أخبار رئيسيةأخبار رئيسية إضافيةمقالات

ما حاك جلدك مثل ظفرك

صالح لطفي- باحث ومحلل سياسي
يعاني المجتمع العربي في الداخل الفلسطيني من سياسات التمييز العنصري وسياسات الاقصاء والحظر الممنهج منذ قيام إسرائيل والى هذه اللحظات، وكلما دق الجوز في الجرة يذكرنا حكام إسرائيل ومن معهم من أجهزة الشاباك والشرطة وغيرها اننا أقل درجة من المواطن الإسرائيلي ولن ينفعك انك نائب في الكنيست أو موظف كبير في الدولة او طبيب حاذق لك اسمك في المستشفيات الإسرائيلية او اكاديمي مرموق، فمهما وصلت من مقامات تبقى “العربي” الجوي ولو كنت خادما في السلك العسكري والأمني ومقدم خدمات جليلة لصاحبة الجلالة، وهذه السياسات أثّرت جذريا على حاضرنا وستؤثر على مستقبل المجتمع العربي برمته في الداخل الفلسطيني، سواء ذلك الذي آمن بالشراكة المطلقة مع إسرائيل ونادى بالمساواة وربط مصيره بها او هادنها وقدم تصورات ممكنة للحياة معها او تحت ظلالها او ناكفها.
المجتمع الإسرائيلي يمرُّ في مرحلة من المتغيرات الجذرية المتناقضة فهو اكثر تدينا الا انه أكثر شهوانية وهو اكثر يمينية في المواقف السياسية “النيوليبرالية، الا انه يطالب بعدالة اجتماعية ذات بعد اشتراكي ويطالب بالحرية الفردية والخصخصة الا ان الدولة ممسكة بكل الأمور، وهو أكثر انغلاقا الا انه ينادي بالجماعية عند وقع الخطوب وهو اكثر فاشية في طروحاته اتجاه الاخر الإسرائيلي وعدمي اتجاه الداخل الفلسطيني الا انه يزعم الإنسانية ويعود الى تجذير هويته عبر الالام الدياسبورا، ومنها الحملة النازية الا انه لا يتورع عن ممارسة أشد سياسات القتل والوحشية اتجاه الفلسطينيين. وهو مجتمع مع ذلك كله نفعي ووصولي، وهذا الذي ذكرت يتجلى في الأحزاب وطروحاتها وبرامجها وما إفرازات الانتخابات الأخيرة الا تجل لبعض ما ذكرت.
في المقابل العالم السياسي للداخل الفلسطيني متعدد المجالات والوسائط ومتأثر من عدة أطر ومنظومات داخلية (فلسطينية وإسرائيلية) وخارجية (إقليمية ودولية) فالداخل الفلسطيني جزء من الكل الفلسطيني والعربي والحاضر الإسلامي ومن ثم فهو يتأثر بما ذكرت وما تداعيات المشهد السوري عنا ببعيد.
ثلاثة هويات تتنازع الداخل الفلسطيني منذ تسعينات القرن الماضي: الهوية الوطنية والهوية القومية والهوية الإسلامية، وهذه الهويات تتداخل حينا وتتنافر أحيانا وفي ظل تكوين وتأسيس القائمة المشتركة وخوضها عدد من الانتخابات (ثلاثة انتخابات) وازدياد عددها باستمرار في الكنيست ثمة حاجة ماسة لقراءات مجددة للداخل الفلسطيني في ظل تعاضد وتناقض هذه الهويات إن في سياقات التشظي التي يعانيها مجتمعنا على أكثر من صعيد، وإن في ظل التحولات الجارية فيه منذ وتحديدا في العقدين الأخيرين.
الاخوة في القائمة المشتركة تقدموا بخطوات الى الامام في التعاطي مع المنجز السياسي الذي تحصلوا عليه ويسعون لترجمته عمليا لصالح أبناء الداخل الفلسطيني ووافقوا فيما يبدو ان يدعموا حكومة اقلية بقيادة غانتس مقابل طلبات رشحَ من طرف أزرق ابيض، استعدادهم المبدئي لقبولها والتعاطي معها خاصة ذات الطابع المدني والمطلبي مع إقرارهم بوجود خلافات جذرية في قضايا سياسية مختلفة.
يوم الثلاثاء الماضي، خرجت بنت دافيد ليفي أحد مؤسسي حزب الليكود ووزير خارجية في عصر شامير وصاحب الكلمة المشهور “جندي مقابل جندي، ولد مقابل ولد، رضيع مقابل رضيع” في معرض رده على مواجهات الجنوب اللبناني. أورلي ليفي أبكسيس قالت انها لن تدعم حكومة تقوم على أصوات القائمة المشتركة ناقضة كل ما ذكرته سابقا في هذا المجال، ثم اصدر الرجل الثاني في كاحول لافان يائير لبيد بيانا قال فيه إن ما يسعون لتحصيله من القائمة المشتركة تصويتهم لصالحهم لتشكيل الحكومة وهذا التصويت لمرة واحدة، أي استعمال القائمة لمرة واحدة فقط. يقول: “خلافا لكافة الأكاذيب التي يروجها بنيامين نتنياهو، فإن المشتركة لن تكون جزءا من هذه الحكومة (الضيقة)”. وأوضح لبيد أن ما تسعى “كاحول لافان” إلى تحصيله من نواب المشتركة هو “تصويتهم مرة واحدة من خارجها (الحكومة)، وبهذا ينتهي الأمر. بيبي تعاون معهم حوالي ألف مرة في الماضي. أعترف مسبقا، هذه ليست الحكومة التي أردناها. من ناحية أخرى، انها أفضل بكثير من الجمود الحالي. يمكن لهذه الحكومة أن تضع ميزانية، ستعود الوزارات إلى العمل، ستفتح لجان الكنيست، سنساعد الشركات الصغيرة وسنمنع الإقالات الجماعية”.
عقلانية الأخوة في القائمة المشتركة تواجه بسيل عرم من التهجمات من طرف الأقطاب السياسية الإسرائيلية كل على طريقته فنتنياهو مثلا لا يتورع ان يصل حد التحريض الفاشي فعنده في السياسة هدف واحد، الحفاظ على وجوده السياسي ولتحقيق هذا الهدف مسموح التعامل مع كل الوسائل، فقد اعتاد الرجل مثل هذه السياسة التي أفضت عام 1996 الى نقطة انكسار في السياسة الاسرائيلية الداخلية كان من نائجها قتل رئيس وزراء.
في ظل هذا الواقع السياسي “الإسرائيلي” تمارس المشتركة نوعا من البراجماتية السياسية يرافقه وضوح في الطروحات السياسية كما يصرح رئيسها ايمن عودة: “يهمنا الاتزان والكرامة والعقلانية في هذه المرحلة، لدينا مطالب سياسية، هي رفض أي مخطط أحادي الجانب (صفقة القرن). المسجد الأقصى مكان صلاة للمسلمين فقط، وإعادة الوضع القائم (منع الاقتحامات من قبل المستوطنين)، القدس الشرقية عاصمة عتيدة للدولة الفلسطينية، (نركز على قضية المسجد الأقصى حاليا)، خطة اقتصادية شاملة للمجتمع العربي، خطة لمكافحة العنف والجريمة في المجتمع العربي، الاعتراف بالقرى مسلوبة الاعتراف في النقب، حل قضية قريتي إقرث وكفر برعم وطبعا إلغاء قانون كامينتس”.
تقابل براجماتية المشتركة بالنفي والاقصاء والحظر والتشكيك وابرازهم كعدو وهذا محل اجماع لدى الطيف السياسي الإسرائيلي عدا أحزاب العمل وميرتس (خمسة أعضاء من 105 أعضاء في الكنيست).
وهو ما يضع علامات سؤال جادة حول جدوى المشاركة في الكنيست بعدئذ قدمت المشتركة مرونة غير مسبوقة في التعاطي مع راهنية الفعل السياسي.
من الضرورة بمكان ان تفحص المشتركة جدوى الكنيست والبحث عن أدوات أخرى لتحقيق المصالح العينية والجوهرية للداخل الفلسطيني، فما حاك جلدك مثل ظفرك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى