أخبار رئيسيةأخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةأدب ولغةمحليات

لوبيا.. هجّرتها العصابات الصهيونية للعيش فيها والتنعم بخيراتها

ساهر غزاوي

أرض مع شعب
مثلها مثل باقي القرى والمدن الفلسطينية التي احتلتها العصابات الصهيونية وهجرت أهلها عنوة وقسرا للعيش سرقة فيها والتنعم بخيراتها عام 1948، كانت قرية لوبيا حياتها مزدهرة عامرة بأهلها وزوارها ومبانيها وأشجارها، تدب فيها الحركة وتعج بالسكان والنشاط والعمل بالتجارة والزراعة، وما زالت الأماكن التاريخية والأثرية خالدة فيها وصامدة في وجه المزاعم والادعاءات الصهيونية تسقط فرية مقولة “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض”.
لوبيا قرية عربية تبعد مسافة 13 كيلومتراً إلى الجنوب الغربي من طبرية على الطريق الواصلة بين طبرية والناصرة. ومن أقرب القرى إليها قرية نمرين. وتقع لوبيا على تل مشرف منه على سهل فسيح في الشرق يقع ضمن منخفض يتخذ اتجاهاً شمالياً غربياً بين تل الجبلة الذي يرتفع 294م عن سطح البحر والتل الذي تقوم عليه القرية. وتمتد حقول القمح في هذا المنخفض، في حين تنتشر أشجار الزيتون شمالي القرية على السفوح الجبلية. وترتفع القرية 325 م عن سطح البحر.
وصف الرحالة البريطاني بكنغهام خلال زيارته لقرية لوبيا في أوائل القرن التاسع عشر الرحالة البريطاني بأنها قرية كبيرة قائمة على رأس تل. وقد أشار الرحالة السويسري بوركهارت، سنة 1822، إلى نبات الخرشوف (الأرضي شوكي) البري الكثير، والذي يغطي السهل الذي كانت القرية تقع فيه.
تاريخيا، في عام 1187 حطّ قرب القرية جيش صلاح الدين الأيوبي، قبيل معركة حطين الشهيرة التي انتصر فيها على الفرنجة الصليبيين. وإلى لوبيا نُسب أبو بكر اللوبياني، العالم الدينيّ الذي اشتهر في القرن الخامس عشر للميلاد، والذي درّس علوم الدين في دمشق. وفي سنة 1596 كانت لوبيا قرية في ناحية طبرية وعدد سكانها 1177 نسمة وكانت تؤدي الضرائب على الماعز وخلايا النحل وعلى معصرة كانت تستخدم لعصر الزيتون أو العنب. وفي سنة 1743 توفي في لوبيا سليمان باشا، والي دمشق، وهو في طريقه لمحاربة ظاهر العمر حاكم فلسطين الشمالية في تلك الفترة.
وردت في دفتر ضريبة عثماني اسمه “دفتر مفصل لواء صفد لسنة 1005ھ/1596م” مقادير الضريبة المجبية من قرية لوبيا التابعة لناحية طبريا بالعملة التركية المسماة بالآقجه (ثلث باره) موزعة على عدد الخانات 182 (عدد دافعي الضريبة من المتزوجين)، وعدد المجر 32 (عدد دافعي الضريبة من العزبان) والمعاصر والمال المقطوع والماعز والنحل وغيره ما يدل على أنها كانت غنية جداً وأراضيها شاسعة، كما دفعت مبلغاً لا يستهان به عن الماعز والنحل، وكان فيها عشر معاصر للزيتون، أما البادهوا ورسوم عروس فكانت حاصل الجرم والجنايات ورسوم الزواج.
ويذكر مصطفى مراد الدباغ أن اسم القرية لوبيا بالألف، وأن اسمها “جاء على وزن النبتة المعروفة، ولعلها أُقيمت على قرية يونانية كانت تحمل نفس الاسم بمعناه اليوناني”، كما يقول، ولكنه لم يفصح عن معناه. ويرى آخرون أن هناك علاقة بين اسم القرية وأرضها، فاللُّوبة هي الحرة من الأرض وجمعها لُوب الملبسة بحجارة نخرة سوداء، ومنها قيل للأسود لُوبي، والذي يزور القرية ومحيطها يتأكد من صحة قولنا هذا. حُرّف اسمها في العهد الصليبي إلى “دي لبي”، وقد حررها صلاح الدين الأيوبي عام 583ھ/1187م بعد معركة حطين المشهورة.
أما من ناحية الاقتصاد الزراعي لقرية لوبيا فتعد القرية من مساحتها ومساحة أراضيها الزراعية ثاني أكبر قرى قضاء طبرية. وتبلغ مساحة القرية 200 دونمات ومساحة أراضيها 39.629 دونماً. وتحتل أشجار الزيتون 1.520 دونماً من تلك المساحة، كما تشتهر القرية بزراعة القمح. وتحيط بأراضيها أراضي قرى الشجرة وكفر سبت والمنارة وحطين. ووصف مؤلفا (جغرافية فلسطين) هذه الأراضي بقولهما: “أراضيها فسيحة وخصبة وقمحها مشهور”.
وجاء في (موسوعة المقدسات في فلسطين لمؤسسة الأقصى للوقف التراث-قضاء طبريا) أن القرية أقيمت على أنقاض موقع أثري تكثر فيه الشواهد الثابتة، والمنقولة، وبوجد خان لوبيا إلى الشرق منها بحوالي 2 كم. شيت منازلها بادئ الأمر بالحجارة والطين في القسم الشرقي من جذر القرية، ثم بالحجارة والطين، والاسمنت في قسمها الغربي. أنشئت فيها مدرسة ابتدائية عام 1895 م، وبقيت تؤدي رسالتها التربوية حتى احتلالها، كما أقيمت مدرسة للمعارف قبل الحرب العالمية الأولى. كان في القرية مسجد و11 مقاما. ومقبرتين.
وانتشرت مباني القرية على الجانب الشرقي للتل الذي أقيمت عليه وتركز الامتداد العمراني في هذا الاتجاه، حيث أن الجانب الشرقي يطل على المنطقة الزراعية. ويفصل الجزء الشرقي من القرية عن جزئها الغربي طريق تمتد لتصلها بطريق طبرية – الناصرة. بينما بلغ عدد سكان لوبيا 1.712 نسمة في عام 1922، وارتفع إلى 1.850 نسمة في عام 1931. وأما في عام 1945 فقد قدر عدد سكانها بنحو 2.350 نسمة من العرب.
والجدير ذكره أن قرية لوبيا ذاتها موقع أثري يحتوي على مدافن منحوتة في الصخر وقطع أحجار كانت تستخدم للبناء. وعلى مسافة كيلومترين إلى الشرق منها بقايا بناء يسمى الخان ويحتوي على بركة مهدومة وآثار بناء بالحجارة الضخمة. وربما كان هذا الموقع محطة للتجار أيام العثمانيين. ودمرت القرية تماماً في عام 1948 وشرد أهلها وأقام اليهود على أراضيها في عام 1949 مستعمرة “لافي” التي بلغ عدد سكانها في عام 1961 قرابة 261 إسرائيلياً.

ثوار لوبيا
في أيام ثورة 1936 انضم عدد من أبناء لوبيا إلى صفوف الثوار، بينما دأب أهل القرية على مدهم بالمؤن. ذكرت صحيفة “دافار” في عددها الصادر في 12 أيلول 1936م أن الجيش الإنكليزي اعتقل 26 شخصاً من أهالي قرية لوبيا وأجرى معهم تحقيقات بتهمة دعمهم للثوار. في 15/6/1939 هوجمت سيارة تُقلّ نواطير يهود بالقرب من لوبيا ما أسفر عن مقتل ناطور. كرد فعل على ذلك قامت فصيلة تابعة للهاغاناه بإعدام شخص من لوبيا بعد إلقاء القبض عليه، والهجوم بالقنابل اليدوية والرصاص على أحد بيوت القرية ما أسفر عن مقتل: طفل عمره سنتان، وطفلة عمرها عشر سنوات، وامرأة في المخاض، وشيخ كان يحتضر، وجرح عدد من الرجال والنساء، وقد استنكرت صحيفة “دافار” في 22/6/1939 هذه العملية واصفة إياها بالبربرية.

الاحتلال والتهجير
نشرت الصحافة الفلسطينية نبأ هجوم قامت به القوات الصهيونية على لوبيا ليل 20 كانون الثاني/ يناير 1948، وقتل نتيجته أحد سكان القرية، واستنادًا إلى نبأ ورد في صحيفة “فلسطين” فان هذه الغارة المبكرة قد نسقت مع غارة على قرية طرعان المجاورة.
كما حدث اشتباك آخر عند مشارف لوبية صبيحة 24 شباط / فبراير إذا جرت مناوشات مع قافلة يهودية دامت عدة ساعات وخلّفت قتيلا وجريحَين من القافلة. ومنذئذٍ تجنّب اليهود السفر على طريق طبرية العامّ واستعملوا بدلا عنه طريق يبنيئل (يمّة) – طبرية. كما وقع هجوم آخر في الأسبوع الأول من آذار / مارس 1948، حيث ذكر المؤرخ الفلسطيني عارف العارف أنّ جنود الهجناه حاولوا أن يشقوا طريقهم عنوة عبر الطريق الممتد بين طبرية والشجرة وأغاروا على لوبية عند الفجر . وقد بلغوا المشارف الغربية للقرية لكن سكانها تصدّوا لهم فقتلوا سبعة منهم في حين فقدوا ستة. كذلك أوردت صحيفة “فلسطين” نبأ تسلل آخر في 11 آذار مُهّد له بقصف مدفعيّ.
بعد سقوط طبرية في أواسط نيسان 1948 زادت عزلة لوبية، وتعرضت إلى هجوم آخر وقع في 9-11 حزيران، قبيل ابتداء الهدنة الأولى، قام به لواء جولاني بهدف احتلال القرية إلا الهجوم فشل واضطر المهاجمون إلى الانسحاب وقد فقدوا 21 من جنودهم. وقد شاركت ميليشيا القرية لمدة وجيزة مع جيش الإنقاذ العربي في هجومه على مستعمرة سجرة، لكنها عادت لحماية القرية أثناء الهدنة. بعد الهدنة بدأت القوات الإسرائيلية عملية عسكرية منظمة تحت اسم عملية ديكل، وفي 16 تموز / يوليو جاء نبأ سقوط الناصرة، وقد ذعر سكان القرية وطلبوا المعونة العسكرية من عرق الإنقاذ العربي المرابطة في الجوار، لكن طلبهم لم يستجب. وفي ليل 16 تموز / يوليو غادر معظم سكان لوبية قريتهم خشية من انفراد الإسرائيليين بهم والانتقام منهم، وخرج أغلبهم باتجاه نمرين وعيلبون ومنهما إلى لبنان. وتختلف الآراء حول بقاء ميليشيا القرية وبعض المسنين فيها. وقال شهود عيان أن القوة الإسرائيلية المحتلة قصفت القرية قبل دخولها ثم دمرت بعض المنازل وصادرت بعضها الآخر، وجاء في كتاب “تاريخ حرب الاستقلال” أن لوبية سقطت من دون قتال، وفتح بذلك الطريق أمامنا إلى طبرية”.

معارك لوبيا حسب المؤرخ الأستاذ جميل عرفات
شهدت لوبيا عدة مصادمات بينها وبين الصهاينة سنة 1948، أشهرها في 28/3/1948 وأخرى في8 /6/1948، وفي 18/7/1948 تمكن لواء جولاني من احتلال مسكنة ولوبية بعد أن سقطت جميع المواقع المحيطة بها مثل، كفر سبت، حطين، الشجرة، الناصرة، صفورية، وطبريا، وقد بلغ عدد الجنود الصهاينة الذين قتلوا في تلك المعارك 87 جندياً أقيم لهم نصب تذكاري في مفرق مسكنة (جولاني)، وبعض الروايات تقول إن العدو خسر ما يقرب من مائتي قتيل.
في 24 شباط حاولت الهاجاناة أن تختبر قوة حامية لوبية، فهاجمت القرية ليلاً من الجهة الشرقية، ولكن يقظة المجاهدين من أهل لوبية أوقعت فيهم خسائر بشرية بقيت في ساحة المعركة.
في 27 شباط اشتدت الرماية بالرشاشات بين المجاهدين من أبناء الشجرة ولوبيا وقوات “أبو عاطف” وذياب الفاهوم واستمرت من الساعة الثالثة بعد العصر إلى الساعة السادسة مساء، وأصيب من المجاهدين ظاهر أحمد بكر، وسليم حسين، ومحمود محمد قاسم، وأحمد مفضي الشهابي الذي توفي متأثراً بجراحه بتاريخ 9 آذار 1948.
واشتدت المعارك على جبهة لوبيا، وقام الطيران بعدة طلعات قصف خلالها القرية واستشهد على أثرها كل من المجاهد حسن احميد، ومحمد حسن احميد، وعلي نزال وابنه صبحي، وجرح محمد رشراش. وبتاريخ 8 أو 9 حزيران زحفت أعداد كبيرة تحت جنح الظلام على قرية لوبيا من الجهة الشمالية والجنوبية وداهمت أحياء القرية “حارة العطوات والشهايبة” وبعد قتال مع أهالي الحي البعيد عن القرية استطاعت القوات المهاجمة احتلال الحي الجنوبي لعائلة الشهايبة واستشهد 18 شهيداً هم: محمد مفضي الشهابي، سعيد مفضي الشهابي، محمد سعيد الشهابي، سعيد صالح الشهابي، اسماعيل ذيب الشهابي، محمد يحيى عدوان الشهابي، مديرس الشهابي، شحادة الشهابي، حسن عبد شناشرة، شنوان الشهابي، محمد يوسف عزيزة، ابراهيم سلامة، سعيد حسن، يوسف حسن، وأحمد ابراهيم دلاشة(سقلاوي)، وقد عرف من مجاهدي لوبيا، رمزي أبو دهيس، سعيد مفضي محمود، فوزي أبو دهيس، مطلق عبد الرحمن، محمد ابراهيم ذياب، المجاهدة فاطمة ذياب، زكي أحمد حجو، مرزوق عودة، الشيخ سليمان العبد، كامل حميد محمد عبد الله، أحمد العوض عطوات، طاهر محمد حسين، سمير جوهر حميد، علي أبو دولة، حافظ حميد، محمد السيد، يوسف الكيلاني (وكان من قيادة الكف الأسود)، أحمد الصوص، سمير جوهر.
وقال الشاعر فرحات سلامٌ مخلدا معركة لوبية
في لوبية ياما استشهدت شبان بصمودهــا طــردت أعاديها
ولولا الـ؟، بالجليـل خان ما راحت الناصرة وراحت ذراريها

القرية اليوم
فجّر الإسرائيليون منازل لوبية في سنوات الستين من القرن الماضي (كما يبدو بين 1964-1966). غرس الصندوق القومي اليهودي (كيرن كييمت)، وهو الذراع المتخصصة باستملاك الأراضي وإدارتها في المنظمة الصهيونية العالمية، في موقع القرية وحوله غابة صنوبر باسم “لَفي” وغابة أخرى في الجوار تحت اسم جمهورية جنوب أفريقيا.
ما زال حطام المنازل متناثرًا بين أشجار الصنوبر، تتوسطه مقبرة القرية ومقام النبي شوامين، وتكثر في أنحاء الغابة، أي ما كان أنحاء القرية، آبار المياه التي كان يستخدمها السكان لتجميع مياه الأمطار. وما زالت بعض أشجار القرية الأصلية مثل الزيتون والرمان والتين والتوت والفلفل والصبار نامية في أرجاء الغابة. أما الأراضي الزراعية فيستغلها سكان المستعمرات المجاورة. وأنشئ على أرض القرية أيضًا متحف عسكري ونصب تذكاريّ للواء “جولاني” العسكري الإسرائيليّ. وقد أنشئت مستعمرة “لَفي” في سنة 1949 على القسم الشمالي الشرقي من أراضي القرية، وفي عام 1991 أنشئت مستعمرة “جبعات أفني” على طرف القرية الشرقي وبالقرب منها بني في 2011 مشفى “قرية نهر الأردن”. كما بنيت أجزاء من حي د لمدينة طبرية على أرض لوبية بالإضافة إلى المنطقة الصناعية “جولاني”.

المصادر:
_______________
1- وليد الخالدي، كي لا ننسى، بيروت 1997، ص 413، 414.
2- فلسطين الذاكرة. 3 أيار 2014، قرية لوبيا المهجرة.
3- مصطفى الدباغ، بلادنا فلسطين، جزء 2، قسم 2، ص424،425.
4- إبراهيم أبو جابر، “جرح النكبة”، 2004، الجزء الثاني، ص 309-312.
5- موسوعة المقدسات في فلسطين، مؤسسة الأقصى للوقف والتراث، قضاء طبريا، ص 168، 169.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى