أخبار رئيسيةأخبار عاجلةأخبار وتقاريرالضفة وغزةومضات

لاحقه جنود الاحتلال لتأمين عبور المستوطنين.. تقرير: “ريان”.. طفلٌ لم يمت ببئرٍ مظلمة لكنه وجد قلبه بلا نبض!

انطلق ريان سليمان (7 أعوام).. مع صوت رنين الحصة المدرسية الأخيرة، وانصرف مع بقية الطلبة عائدًا لمنزله في “خربة الدير” ببلدة “تقوع” جنوب شرق بيت لحم، ركض فرحًا كما يعود الأطفال لمنازلهم، ليقص على أمه التي زارته بالمدرسة في اليوم نفسه (الخميس، 29 سبتمبر/ أيلول 2022) بقية تفاصيل “اليوم المفتوح” بالمدرسة، ولم يدرِ أن هناك تفاصيل قصة أخرى ستواجهه بالطريق، وأن الفرح سيتحول لخوفٍ.

بالعادة يقطع الطفل مسافة كيلو متر وهو وزملاؤه بالمدرسة حتى يصل إلى منزله، في شارع يمر منه المستوطنون كذلك، مليء بنقاط لجيش الاحتلال التي تؤمن عبور المستوطنين، حتى لو كان على حساب ملاحقة أطفال صغار، وهذا ما حدث مع ريان.

سبق صوت ريان اللاهث والقادم من بعيد جسده، فوصل إلى مسامع والدته وأشقائه الأكبر سنًّا يطلب منه فتح باب البيت، كان صوته مرتبكًا، خائفًا، مرتعدًا بخلاف كل مرة يعود فيها من المدرسة، فأدركت أمه أن هناك شيئًا حدث معه.

ألقتْ أنفاسه أوتادها وبدأ صوته اللاهث يهدأ، تخرج كلماته المتقطعة رويدًا رويدًا: “ماما، شلحيني ملابس المدرسة!”، بالعادة يبدل ملابسه بنفسه التي لم يستطِع القيام بها الآن لشدة خوفه، يخشى أن تتم ملاحقته ومداهمة منزله من قبل جنود يلحقون أطفال المدرسة، حتى أنصتت الأم وطفلها لصوتِ طرقات متواصلة من قبل جنود جيش الاحتلال.

نزل والده ومعه إخوة ريان وفتحوا الباب للجنود، لكنهم لم يعثروا على ملامح ريان وطلبوا إحضاره: “بدنا الولد الصغير”.

ارتجف صوت وأطراف ريان بين أحضان أمه، فلطالما كان أكثر الأماكن أمنًا له، وسألها: “بدهم ياخدوني!؟”، فطمأنته: “لا، ليش ياخدوك، أنت شو عامل”، ونزلت به على درج المنزل، تريد مواجهتهم أمام إصرار الجنود على إحضاره، فما كان من الطفل إلا أن أفلت يده من يدي أمه، وحاول الهرب من باب المنزل الخلفي، إلا أنه تفاجأ بجنود الاحتلال الثلاثة بانتظاره وشهروا في وجهه السلاح، سقط الطفل أرضًا، ووجد قلبه بلا نبض، ليرحل شهيدًا.

ماذا فعل؟

لم يسقط ريان الفلسطيني في بئر كما حدث مع ريان المغربي، الطفلان فارقا الدنيا وتجمدا من الخوف نفسه، طفل صغير لم يتجاوز عامه السابع، في الصف الثاني الابتدائي، كان مطلوبًا للاعتقال من قبل جنود جيش الاحتلال، “ماذا فعل طفلي، كي يعيش رحلة رعب؟ ويشهر في وجهه السلاح، وتتم مطاردته فقط لتأمين مرور المستوطنين؟”.. تتساءل أمه في تصريحات صحفية لها، وفي صوتها حرقة وقهر، لم تتعافَ من الصدمة بعد، بعدما خطف جنود الاحتلال ابنها أمام عينيها وفي لمح البصر.

بدأ ريان، يومه بصباح جميلٍ، استيقظ مع إشراقة الشمس، وارتدى ملابس المدرسة الزرقاء، وصفف شعره، وتناول طعام الإفطار مع أمه، حدثت تفاصيل أخرى تماسكت والدته لتقصها هنا “طلب مني أن أعد له فطورًا، فكانت هناك فعاليات إفطار جماعي بالمدرسة (يوم مفتوح)، وبالفعل ذهبت للمدرسة وسألت عنه وقالت لي معلمته: “ابنك متفوق، الأول على الفصل”، ثم جلست معه قرابة الساعتين في المدرسة”.

عاش الطفل أجمل ساعتين له منذ بدء عامه الدراسي، أمضت الأم جزءًا منها بالفصل وجزءًا جلست مع ريان في ساحة المدرسة، صوت ريان القادم من الذاكرة يعود بها للحظة زيارتها له، كان صوتها مليئًا بالحزن وهي تنقل لحظات فرح: “قال لي وهو سعيدٌ بقدومي: “ماما، حبيبتي، ضلك تعالي عليَّ”، وأصرَّ على أن أفطر معه بالمدرسة، وطلب مني نقله إلى المقعد الأول، لاعتقاده أن “الأول على الفصل يجلس بالمقعد الأول” ونقلت طلبه للمعلمات اللواتي أشدن بتفوقه”.

حلم الطبيب لم يكتمل

حلم ريان أن يكون طبيبًا، كان الحلم ينمو بداخله ويترعرع، ليعالج المرضى بمنطقته ويخفف عنهم عبء التنقل عبر مسافات بعيدة، وأحلام كثيرة عاشت أمه أدق تفاصيلها “دائمًا كان يقول لي: “بدي أصير دكتور”؛ عندما كان يعود من المدرسة، لا يتناول الطعام ولا يبدل ملابسه، قبل أن يخرج دفاتره ويشاركنا فرحته، بتصحيح المعلمات له، يحب جمل التحفيز “ممتاز يا بطل، يا دكتور، إلخ”.

لم يكن الخوف الأخير الذي أوقف قلب الطفل هو الأول، كان يجب أن يطلق على الشارع الذي يمر به “شارع الموت” من شدة احتكاك واستفزاز جنود الاحتلال بالطلبة الأطفال، ففي كل لحظة يمر فيها مستوطن، يقوم الجنود بإخلاء الطريق من الفلسطينيين، حتى لو كان طفلًا بعمر ريان.

مع كل صباح كانت أم ريان تودع أطفالها للمدرسة، بقلبٍ يغلي لا يهدأ إلا عندما يعودون من المدرسة، “المستوطنون يمرون في الطريق، وهذا سبب وحيد يكفي ليجعل قلبي يغلي على أولادي وأظل أترقب عودتهم من نافذة المنزل، فهؤلاء معروف عنهم ارتكاب جرائم بحق الأطفال، حتى إنهم هددوا أطفالي الصغار وقال أحد الجنود لهم في أثناء عودتهم: “أنتم يا دار سليمان جاي دوركم”، وكثير من الأحيان يوصلهم والدهم إلى المدرسة”.

يقع منزل ريان في خربة الدير، ويوجد في المسافة الفاصلة بين الخربة والمدرسة أربع نقاط جيش، يقول عمه صقر في حديث صحفي: إنه عندما يمر المستوطنون، يصبح الشارع منطقة مغلقة، ويوميًا هناك ملاحقة واستهداف واستفزاز ومضايقات لطلبة المرحلة الابتدائية الذين لا تتجاوز أعمارهم سبع أو عشر سنوات.

لم يرق للجنود رؤية الأطفال يلعبون وهم في طريق عودتهم للمدرسة، فقاموا بملاحقتهم، “ثم تفاجأنا بتفتيش البيوت ومداهمتها بحثًا عن الأطفال”، تغلي نبرة صوته حسرةً “طفل صغير كان لديه أحلام عديدة، منها أن يصبح طبيبًا، لكن تم اغتيالها من قبل هذا الجيش القاتل”.

في المشهد الأخير لريان الطفل.. التف الأطفال الصغار حول زميلهم، يشيعونه وهو مكفن بعلم فلسطين، تلف رأسه الكوفية، نام ريان فلسطين نومته الأخيرة بملامح ملائكية صافية وأغمض عينيه.

كانوا كلهم قبل ساعات يلعبون بساحة المدرسةِ، لم يسقط في بئر مظلمة كما حدث مع الطفل ريان في المغرب، وكشف عن استهتار أنظمة عربية بحياة مواطنيها، لكن قلبه الذي تجمد من الخوف، كشف عن بشاعة الصمت العالمي ضد جرائم الاحتلال بحق أطفال فلسطين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى