أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

بين هزيمة 67 وإلغاء “مسيرة الأعلام”…  ما الذي تغير؟

ساهر غزاوي

ما الذي تغير اليوم عن الأمس على مجريات الأحداث وأشكال حقيقة الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي في القدس والمسجد الأقصى المباركين؟ سؤال يتبادر كثيرًا إلى الأذهان، في ذكرى هزيمة الذل والعار، حرب عام 1967، أو ما يُعرف عربيًا باسم “النكسة”، ويطلق عليها إسرائيليًا حرب “الأيام الستة” وذلك من باب التفاخر بالمدة الزمنية القصيرة التي هزمت خلالها الجيوش العربية واحتلت مساحات واسعة من الأراضي الفلسطينية والمصرية والسورية. في اليوم الثالث من بداية الحرب احتل الجيش الإسرائيلي بزعامة موشيه ديان وزير الحرب يومها، وأحد كبار قادته، إسحق رابين مدينة القدس والمسجد الأقصى. واقتحم الجنرال “موردخاي جور” وجنوده الأقصى ورفعوا العلم الإسرائيلي على قبة الصخرة وحرقوا المصاحف، ومنعوا المصلين من الصلاة فيه، وصادروا مفاتيح أبوابه. وكانوا يتصايحون (جبل المعبد بأيدنا). وقام بعضهم بنفخ الشوفار (المزمار اليهودي) في الأقصى إيذانا بـ (عودة) اليهود إلى القدس، وإيذانا باحتلال مدينة القدس والمسجد الأقصى وفرض السيادة الإسرائيلية عليهما بإرادة قوة السلاح والنار.

إن الناظر يومها إلى عدم التوازن الاستراتيجي والتفوق الإسرائيلي العسكري والتكنولوجي والاقتصادي والنفوذ السياسي، يرى أن الخلل في ذلك التوازن انعكس على موازين القوى القائمة على الأرض لمصلحة التفوق الإسرائيلي والضعف العربي، وهو السبب في كل ما حاق بالعرب والفلسطينيين من نكسات وهزائم وإحباطات وكوارث حلّت عليهم، كان من نتائجها التصريحات الاستسلامية التي كان يطلقها بين الفنية والأخرى شخصيات عربية وفلسطينية مسؤولة. فقد وُجد من يقرّ التفاوض مع الإسرائيلي إذا انسحب من الأراضي التي احتلها بعد عام حرب 1967. ووجد من يقول: العرب على استعداد للتفاهم إذا نفذت إسرائيل مقررات هيئة الأمم!! كما وجد من يقول واهمًا: إن القضية لا تحل إلا بعد أن تعترف إسرائيل بدولة فلسطينية أو حكم ذاتي للفلسطينيين!! حتى وصل الأمر ببعضهم أن يوافق على وضع المسجد الأقصى على طاولة المفاوضات مع الإسرائيليين ويفاوض على تقسميه زمانيًا ومكانيًا تمامًا كما قُسّم المسجد الإبراهيمي في مدينة خليل الرحمن.

إذًا، فما الذي تغير اليوم عن الأمس؟ وكيف يختلف واقع اليوم عن واقع تلك الحقبة السوداء، حتى بتنا نرى صورة أخرى مغايرة لحقيقة شكل الصراع ومشاهد بطولية يُسطرها الفلسطينيون بتحديهم للاحتلال الإسرائيلي ومقارعته؟ وهل من ذكرى ألم حرب عام 1967 تعلم الشعب الفلسطيني الذي يقود معركة الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي رأس حربة المشروع الاستعماري الغربي على فلسطين وعلى القدس والمسجد الأقصى، الدرس برفض الهزيمة والحلم بالانتصار في ذكرى “النكسة”؟… وما الذي جعل من تكبيرات وهتافات الفلسطينيين المناصرة للقدس والأقصى في جولات معارك صراع الإرادات والعزيمة والتحديات والإصرار على الحق مع الاحتلال الإسرائيلي في السنوات الخمس الأخيرة تحديدًا، يعلو صوتها على صوت هتافات المستوطنين المحتلين (جبل المعبد بأيدنا)… وما الذي جعل من هتاف (قولوا للمخابرات ما بنخاف الاعتقالات) تربك الاحتلال وتعيق تنفيذ مخططاته ويخفق إخفاقًا ذريعًا في تحقيق أهدافه؟  أليس من المفروض أن هؤلاء قد تعرضوا لحملات ممنهجة طويلة الأمد لغسيل أدمغتهم وكيّ وعيهم وصُرفت عليها مئات ملايين الدولارات من أجل الاستفراد بهم وسلخهم من هويتهم؟ وما الذي جعل من “دولة” هزمت بمدة قصيرة جيوش عربية واحتلت مساحات واسعة من أراضيها تعمل اليوم ألف حساب وحساب وترتبك في اتخاذ قرارها بإقامة “مسيرة الأعلام”، في القدس المحتلة خوفًا من أن يؤدي ذلك إلى تأجيج الأوضاع الأمنية وسيناريوهات التدهور والتصعيد، فمرة قرار بالسماح بإقامة المسيرة ومرة إلغاء ومرة تأجيل ومرة ومرة… وحتى لو أقيمت المسيرة كما خطط لها فإن الارتباك والتضارب والخلاف داخل الحكومة الإسرائيلية بين مؤيد ومعارض كان سيد الموقف.

وحتى لا نطيل كثيرًا في هذه المقالة، فإن قدرة الله شاءت أن تكون هزيمة الذل والعار “النكسة” عام 1967 رغم فداحتها، السبب في إيقاظ الأمة الإسلامية والعربية والشعب الفلسطيني، وأن تبدأ الأمة تلتفت إلى حقيقة الإسلام بعد ذلك، ويكون الوعي الحقيقي قد بدأ يتشكل بعد هذه “النكسة” وبدأ ينشأ جيل الوعي بالأرض والهوية مع الاستعداد الكافي للتضحية رغم شح الإمكانات وقلة الموارد وضعف ذات اليد. وبات مقتنعًا بأن التغيير والنصر لا يأتي من الخارج ولم يعد يعول على أحد وإدراكهم بأنه “لن نقلع شوكنا إلا بأيدينا”.. وشاءت قدرة الله أن يدرك الشعب الفلسطيني أن أساس العمل في طريق العودة والتحرير والسعي لامتلاك الانتصار ينطلق من خلال صناعة الوعي ومن أهمه التعرف على حقيقة أهمية هذه الأرض المباركة وبُعدها الإسلامي والعربي والحضاري والتاريخي والثقافي ومغزاها السياسي وجعل قضيتها قضية روحية ودينية. فلما لا. وإذا كانت إسرائيل قامت على أسس دينية كما يقول حاييم وايزمان من أشهر الشخصيات الصهيونية بعد هرتزل في مذكراته: لقد قابلت اللورد “بلفور” وزير خارجية بريطانيا الذي بادر بسؤالي على الفور: لماذا لم تقبلوا إقامة الوطن القومي في “أوغندة” مثلًا؟ قلت لبلفور: إن الصهيونية حركة سياسية قومية، هذا صحيح.. ولكن الجانب الروحي منها لا يمكن إغفاله، وأنا واثق تمام الوثوق أننا إذا أغفلنا الجانب الروحي، فإننا لا نستطيع تحقيق الحلم السياسي القومي!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى