أخبار رئيسيةأخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

صفقة القرن…أزمنة فلسطينية 3/3

صالح لطفي- باحث ومحلل سياسي

الخروج من النفق..
ابتداء، تدخل القضية الفلسطينية عامها الثالث عشر بعد المائة الأولى وقد وصلت وفقا للمنظور والرؤية السياسية الاستراتيجية الى مرحلة حرجة على كافة المستويات وفي كل القطاعات: الشتات والداخل بكل مكوناته السكانية، بل وصل الأمر في البعض إلى المسارعة بنعيها، خاصة بعد صدور صفقة القرن وصمت عالمي حولها.
الحقيقة دائما تكمن في أعماق المأساة وتضاعيفها الداخلية، فعلى قدر قسوة الوضع الذي آلت إليه، على قدر ما تتخلق في رحم الغيب أقدار التحرير والخلاص من الشتات والإرهاب الإقليمي والدولي والإسرائيلي والداخلي الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني، فالشعوب كل الشعوب التي تملك قضية عادلة قد تستضعف زمنا طويلا لكنها لا تستضعف الى الأبد إذا توافرت لديها القوى الحية الرافضة للاستعمار، وللتذكير فقد جاهد الشعب الجزائري الاستعمار الفرنسي من لحظة احتلاله الى لحظة رحيله، لم يتوقف يوما، وحملت قواه الحيّة السلاح وأجرت المفاوضات، كما في الحالة الفيتنامية، ولا أبعد النجعة في حالة الحركة الصهيونية وجدل علاقاتها مع بريطانيا ربيبتها، ولذلك في حالتنا المخصوصة تكون الحركة الصهيونية المثال الذي ننظر إليه باعتبار مسيرتهم منذ الانعتاق الى لحظات الكينونة الأولى، مع الأخذ بعين الاعتبار تضاعيف وتعقيدات تلكم العلاقات التي تطورت مبكرا مع المركنتالية الأوروبية. في ظلال شتات فلسطيني نام ومتطور ومتعاط مع الكثير من المؤسسات ويملك بعضه رأس مال مادي ويملك مبررا أخلاقيا لمقاومته السلمية التي يفهمها العقل الأوروبي ويملك الكثير من مكامن القوة الناعمة العلمية والتقنية والدبلوماسية، فضلا عن الداخل الفلسطيني الكبير الممتد على مساحة الوطن الذي يملك من أدوات التحرير الشيء الكبير الذي يحتاج الى قيادة مخلصة راشدة تترفع عن السفاسف وترتقي الى معالي.
سيبقى المثال الجزائري ومن بعده المثال الفيتنامي واليوم المثال الأفغاني متمثلا بطالبان، المثال الحي في كيفية التحرر من قوى الطاغوت مهما كانت قوتها، ولو كانت قوة نووية وفي مجلس الأمن.
ثلاثة مراحل..
المشروع الفلسطيني -استعملها إجرائيا- مرّ منذ النكبة الى هذه اللحظات بثلاثة مراحل دون دخول في تفاصيل ودقائق هذه المراحل المليئة بالأحداث، مرحلة الوقوف على ثابت التحرير والذي نادى لتحرير كامل التراب الفلسطيني رافضا الواقع الإسرائيلي وكافة القرارات الدولية، واستمر حتى أواسط ستينات القرن الماضي وخلال هذه السنوات تأسست منظمة التحرير التي اعلنت عام ١٩٧٣ عن البرنامج المرحلي، وفيه أعلنت عن استعدادها إقامة الدولة على اي شبر يتم تحريره، ثم كانت المرحلة الثالثة مطلع التسعينات والتي بدأت بمؤتمر مدريد تحت رعاية أمريكية مباشرة وانتهى باتفاق اوسلو عام 1993، ليكون هذا الاتفاق دون مستوى الحكم الذاتي الذي رفضته المنظمة أيام “كامب ديفيد”، الاتفاق المصري الإسرائيلي وتداعياته أمامنا واضحة، وما صفقة القرن إلا من ثماره النكدة.
لا يختلف طرفان أن اتفاقية أوسلو جلبت الكوارث على الشعب الفلسطيني، وتعتبر اتفاقية دايتون والتعاون والتنسيق الأمني قاسمة الظهر فيها، فضلا عن تأجيل أهم القضايا وفي مقمتها القدس واللاجئين والأرض، لتتحول الأرض الفلسطينية الموعودة لتكوين الدولة، الى جزر وكانتونات انتهت بصفقة ترامب التي أعلنها مؤخرا، وهذه الورقة من أولها الى آخرها كتبت في مراكز البحث الإسرائيلية، وإن شارك فيها أمريكيون صهاينة.
راهن القضية الفلسطينية وتلبسها في غشاوات المظلومية التاريخية التي بدأت منذ مؤتمر كامبل بنرمان – عقد بين سنوات 1905و1907-، وفيه حسمت اوروبا وفي مقدمتها بريطانيا المسألة اليهودية بإقامة وطن لهم على أرض فلسطين كحاجة استعمارية لإبقاء المنطقة مفككة وتحت السيطرة لمّا تنتهي بعد، وما نراه اليوم هو من مستجدات إعادة الاستعمار، وبالتالي فالمسألة أكبر من الفلسطينيين وهي بالقطع أكبر من الحركة الصهيونية وإسرائيل، وبيان ذلك بالدعم الذي تتحصل عليه إسرائيل من أكثر من جهة وجانب، مما يجعل القضية أكثر تعقيدا مما يظن الكثير، ففي السياقات الكونية وصراع الكبار تضيع التفاصيل أحيانا ولكنها تتحول الى أساس عندما من تلهب سياط تدافعاتها ظهره.
في هذا السياق تتدافع قضيتان متداخلتان ومتنافرتان، قضية شعب يريد الحياة بكرامة وشعب يقابله يُستعمَل أداة ووظيفة تخدم الكبار وهؤلاء الكبار أمدوه بأسباب القوة والجبروت والحماية، لكنهم يعلمون أن اللحظة الفارقة قادمة لا محال وأن هذه الدولة ستدفع أثمانا لا يقوون هم عليها، سيتحمل نتائجها هم فقط ولن تنفعهم خيارات شمشون.
على الساحة الفلسطينية تتصدر المشهد رؤيتان مع تفاصيل لكليهما، الأولى تنادي بالتحرير من خلال العملية السياسية والمفاوضات والمقاومة السلمية، والثانية من خلال المقاومة بمعناها الرحب وفي القلب منها المقاومة المسلحة، وهذه الأخيرة تعتبرها إسرائيل ودول عربية واوروبية وكما الولايات المتحدة، إرهابا، لكن هذا الإرهاب لا تتردد إسرائيل ان تتعامل معه لتحقيق مصالحها المرحلية وغير المرحلية مما يفضي الى براغماتية سياسية تنسف مسألة تعاريف الإرهاب، وفقا لمساقات محور واشنطن، ومؤخرا بعد توقيع واشنطن اتفاقا مع طالبان، تقوض نهائيا تعريف الإرهاب وافتضح أمر تعريفه الاستعماري المعدّ وفقا لمصالح محور موسكو-واشنطن.
اليوم بعد ربع قرن على أوسلو، استحالت السلطة الى حالة زبائنية تورط عديد قياداتها من سياسيين وعسكريين وأمنيين، بملفات فساد تدفع بهم في ظلال نظام شفاف الى السجن عدد سنين وتجريدهم من كل ممتلكاتهم، لكن كلنا يعلم ان هذه الإتاوات ثمنا لتورطهم مع الاحتلال وهم بذلك متورطون بأشد من الفساد المالي والذممي والأخلاقي، ثمة حديث عن تورط بعض من قيادات حماس أو المقربين منهم بجنيهم الأرباح على كل ما يدخل القطاع المحاصر منذ عام ٢٠٠٧، فإن صحت هذه المقولات فلا فرق كبير بين فساد المستبدين من فتح والمتسلقين من حماس وإن تفاوتت احوال ومعالم الفساد، بيدّ أن الفساد لا اسم آخر له مهما أصبغ عليه من رتوش، مما يجعلهم في الفساد مع فتح سواء، والمتضرر الوحيد هم الفلسطينيون البسطاء وفي مثل هذه الحالة من سيقف لصفقة القرن ؟.
هل يتوقع قادة الشعب الفلسطيني أن يتصدر للصفقة شعب يُسام سوء العذاب من فلذات كبده ويقهر تحت سياط الفقر والفاقة والعوز وتحت سياط التنسيق الأمني والخاوات وفوضى السلاح وتحت سياط خلافات المصالح بين الكبار.

الرأسمال الفلسطيني..
كل الدول غير المستبدة والمحكومة وغير المحكومة بقوى وعصابات بغض النظر عن مسمياتها، ترى أن رأسمالها البشري هو الأساس الذي تملكه، وتعمل جاهدة على تنميته وتطوير قدراته، هذا ما نراه مثلا في الجانب الإسرائيلي باستمرار وقد وصلت هذه الدولة مكانة عالية في بعض الصناعات بفضل هذا الاهتمام والرعاية، مما جعلها رقما صعبا في المعادلات الدولية ذات الصلة بالتصنيعات الدقيقة، وفي ظل تفكك العراق وارتهانه لإيران وخراب سوريا وتعرضها للاحتلال الايراني الروسي ومصادرة مصر على يد عصابة عسكرية شربت الحليب الأمريكي والتحولات الاقليمية والدولية، تحولت اسرائيل الى قوة إقليمية تفرض سياساتها على المنطقة وما صفقة القرن إلا بدايات للسيطرة المطلقة على منطقة الشرق الأوسط.
الشعب الفلسطيني مليء بالخبرات والقدرات والطاقات ويملك من أدوات القوة الناعمة ما لا يملكه المجتمع الإسرائيلي المرتهن للحكومة وأدواتها المختلفة، وهذه القوة تتراوح بين السياسي والاقتصادي والعلمي والاجتماعي والدبلوماسي، وهذه القوة لما يستفاد منها بعد لغياب الدافعية السياسية التي توجه وتتحكم بالمقود، فاليوم لا قيادة للشعب الفلسطيني بالمعنى الكامل لكلمة قائد.
هل يمكننا الخروج من فك أوسلو ومخرجاتها..
عمليا كفلسطينيين نحن أمام سيناريوهات تتعلق بمستقبلنا، بقاء الامور على ما هي عليه. سيناريو الأمر الواقع اي ممارسة تنفيذ مباشر لصفقة القرن في الجانب المتعلق بالأرض، والثالث المقاومة على كل أنواعها لهذه الصفقة. المحددات لمواجهة هذه الصفقة اربعة: الدافعية، القوة، القرار السياسي، الوحدة.
عمليا يملك الشعب “عموم الناس” تلكم المحددات بيد أن الامر مختلف اختلافا شديدا بين القوى المتنفذة خاصة حماس وفتح ففتح ترى في التنسيق الأمني قضية مقدسة وهي مبرر وجود السلطة الى الآن. ولذلك فإسقاط الصفقة مرتبط أساسا بهاتين الحركتين.
على كل الاحوال الشعب الفلسطيني يمكنه إسقاط هذه الصفقة إذا توفرت معه ثلاثة مفاتيح: الوحدة، الوعي والصبر.
ثمة إيجابيات في هذه الصفقة انها وضعتنا كشعب فلسطيني في كل أماكن تواجده أمام المرآة، واليوم نحن أمام حقيقة واقعنا كفلسطينيين بكل مكوناته ومركباته وباتت الأمور ملحة للمراجعات ونقد الذات.
الفلسطينيون ملزمون ابتداء بحسم موضوع منظمة التحرير ومجلسها الوطني للتخلص من أوسلو، فإما ان يتم إخراج المنظمة من غرفة الإنعاش وإعادة الحياة إليها لتقود مواجهة الصفقة، وإما تشكيل منظمة جديدة لا تستثني احدا من الشعب الفلسطيني أي كان مشربه وفكره وتعمل على إعادة الثقة مع الشعب الفلسطيني وتتبرأ من اوسلو وموروثاتها، وتعلن للعالم براءتها منه، خاصة وأنها كشفت عوار الغرب وبانت حقيقته المطلقة من القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني.
لابد من التفكير خارج صنميات السياسة والمكتسبات السياسية المتوهمة أو المتوقعة والسير في رحاب التفكير الجمعي الخالص للشعب الفلسطيني واستثمار كل التقنيات وادوات التواصل وسيل المعلومات واندفاعها وتمدد الدولة في عصر ثورة المعلومات المعولم، وارتباطها بالتقنيات والذكاء المجتمعي وإعادة ترميم العلاقة معه والقيام بمصالحة مجتمعية جامعة تنظمه من جهة وتُنظف فيها السجون في الضفة والقطاع من المعتقلين السياسيين من جهة اخرى، ويُعزز الوعي السياسي وثقافة المقاومة والتحمل والجلد وفهم عميق ودقيق لمعاني “إنهم يألمون كما تألمون..” ومعاني واعتصموا. والعمل المباشر على تحقيق معاني التعددية والقبول بالأخر. الوحدة بحدها الأدنى مطلب شرعي وأخلاقي ووطني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى