهرية تفوق عشرة آلاف دولار، مع امتيازات أخرى، فإن ثلثي موظفي القطاع العام يتقاضون بين 515 إلى 640 دولار شهريا. (انظر.عدنان أبو عامر. (13 يونيو 2019). فساد ينخر السلطة.. كيف انعكس على الواقع الفلسطيني؟).
(يتبع….)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى