أخبار رئيسيةأخبار عاجلةعرب ودولي

«فورين بوليسي»: اليد الخفية.. هل كانت سوريا متورطة في انفجار مرفأ بيروت؟

تتراكم الدلائل على أن المتفجرات التي عصفت بميناء بيروت ربما كانت متوجهة إلى دمشق، لكن النخب اللبنانية تحاول إبطاء التحقيقات.
ترصد الكاتبة المقيمة في بيروت، أنشال فوهرا، عبر هذا المقال المنشور في مجلة «فورين بوليسي»، معلومات جديدة تشير إلى أن آلاف الأطنان من نترات الأمونيوم التي انفجرت في مرفأ بيروت يوم الرابع من أغسطس (آب)؛ ما أسفر عن مقتل أكثر من 200 شخص، وإلحاق أضرارٍ بالممتلكات تقدر قيمتها بنحو 15 مليار دولار، ربما كانت متوجهة إلى الحكومة السورية.
تقول الرواية الرسمية التي تتمسك بها الحكومة اللبنانية حتى الآن: إن الشحنة كانت متجهة إلى موزمبيق، لكن تحقيقًا أجراه صانع أفلام لبناني، وبثته شبكة الجديد المحلية، أثبت وجود صلةٍ بين ثلاثة رجال أعمال سوريين، ساندوا بشار الأسد في الحرب السورية، وما يبدو أنها شركة صوريّة اشترت المتفجرات.
تتجه الأنظار الآن إلى فادي صوان، القاضي العسكري السابق المكلف بإجراء التحقيق في تلك المأساة، وهل بإمكانه الاستفادة من هذه الحقائق الجديدة لمحاسبة الجناة الأجانب والمحليين على حد سواء. لكن النخب في الحكومة اللبنانية يكثفون هجماتهم لتشويه سمعته وعرقلة عمله.

من هو المشتري المباشر للشحنة؟
تلفت المراسلة التلفزيونية المستقلة، أنشال فوهرا، إلى أن مجلة «فورين بوليسي» ذكرت في شهر أغسطس أن مصنع المواد الكيميائية في جورجيا، روستافي آزوت، المزوِّد لتلك الشحنة تلقى ثمن 2750 طنًا من المتفجرات، لكن الشركة التي شحنت المتفجرات صوريًا «فابريكا دي إكسبلوسيفوس دي موزامبيق (FEM)» لم تدّع ذلك أبدًا.
بيد أن نسخة من مستند حصلت عليه مجلة «فورين بوليسي» مؤخرًا تظهر أنه بينما كان مصنع «روستافي آزوت» هو البائع، لم يكن المشتري المباشر شركة (FEM)، بل شركة أخرى مسجلة في لندن باسم «سافارو».
ويوضح عقد البيع أن تاريخ الشراء كان في يوم 10 يوليو (تموز) 2013، عندما كانت الحرب السورية في ذروتها. آنذاك، رست سفينة «إم في روسوس»، التي كانت تحمل الشحنة، في لبنان خلال شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، ثم احتجزت على اعتبار أنها غير صالحة للإبحار.
وتكشف السجلات الحكومية البريطانية أن عنوان شركة «سافارو» هو نفسه عنوان عقارات كان يملكها أو يديرها رجل الأعمال السوري جورج حسواني، والأخوان مدلل وعماد خوري، وهم جميعًا يحملون الجنستين السورية – الروسية. كما أن الرجل الذي يُعتقد أنه يمتلك السفينة، إيجور جريتشوشكين، يحمل أيضًا الجنسية الروسية.

جورج حسواني.. الوسيط المتمرّس ورجل موسكو في دمشق
توضح المعلقة المعنية بشؤون الشرق الأوسط، أنشال فوهرا، أن حسواني حصل على درجة الدكتوراه في عام 1979 من الاتحاد السوفيتي آنذاك، وهو من الأشخاص الأكثر تمرُّسًا في الوساطة بين روسيا والنظام السوري، ويُعرَف على نطاق واسع بأنه رجل موسكو في دمشق، ولديه تاريخ من إبرام صفقات الوساطة مع الجماعات الجهادية، وكذلك «الشبيحة»، أو الميليشيات التي يدعمها النظام.
تحدث رجل أعمال سوري من يبرود، مسقط رأس حسواني، إلى مجلة «فورين بوليسي» شريطة عدم الكشف عن هويته، وقال: «حسواني معروف بتسوية الخلافات بين السكان المحليين والشبيحة، لكنه كان يعرف أيضًا (داعش) وجبهة النصرة».
ومن المعروف أن حسواني تفاوض في عام 2014 لإطلاق سراح مجموعة من الراهبات الأرثوذكس اللواتي اعتقلتهن «جبهة النصرة»، وهي فرع من تنظيم «القاعدة» أصبحت تسمى «هيئة تحرير الشام». وفي عام 2015 فرضت الولايات المتحدة عقوبات على حسواني بسبب مزاعم تفيد بأنه اشترى النفط للنظام من «تنظيم الدولة» الذي كان يسيطر على الأجزاء الغنية بالنفط في سوريا آنذاك.
وحسواني أيضًا مشارك في ملكية شركة «هيسكو» للهندسة والإنشاءات، التي صُفِّيَت الآن وأدرجت في السجلات بالعنوان نفسه التي سجلت به شركة «سافارو»، وهو العنوان الذي يتطابق مع العنوان المكتوب في عقد البيع الذي حصلت عليه مجلة «فورين بوليسي».

الأخوان خوري.. تاريخ إجراميّ في خدمة النظام السوري
تنتقل الكاتبة للحديث عن عماد خوري، الذي كان يدير شركة «آي كي» للصناعات البترولية حتى استقالته في عام 2016. وعلى الرغم من أن الأخوين خوري أقل شهرة في سوريا من حسواني، إلا أن عقوبة صدرت في حقهما سابقًا لارتكابهما جريمة تشير إلى احتمالية تورطهما في الأحداث التي أدت إلى انفجار بيروت.
وفقًا لوزارة الخزانة الأمريكية، حاول مدلل خوري تزويد نظام الأسد بنترات الأمونيوم في عام 2013، وفرضت عقوبة على عماد خوري لاحقًا لمساعدته في الأنشطة التجارية التابعة لأخيه. ومرة أخرى تلفت الكاتبة إلى أن عنوان شركة «آي كي» للصناعات البترولية هو نفسه أحد عناوين شركة «سافارو».

المتاهة المظلمة.. شركات وهمية وعناوين متشابهة
كان فراس حاطوم، صانع الأفلام اللبناني، يُجري تحقيقًا مضنيًا لتتبُّع مصدر ووجهة المتفجرات التي عصفت ببيروت، وخلفت أكثر من 200 قتيل، وآلاف الجرحى، ومئات الآلاف من المشردين، وكشف لأول مرة عن ارتباط الحادث بالشركات السورية، وقال: إن شكوكه زادت عندما اكتشف أن شركة «سافارو» يمكن أن تكون شركة صوريّة.
قال فراس حاطوم لأنشال فوهرا في بيروت: «كان اعتقادي بأنها شركة وهمية يعود إلى أنها ليست لديها عناوين، وبالتالي لا يتسنى لأي شخص أن يطرق أبوابها، أو أن يلتقي بأيٍّ من ممثليها. والسيدة التي يزعم أنها هي المسؤولة لم تكن سوى واجهة؛ لأن اسمها يظهر على صفحات العديد من الشركات الأخرى أيضًا».
توضح كاتبة المقال أن مارينا سيلو، المديرة الحالية لشركة «سافارو»، مسجلة كمستشارة أو خبيرة اقتصادية لأكثر من 150 شركة أخرى على موقع «OpenCorporates»، وهو قاعدة بيانات للشركات. وهي تحمل جنسية قبرص، البلد الذي يقال إن المالك الروسي للسفينة، جريتشوشكين، لديه إقامة فيه.
تعترف الكاتبة بأن الروابط السورية – الروسية بالشحنة لا ترقى إلى مستوى الدليل القاطع على أن المتفجرات كانت متوجهة للنظام السوري، أو أن لبنان تواطأ مع دمشق، لكنها تلفت إلى أن تلك الروابط كثيرة جدًا لدرجة أن أي تحقيق يُجرى بنية حسنة لا يمكن أن يتجاهلها، لولا أن المشكلة تكمن في المسؤولين اللبنانيين الذين يعملون على إفشال التحقيقات الجارية.

فادي صوان.. القاضي الذي يريد محاكمة وزراء لبنان
يتابع المقال: اتحدت النخب السياسية اللبنانية ضد صوان، قاضي التحقيق الذي عينته الحكومة، واستدعى أربعة وزراء للإدلاء بشهاداتهم كمشتبه فيهم، من بينهم حسان دياب، رئيس وزراء لبنان المؤقت، لكن لم يتجاوب معه أحد، بل ذهب وزيران في الحكومة إلى حد محاولة استصدار أمر من المحكمة يقضي بتغيير القاضي، فيما لم تظهر مختلف الأطياف السياسية أي تعاون معه في مهمته، بينما كانت تنسِّق فيما بينها لاتهامه بالتحيز.
وكان صوان قد خضع في السابق لفحصٍ دقيق على طاولة اللبنانيين المتشككين في موضوعيته؛ فبصفته قاضيًا عسكريًا اشتهر بتعاطفه المفرط مع قوات الأمن، وأصدر أحكامًا ضد متمردي الجيش السوري الحر، وهو ما جعل البعض يضعه في صف نظام الأسد في سوريا، بينما زعم آخرون أنه تعرض لضغوط من التيار الوطني الحر بقيادة الرئيس ميشال عون، عندما أحال قضية تبادل إطلاق النار بين فصيلين درزيين إلى قاضٍ مؤيد للتيار الوطني الحر.
بيدَ أن خبراء قانونيين مستقلين، كانوا قد انتقدوا القاضي في البداية لكونه محابيًا للحكومة، تحوُّلوا إلى الإعجاب به منذ أن استدعى الوزراء الأربعة للاستجواب. أحد هؤلاء هو الخبير القانوني البارز نزار صاغية، المؤسس المشارك لمنظمة «المفكرة القانونية» اللبنانية غير الحكومية، الذي ينقل عنه المقال قوله: إن صوان ليس فاسدًا ولا أسيرًا للأيديولوجيا، وليس مواليًا للنظام السوري، ولا لحزب الله، ولا للتيار الوطني الحر. إنه مجرد قاضٍ لبناني، لكن يجب أن نراه الآن في سياق اجتماعي جديد بعد أن شهد لبنان ثورة، وانفجارًا داميًا أودى بحياة كثيرين».

يجادل صاغية ومستقلون آخرون بأن النخبة السياسية احتشدت ضد صوان لحماية نفسها من التحقيق الذي يجري حاليًا حول الانفجار، ومن أي تحقيقات مستقبلية؛ إذ تخشى الطبقة الحاكمة أن تشكل هذه القضية سابقة للتحقيق معهم بتهم الفساد أيضًا.
هؤلاء النخبة اتهموا القاضي بتجاوز اختصاصه، وتترسوا بحصانتهم الحكوميّة، قائلين: إن الوزراء لا يمكن محاكمتهم إلا أمام هيئة خاصة، تسمى المجلس الأعلى، وتمنح المتهمين ضمانات إضافية.
وحتى يُحال الوزير أو الرئيس للمحاكمة أمام هذا المجلس يجب أن يوجه إليه اتهام من ثلثي أعضاء مجلس النواب اللبناني، بيد أن خبراء مستقلين يقولون: إن هذا التوافق القضائي لا ينطبق على المسؤولين الحكوميين المتهمين بسوء السلوك الجنائي الجسيم.
وقد تتحد الطبقة السياسية اللبنانية ضد تحقيقٍ لا يمكنهم السيطرة عليه، لكنهم يظلون خاضعين لولاءاتهم الإقليمية. فخلال مقابلة أجريت في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ألمح رئيس الوزراء اللبناني السابق سعد الحريري بحرص إلى تورط سوريا في الانفجار.
وذكر الحريري أن أجهزة استخبارات من فرنسا ودول أخرى حذرت مرارًا وتكرارًا من انتشار تهريب أسلحة ونترات الأمونيوم إلى سوريا عبر لبنان، واستشهد بمحاولات جرت في 2012 – 2013 لاستيراد معدات وتكنولوجيا متطورة من كوريا الشمالية إلى سوريا، لولا أن الاستخبارات اللبنانية أوقفت الشحنة في نهاية المطاف.
من ناحية أخرى يرى أنصار النظام السوري في لبنان أنه لا توجد صلة قويّة بين النظام السوري والشحنة. وفي محاولة لإبعاد أصابع الاتهام وتحويلها إلى اتجاه آخر، يسلط البعض الضوء على كيفية استغلال الثوار السوريين لما يحظون به من دعم محلي في مدينة طرابلس شمال لبنان، معقل الحريري، لاستيراد الأسلحة. ففي عام 2012 احتجزت قوات الأمن اللبنانية سفينة محملة بالأسلحة كانت متجهة إلى المتمردين السوريين، وكان من المقرر تفريغها في ميناء طرابلس.
وقال المحامي اللبناني وديع عقيل: إنه في السنوات الأولى من الحرب السورية، كانت العديد من السفن التي تعبر المياه اللبنانية تنقل أسلحة ونترات الأمونيوم إلى أطراف مختلفة في الصراع. لكنه أضاف أن استخدام النظام لمرفأ بيروت لنقل مثل هذه الشحنة يشكل مخاطرة كبيرة جدًا؛ ففي العادة يكون للجيش السوري ميناء خاص به في مدينة بانياس الساحلية لهذه الأغراض.
وتابع عقيل قائلًا: جلب شحنة كهذه إلى بيروت مغامرة محفوفة بالمخاطر. ذلك أن الميناء لم يزل تحت مراقبة قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في لبنان (يونيفيل). من المحتمل أن شيئًا ما حدث واضطر السفينة للرسوّ في بيروت، لكني لا أعتقد أن ذلك كان مخططًا له.
وتختم أنشال فوهرا مقالها بالقول: في بلدٍ منقسم بشدة مثل لبنان، حيث يخضع القضاء لسيطرة السلطة التنفيذية، غالبًا ما تكون الحقيقة ضحية للتأويلات المتنافسة على تفسير الأحداث. وأي شخص يجرؤ على تحدي النخبة الحاكمة، كما فعل صوان، يخاطر دائمًا بتعريض سمعته للهجوم.
لكن المطالبة بالعدالة بعد وقوع تلك المأساة الوطنية يتعذر قمعها بسهولة. وسواء استمر صوان في قيادة التحقيق، أو استبدلوا به قاضيًا آخر، فإن الجمهور اللبناني أصبح لا يطالب فقط ببعض المحاسبة العلنية للمسؤولين عن الإهمال في الداخل، ولكن أيضًا بالتحقيق في الدور السوري.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى