أخبار رئيسيةأخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

إحذروا نواقض المروءة يا جيل التغيير

صحيفة المدينة
إحذروا نواقض المروءة يا جيل التغيير تلك التي إذا أصابت إحداها إنسانا ذهبت بمروءته، فكيف اذا اجتمع بعضها أو كلها في هذا الإنسان، وإن من أخطر هذه النواقض: الكذب والغدر والخبث والظلم والسخف، وفي ذلك قالت حكماء العرب والعجم: (ست خصال لا تغتفر من السلطان: الكذب، والخلف، والحسد، والحدة، والبخل، والجبن..)، والكذب أسقط الأخلاق، وأغلب شيء على صاحبه. وقيل لأعرابي: لم لا تكذب؟ فقال لو تعززت به ما تركته (وهو نوع من الفحش وضرب من الدناءة، وأصله استعذاب المنى، وهو أضغاث فكر الحمقى، ومن بليته أن يحمل على صاحبه ذنب غيره، فإذا سمعت كذبة طائحة نسبت إليه) ولقبح الكذب قال الله تعالى فيه: (إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله) -النحل: 105. وهو من أخطر عوامل تفكيك المجتمعات، وإزهاق ثمار التغيير، ووأد الفضائل، فلا ثقة مع كذب، ولا توافق مع كذب، ولا تطاوع مع كذب، ولا تعاون مع كذب، ولا تماسك مع كذب، ولا وحدة مع كذب، وأيقيمة لمسيرة تغيير إذا غابت عنها الثقة والتوافق والتطاوع والتعاون والتماسك والوحدة، مما يؤكد أن الكذب لا يضر صاحبه فقط، بل هو قنبلة حارقة ومهلكة إذا انفجرت أصابت شظاياها القاتلة القريب منها والبعيد، ولا نبالغ إذا قلنا إن الحيتان في البحر ينالها ضرر من الكذب، وإن الحباري لتموت هزالا لكذب الكاذب، وإن مما لا شك فيه أن الكذب داء ولود، ولكنه ولود بما هو أقبح منه، فالكذب يولد موت الثقة، وموت الثقة يولد سوء الظن، وسوء الظن يولد تقاطع الصف الواحد، وتقاطع الصف الواحد يولد تدابر هذا الصف مهما ملك من عدد وعدة، وتدابر هذا الصف يقوده إلى حتف أنفه كأن لم يكن هذا الصف أصلا، وإن من المقطوع به أن التغيير لا يقوم على جهود فرد فقط، ولو كان هذا الفرد أتقى الأتقياء، وأبلغ الفصحاء وأذكى الحكماء، وأشجع الفرسان، وأبصر الفقهاء، بل لا بد للتغيير من جهود صف، ولا بد لهذا الصف حتى يغير أن يكون كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا، وذلك لا يتحقق من فراغ، ولا يتحصل من قيل وقال، ولا يتوفر من مجرد الأماني المعسولات، بل لا بد من صف تقي نقي صفي وفي أبي، يأبي الكذب، ويلفظ من داخله أي كاذب، كما يلفظ البحر أوساخه، وإن من أخطر أخوة الكذب الحسد، فهو أخ شقيق للكذب، ويكاد أن يسبق الكذب في مدى قبحه وفحشه وخطره وشره وأذاه، ولدناءة الحسد والحاسدين أنزل الله تعالى قرآنا يتلى يحضنا على أن نتعوذ بالله تعالى من شر الحسد، فقال الله تعالى: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2) وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4) وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (5)-الفلق-، فهي سلسة شرور أمرنا الله تعالى أن نتعوذ بالله تعالى منها، حتى لا نكون من جنودها ولا من ضحاياها، ومن ضمن هذه الشرور الحسد، وإلا هل يمكن لصف التغيير أن يستقيم إذا ظهر فيه من يتمنى زوال النعمة من بقية أفراد هذا الصف، وقد تكون هذه النعمة مالا آتاه الله تعالى لبعض أبناء هذا الصف، وحبّب إليهم الانفاق فراحوا ينفقون من هذا المال يمنة ويسرة، وسرا وعلانية، وإنفاق من لا يخشى من ذي العرش إقلالا، فما أقبح أن يظهر في هذا الصف حاسد أو أكثر، ويتمنى ليلا ونهارا زوال هذه النعمة من كل من أنعم الله تعالى عليه بها، فماذا يمكن أن تكون النتيجة إلا ضيق صدر هذا الحاسد كأنما يصّعد في السماء، وسوء طويته، وفجور لسانه، وأذى عينيه، ودناءة معاملته، وتراكم خطره على صف التغيير، فويل لهذا الصف من مثل هذا الحاسد الذي يتحول إلى سوسة بشرية متغولة لا تكل عن نخر هذا الصف الذي عاشت فيه ونمت فيه وسمنت فيه، كما ينخر سوس الوباء الخشب، وما أخطر هذا السوس رغم حقارة حجمه، فقد تكون الشجرة التي اخترقها فارهة الطول ووارفة الظلال وخضراء الأوراق ووافرة الثمار وبهية الطلعة، ولكن هذا السوس الحقير في حجمه قد يأتي عليها من قواعدها، وقد يجتثها من جذورها، وقد يذرها قاعا صفصفا، كأن لم تغن بالأمس، وقد يكون هذا أثر الحاسد في جيل التغيير، وقد تكون هكذا هي نهاية هذا الصف، إذا ما استحكم فيه وجود هذا الحاسد، ويا لتعس هذا الصف إذا استحكم فيه الكاذب الحسود، فسيكون حال هذا الصف كالمستجير بالرمضاء من النار، وكالمستغيث بالسراب من السراب، وكلاعق المبرد الذي لا محالة سيهلكه المبرد وهو يظن أنه يحسن صنعا، فيا جيل التغيير القادم الذي لا نشك للحظة فيه، أحسن بناء صفك ونقّه من الكذب والحسد كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وباعد بينه وبين جائحة الكذب والحسد كبعد الجنة عن النار، وإغسله من أي أثر للكذب والحسد بالماء والثلج والبرد، وإلا فإن التغيير إن لم يتحقق في داخل الصف لن يتحقق خارج الصف، وصدق من قال الفوضى في الخارج تنبع من الفوضى في الداخل، وإن مليون خطبة جمعة ومليون درس مسجد ومليون مقالة تربوية لن تغير من حال الانحطاط الذي نحن عليه، كما قد تغير المعاملة الحسنة والخلق الكريم والصبر الجميل وطهارة الصدور وأدب الألسن والتحقق الدائم بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) عسى أن يصل صفكم إلى حال أخوي متحاب يقول أحدكم فيه إذا رأى أن الله تعالى قد أنعم على آخر: بالفقه أو في الدين أو حفظ القرآن أو بلاغة الكتابة أو فصاحة الخطابة أو سلامة الفهم أو عمق الفكر أو نباهة السياسة أو حكمة الإصلاح، يقول في كل هذه الحالات صادقا مخلصا: اللهم زد فلانا مما أنعمت عليه من كل هذه النعم، عندها وعندها فقط، سيقوى عود هذا الصف وسيشتد ساعده، وسيجري الله تعالى على يديه قدر التغيير، وسيعم نفعه كل الأرض، حتى ان الحيتان في البحر والطيور في أكنانها والحباري في ربوعها ستدعو له بالخير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى