أخبار رئيسيةأخبار عاجلةشؤون إسرائيلية

«هآرتس»: هل تلحق إسرائيل بركب توظيف الذكاء الاصطناعي في الأمن القومي؟

نشر موقع «هآرتس» الإسرائيلي تقريرًا للصحافي، ساجي كوهين، المختص في التغطيات التكنولوجية، تحدث فيه عن أهمية دمج الذكاء الاصطناعي في منظومة الدفاع الإسرائيلية على ضوء دراسة حديثة أجريت في هذا الصدد.
يستهل كوهين تقريره بالقول إن تطوير إستراتيجية وطنية للذكاء الاصطناعي، بما في ذلك الجوانب الأخلاقية، أمر في غاية الأهمية لأمن إسرائيل المستقبلي، حسبما بيَّنت دراسة نشرها معهد دراسات الأمن القومي الأسبوع الماضي. وكتبت د. ليران أنتيبي، زميلة البحث في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، في الدراسة التي نُشرت باللغة العبرية وأُعدِّت بمشاركة خبراء في صناعة التكنولوجيا والمؤسسة الدفاعية والحكومة والأوساط الأكاديمية، تقول: «الإدارة السليمة لمجال الذكاء الاصطناعي في إسرائيل تنطوي على إمكانات كبيرة للحفاظ على الأمن القومي وتحسينه».
وتنطلق الدراسة التي تحمل عنوان «الذكاء الاصطناعي والأمن القومي الإسرائيلي» من الفرضية التي تقول إن الذكاء الاصطناعي سيصبح في نهاية المطاف أمرًا ذا أهمية مصيرية في جميع أنحاء العالم، خاصة في مجالي الاقتصاد والأمن، وخصوصًا إذا ما ثبتت صحة التنبؤات التي تقول إن قدرات الذكاء الاصطناعي ستتجاوز قدرات الإنسان يومًا ما.
وكتبت ليران تقول: «سيخلق الذكاء الاصطناعي ثورة صناعية جديدة واسعة النطاق لم يسبق لها مثيل في التاريخ». وسيؤدي هذا بطبيعة الحال إلى توسيع الفجوات بين البلدان التي تتمتع بقدرات تكنولوجية عالية وتلك التي تخلفت عن الركب.

الطائرات بدون طيَّار والبيانات الضخمة
ولفت الكاتب إلى أن الدراسة تناولت بالتفصيل عددًا من التطبيقات العسكرية الحالية والمستقبلية للذكاء الاصطناعي، وأحد الأمثلة على ذلك هو أنظمة الأسلحة المستقلة مثل: الروبوتات والطائرات من دون طيار القادرة على البحث عن الأهداف وتحديدها ومهاجمتها باستقلالية دون تدخل بشري تقريبًا.
وأشارت الدراسة إلى أن الثورة لن تحدث في ساحة المعركة فحسب. وهناك أمثلة أخرى كأجهزة الاستخبارات القادرة على معالجة مقادير هائلة من لقطات الفيديو لتحديد الأهداف باستقلالية مثل: المركبات ذاتية القيادة أو أسراب الطائرات من دون طيار والأنظمة اللوجستية المحسَّنة والحرب السيبرانية والدفاع السيبراني والتخطيط واتخاذ القرار والقيادة والسيطرة وواجهة الدماغ والكمبيوتر (التحكم في الآلات وأجهزة الكمبيوتر عبر الدماغ دون الحاجة لاستخدام الأعضاء الجسدية الأخرى كالعضلات الطرفية).
ولذلك، أوضحت الدراسة أنه يجب تحديد الذكاء الاصطناعي باعتباره هدفًا إستراتيجيًّا لإسرائيل. وأيضًا، لحماية إسرائيل من التخلف عن ركب هذا التطور، يجب على صنَّاع القرار التعرف على المجال ووضع سياسات تمكَِنه من التعامل مع المنافسة الهائلة الناشئة والحفاظ على ميزة إسرائيل التنافسية.
وكانت التوصية الرئيسة للدراسة هي صياغة إستراتيجية وطنية، ثم إنشاء وكالة لإدارة تنفيذ هذه الإستراتيجية، بناءً على خطة تمتد لسنوات وتشمل مصادر التمويل. وقالت ليران: «مجال بهذه الأهمية يجب أن لا يُترَك لقوى السوق، كما أن على إسرائيل أن لا تسمح لنفسها بالتأخر أو التخلف، لأن الفشل في هذا المجال قد تكون له تداعيات خطيرة».
ويشير التقرير إلى أنه في السنوات الأخير أُنشئت لجنتين تهدفان لتطوير إستراتيجية وطنية وسياسات مواكبة للذكاء الاصطناعي، اللجنة الأولى برئاسة أورنا بيري والثانية برئاسة إسحاق بن إسرائيل وإيفياتار ماتانيا. ولكن الاستنتاجات الأولية للجنة الثانية تعرضت لانتقادات شديدة من قبل عديد من الوكالات الحكومية بعد أن نُشرِت في وسائل الإعلام. وترى ليران أنه من الضروري إنشاء وكالة تعاونية مماثلة لمديرية الإنترنت الوطنية الإسرائيلية تركز على نحو خاص على دمج الذكاء الاصطناعي في مؤسسة الدفاع.
وأشارت الدراسة إلى أن عديدًا من الدول، الصين في المقام الأول، والولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية قد طوَّرت بالفعل إستراتيجيات وطنية للذكاء الاصطناعي وخصصت لها مصادر تمويل. واستشهدت ليران على سبيل المثال بمركز الذكاء الاصطناعي المشترك الذي أنشأته وزارة الدفاع الأمريكية عام 2018 لتنسيق الجهود من أجل استعمال أنظمة الذكاء الاصطناعي وتطويرها.
وفي عام 2019، وقَّع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على أمر تنفيذي لمبادرة الذكاء الاصطناعي الأمريكية والتي تهدف إلى تعزيز تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي. في حين قالت وزارة الدفاع إنها ستستثمر ملياري دولار في مشاريع متعلقة بهذا المجال بحلول عام 2023. وذكرت صحيفة هآرتس في السابق أن الإمارات العربية المتحدة تحاول حجز مكان لنفسها باعتبارها رائدًا في هذا المجال بل إن لديها وزيرًا للذكاء الاصطناعي.

البيروقراطية تقاوم الذكاء الاصطناعي
وأضاف الكاتب أن الدراسة شدَّدت على أنه يجب على إسرائيل تشجيع اندماج أكبر لقدرات الذكاء الاصطناعي في المؤسسة الدفاعية والجيش ووكالات الأمن والصناعات الدفاعية، وفي مجالات مثل: المجالات السيبرانية والطائرات من دون طيار والاستخبارات.
ونصَّت الدراسة على أن: «إسرائيل تتمتع بميزة تنافسية في المجالات التكنولوجية، وفي المركبات ذاتية القيادة والمجالات السيبرانية ومجالات أخرى، وهي مجالات دفاعية مهمة. ودمج هذه المجالات مع الذكاء الاصطناعي باعتباره مضاعفًا للقوة يمكن أن يساعد إسرائيل على نحو كبير في الحفاظ على أمنها القومي وتعزيزه، سواء من خلال الوسائل العسكرية ولما له من تداعيات اقتصادية ودولية أخرى».
واستدرك الكاتب قائلًا: ومع ذلك، حذَّرت الدراسة من أن الجيش ومؤسسة الدفاع يواجهان صعوبة في مواكبة التغيرات في هذا المجال. ويرجع ذلك في المقام الأول إلى قلة التمويل الدفاعي المخصص للذكاء الاصطناعي، فضلًا عن صعوبة الاحتفاظ بالموظفين ذوي الكفاءة العالية بسبب المنافسة الكبيرة من القطاع الخاص.
وإضافة إلى ذلك، لاحظت ليران أن هناك مقاومة بيروقراطية داخل مؤسسة الدفاع للتغير التكنولوجي السريع وهي مشكلة نمطية في عديد من المنظمات الكبرى. ويتجلى ذلك في اعتمادها على الأنظمة «المتوارثة» التي استخدمتها لسنوات عديدة، ويصعب استبدال مثل هذه الأنظمة.
ولذلك أوصت ليران بإنشاء نماذج هيكلية من شأنها أن تمكِّن مؤسسة الدفاع من مواكبة وتيرة التغيير، وهو أمر يتطلَّب أن يكون النظام أكثر مرونة. ونصحت أيضًا بالاستثمار في تدريب الأفراد المعينين في وظائف مختصَّة في هذا المجال، وتخصيص التمويل لتحفيز الموهوبين على البقاء في الجيش. وأضافت ليران أنه من الضروري تدريب الأشخاص الذين لا يمتلكون خبرة في التكنولوجيا الفائقة للتأكد من أن العمود الفقري لسلسة القيادة في الجيش على دراية بالذكاء الاصطناعي.

ميزة تنافسية
يوضح الكاتب أن دراسة ليران تثير تحديًّا قد يكون مفاجئًا لكثير من الناس، وكتبت ليران قائلة إن «مؤسسة الدفاع تكاد تكون لا تقوم بأي بحث أو تطوير مستقل يخلق أساسًا لإمكانات المستقبل». وبدلًا من ذلك، تعتمد مؤسسة الدفاع على التكنولوجيا التي طورتها الشركات التجارية والأوساط الأكاديمية.
ولذلك، أوصت بأن تستثمر مؤسسة الدفاع المزيد من الموارد في البحث بوجه عام، وفي البحث والتطوير في مجالات الذكاء الاصطناعي بوجه خاص؛ إذ تمتلك إسرائيل بالفعل ميزة تنافسية مثل الطائرات من دون طيار والمجالات السيبرانية، بحسب البحث. وكانت هناك توصية أخرى تتمثل في إنشاء نظام منهجي لرصد التقدم الذي أحرزه اللاعبون المختلفون في مجال الذكاء الاصطناعي وتحليله وتشجيع مشاركة المعلومات داخل مؤسسة الدفاع.
ومن الطبيعي أن تثير احتمالية دمج الذكاء الاصطناعي في المؤسسة الدفاعية بعض المخاوف، فنحن جميعًا نعرف السيناريوهات المرعبة لأفلام الخيال العلمي؛ الأنظمة الذكية التي تخرج عن السيطرة وتقوم بأشياء لحسابها الخاص. ولكن من غير المحتمل أن يحدث هذا الأمر في أي وقت قريب.
إلا أن الدراسة حذَّرت من دمج الذكاء الاصطناعي في الجيش بسرعة كبيرة دون القدرة على فهم النظام والعوامل التي تدفعه لاتخاذ القرارات. على سبيل المثال، وإن كان هذا المثال في سياق الشرطة وليس الجيش، أصبح واضحًا في السنوات الأخيرة أن تقنيات التعرف على الوجه الحالية تمارس التمييز ضد الأقليَّات. ومن الواضح أن سيناريوهات مقلقة للغاية تبرز إذا جرى تشفير الأسلحة الذكية أو أنظمة الاستخبارات بالتحيزات نفسها ضد الأقليات.

المعضلات الأخلاقية في زمن الذكاء الاصطناعي
ونوَّه الكاتب إلى أن الدراسة ناقشت المعضلات الأخلاقية الملازمة للحرب في هذا الصدد. وأشارت إلى أن بعض الناس يعتقدون أن الذكاء الاصطناعي سيكون قادرًا على اتخاذات قرارات أفضل وأكثر دقة أثناء القتال؛ لأنه لن يتأثر بالخوف أو التعب أو أي مشاعر أخرى (مثل الكراهية) التي تؤثر على البشر. ولكن يجادل آخرون أنه من دون المشاعر الإنسانية من المستحيل اتخاذ قرارات أخلاقية مناسبة بشأن استخدام الجيش لأسلحة بعينها، مثل الامتناع عن مهاجمة الأهداف المدنية والتحفظ في استخدام قوة غير متناسبة ضد العدو.
لذلك أوصت الدراسة بأن تستند المعايير وآلية الإشراف إلى ضمان السلامة؛ أي ضمان أن أي أدوات خاصة بالذكاء الاصطناعي طُوِّرت تمتثل للمعايير والمبادئ القائمة. وأضافت ليران، أن هذا يجب أن يشمل صياغة مدونة أخلاقية لاستخدام مؤسسة الدفاع للذكاء الاصطناعي. ونصحت أيضًا أن يركز البحث والتطوير في الذكاء الاصطناعي على الأدوات التي تساعد الناس بدلًا عن الاستبدال بهم إلى أن تَثْبُت سلامة التكنولوجيا وموثوقيتها.
واختتم الكاتب تقريره بالنصيحة الأخيرة لليران التي قالت فيها إنه تجب معالجة الأسئلة الإدارية والقانونية الناتجة عن استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي في أسرع وقت ممكن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى