أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

الطريق إلى القدس والمسجد الأقصى

د. أنس سليمان أحمد
الطريق الموصل الى القدس والمسجد الاقصى ليس مرصوفا بالقيل والقال ونحت الشعارات والثرثرة والضجيج الإعلامي الأجوف والزعيق الاستعراضي والنعيق الاستهلاكي وعقد المؤتمرات ميتة القرارات قبل ان تبدأ، وليس مرصوفاً ببطولات افتراضية وانتصارات وهمية في الأفلام والمسلسلات وعلى ألسنة جوقات الغناء، بل هو مرصوع بالإعداد الجاد لكل ما هو مطلوب وتغيير ما بداخل الأمة الإسلامية والعالم العربي والشعب الفلسطيني على صعيد الفرد والبيت والمجتمع والمؤسسات وإدارة الحياة وسياسة الحكم، وإلا فإن الجهل والتخلف والإستبداد والفوضى والإنحلال لا تقود إلى القدس والمسجد الأقصى ولا إلى نصرتهما، وإن الذي يظن أن الأمة الإسلامية والعالم العربي والشعب الفلسطيني قادرون اليوم على نصرة القدس والمسجد الأقصى دون أن يغيروا ما بأنفسهم، كمن يظن أنه قد يجني من الشوك العنب، وقد يجني من الملح العسل، وقد يصنع من الفوضى نظاما، ومن الجهل نهضة علمية، ومن التخلف رقيّا، ومن الإستبداد حكما راشدا، ومن الانحلال قوة أخلاقية، وهو عين المحال والعبث والضحك على العقول وترويج الوهم، والرقص على جراح القدس والمسجد الأقصى، ولذلك فأن رجال القدس والمسجد الأقصى الصادقين، ما خطوا خطوة واحدة نحو نصرة القدس والمسجد الأقصى إلا بعد أن أكملوا بناء الأمة الإسلامية بناء متيناً قائماً على الأصول المطلوبة، فهذا الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه قبل أن يتجه لفتح القدس أرسى دعائم العدالة الاجتماعية وأطلق حرية النقد والتصحيح وسهر عل رعاية مصالح الأفراد والبيوت ورتب الشؤون المالية والتجارية والعمرانية، وهذا السلطان صلاح الدين الأيوبي قبل أن يشرع بتخليص البلاد من براثن الصليبيين بقي إثنتي عشرة سنة يعمل من أجل تحقيق الوحدة، وإعداد قوة الإسلام المادية والروحية، فزاد من نشاط الرُبُط، والخوانق والزوايا، وجعل منها مدارس عسكرية وتربوية، وبنى الخانات في الأماكن المنقطعة البعيدة عن العمران، وفي الطرق الموصلة بين المدن لخدمة أبناء السبيل والمسافرين، وأرسى دعائم الإصلاح في كل جوانب الحياة وشملت ما يلي:
1) الإصلاح الاقتصادي: اعتنى صلاح الدين بالزراعة، ووسائل الريّ اعتناء بالغاً، وإستثمر أرض الشام ومصر خير استثمار، فتعاونت الشام ومصر في تبادل المحاصيل الزراعية، وتعزيز المصالح الإقتصادية، وتموين الجيوش بالثروات اللازمة. واعتنى صلاح الدين بالتجارة عناية كبيرة فكانت مصر في عهده حلقة الإتصال بين الشرق والغرب، وأولى الأسواق التجارية كل إعتنائه، فكثر عددها في الشام ومصر، وإهتم بصناعة السلاح والمنسوجات والأقمشة والملابس، وصناعة الزجاج والخزف والسفن والأساطيل، ووفرّ المناخ السليم للعمال وأصحاب الحرف كي ينتظموا في نقابات تحمي حقوقهم، وتشرف على تأدية واجباتهم على الوجه الأكمل، وأقام المراكز الصناعية في كل من القاهرة والفسطاط وتنيس، وألغى الضرائب غير الشرعية، واكتفى بالموارد الشرعية من زكاة وجزية وخراج وغنائم وعشور التجارة .
2) الإصلاح الصحي: بنى صلاح الدين الأيوبي المستشفى الناصري بالقاهرة، وبنى مستشفى الأسكندرية بالأسكندرية، وبنى المستشفى الصلاحي بالقدس، وبنى مستشفى عكا، وكان كل من هذه المستشفيات يحتوي على : قسم خاص بالرجال وآخر خاص بالنساء مفصول عن الأول، وقاعات مرضى حسب التخصصات، وقاعة مفصولة للناقهين من المرضى إلى أن يشفوا، وقاعات للأطباء للكشف على المرضى غير المُنوّمين، وغرف لرئيس الأطباء وبقية الإداريين، وقاعة محاضرات، ومكتبة ومطبخ لطبخ الأغذية الصحية، وصيدلية لتحضير الأدوية، وقاعة لغسل الموتى، ومصلى، وحمامات ومخازن .
3) الإصلاح الاجتماعي: أبطل صلاح الدين الأيوبي مظاهر الخلاعة والمجون، التي كانت شائعة في عهد الفاطميين، ولا سيما في عيدهم الذي كان يُعرف باسم عيد النيروز، حيث كانت المنكرات الفاحشة ظاهرة في ذاك العيد، لدرجة أن المؤنثين والفاسقات كانوا يجتمعون تحت قصر الخليفة الفاطمي وبأيديهم الملاهي، وترتفع الأصوات، وتشرب الخمور في الطرقات، ويتراش الناس بالماء والخمر، وبالماء ممزوجاً بالقاذورات، ومكنّ صلاح الدين الأيوبي من الحياة البريئة النظيفة، وأعاد أخلاق الإسلام، وآدابه السامية، وأعطى من نفسه القدوة الحسنة، حيث كان لا يلبس إلا ما يحل لبسه، وكان من يجالسه لا يعلم أنه يجالس سلطاناً لتواضعه، وكان رياضياً يحب الفروسية ولعب الكرة والصولجان، وكان يحب الصيد، ومن المظاهر الفاسدة التي أبطلها بدع يوم عاشوراء، إلى جانب ذلك أنعم على الرعية وكان يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة، وكان يطمع من وراء ذلك أن يتحقق للمجتمع تكافله الكامل، وللدولة قوتها المنيعة، وللأفراد معيشتهم المثلى.
4) الإصلاح العمراني: بنى صلاح الدين الأيوبي سور القاهرة، وبنى قلعة الجبل القريبة من القاهرة، وبنى قلعة سيناء، وبنى في الجهة الجنوبية من القلعة مسجدين، وصهريجا للمياه ليروي العطاش، وإهتم بتعمير جزيرة الروضة، والجيزة، وبنى المدارس، والخانقاوات، وعمّر الأسطول، وجعل له ديوانا مخصوصا، كان يُسمى (ديوان الأسطول)، وأمر بعمارة أسوار الأسكندرية وأبراجها، وأمر بعمارة الموانئ البحرية في الأسكندرية ودمياط، وبعمارة الموانئ النيلية في الفسطاط وقوص، وإهتم بالجسور والترع ليصلح حال المزارعين.
5) الإصلاح الإداري: قسّم صلاح الدين الأيوبي دولته إلى أقاليم إدارية، يتمتع كل منها بإمكاناته الخاصة، وطابعه المميز، مثل: مصر والشام، وشمالي العراق، والنوبة والمغرب واليمن، والحجاز، ورغم إنشغاله الدائم في الجهاد إلا أنه كان يمارس سياسة التخطيط، والتنفيذ والإشراف وتوجيه سياسة الدولة العليا، ثم يترك حرية التنفيذ في الأمور المحلية للولاة وفقاً للظروف، وإمكانات كل إقليم، وهو ما يُعبّر عنه في مفهومنا الحديث بـ (اللامركزية). وكانت القاهرة مركز حكومته، يقيم فيها نوابه، ووزراؤه، ومنها تصدر أوامره إلى مختلف الأقاليم، وكانت بلاد الشام محور حروبه، وجهاده ضد الصليبيين وكان يراعي المصلحة العامة في تعيين وعزل الولاة، وأما سياسته فقد إتسمت بالعدل والتواضع وتحريم الاستبداد.
6) الإصلاح العسكري: شرع صلاح الدين ببناء القلاع وتنظيم الجيش، وركّز على بناء القوات البحرية، فبنى أسطولا بحرياً بغية التفوق على قوة الفرنج في البحر، وأمر بإرسال جيشه إلى اليمن لتأمين خطوط التجارة البحرية، وقطع الطريق على أعمال القرصنة، والاعتداءات ضد قوافل حجاج بيت الله الحرم، ولأجل ضبط الإصلاح العسكري فقد أقام صلاح الدين ديوان الجيش الذي هو بمثابة وزارة الدفاع في الوقت الحاضر، وهو المسؤول عن الشؤون الخاصة بالجيش ومعرفة أحوالهم وتسجيل الأمور الخاصة بحضورهم، وغيابهم وأوضاعهم الصحية، وموتهم، وملابسهم، وتموينهم ونظام تعبئتهم، وعن الفرق الملحقة بالجيش كفرقة الهندسة، والفرقة الطبية، وفرقة الموسيقى العسكرية، وما شابه.
7) لكل ما ورد أعلاه أن الطريق إلى القدس والمسجد الأقصى يبدأ عندما تستيقظ الأمة الإسلامية والعالم العربي والشعب الفلسطيني وعندما تنهض من عثرتها، وتنتصب من كبوتها، وتأخذ بزمام المبادرة، وتتخلص من مخلفات الملك الجبري الذي جلب من الويلات على القدس والمسجد الأقصى كالويلات التي جلبها عليهما الحكم الفاطمي، وقد تكون أشد، ولذلك المطلوب منا أن نتحرر من أحلام اليقظة، وأن ندرك برشد وبصيرة أنه لن ينصر القدس والمسجد الأقصى إلا من سار على خطا رجالها وفي مقدمتهم الفاروق عمر رضي الله عنه ثم آق سنقر البرسفي، ثم عماد الدين زنكي، ثم نور الدين زنكي، ثم صلاح الدين الأيوبي، ثم قطز والظاه

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى