أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

الرسائل الخفية في الاعلام وكيف تجدها (28): عن “يوم المرأة”…

عائشة حجّار
يوم المرأة أطل علينا من جديد هذا العام، وانهالت التحيات والتبريكات لـ “ست الكل” و”المناضلات” و”النساء الناجحات” وكل تلك الالقاب الهزيلة التي تجيد تحجيم النساء في قالب واضح حسب اهواء كاتبها. كان هناك أيضًا المعترضون على التأطير الرأسمالي للمرأة الناجحة، وربط النجاح بـ “كارير” طويل عريض (سيرة مهنية) لا “يضايقه” أو “يوقفه” إنجاب الأطفال وتربيتهم، بل قالوا إن الامومة بحد ذاتها “كارير” لا يجب الاستهانة به لانه يستنزف كل وقت وجهد وصحة المرأة. باختصار شهدنا كما في كل عام سباقًا لعرض النموذج المثالي للمرأة بالاعتماد على كمية الجهد والتضحية التي تبذلهما، على درجة تعبها وارهاقها. تسابقت النساء والرجال على عرض الأثمان الغالية التي يدفعنها ليصلن لنموذج المرأة المثالية التي يشترط تقديرها بالكم الذي تخسره من ذاتها في سبيل الوصول الى كلمة الشكر السنوية التي تشحنها بالرغبة في الاستمرار بهذا البذل اللامتناهي الذي لا يدفع ثمنه أحد غيرها. ولنوضح الأمر فإن الأمومة في مجتمعنا الحديث مهمة مستحيلة يقع الأبناء في مركزها حتى وصلنا نموذجًا لعائلة تتمركز حول استجداء رضى طفل هو من يدير حياة من حوله، مهمة فيها تستحق الأم التقدير لأنها أحرقت نفسها لأجل هذا الابن في رهان على برّه عندما تخذلها ركبتاها جراء الجري الابدي في سبيل سعادة هذا الابن. من جهة ثانية فأيضًا عمل المرأة، وهو شيء أدعمه واعتقد أنه في معظمه محمود، يؤصل الظلم الواقع عليها عندما نرى من بناتنا ونسائنا من تعمل ساعات غير معقولة في سبيل أجرة لا تكاد تكفي لإطعام صغارها (وهنا السؤال واجب عن دور الزوج في مثل هذا البيت) أو قد يصل الامر إلى أن تكلف العناية بالابناء والسفر إلى مكان العمل أكثر من الاجرة نفسها، لكن تستمر المرأة في العمل مقابل بضع كلمات تقدير بعد أن باتت تتصور المنزل قبرًا دفنت فيه كينونتها وأحلامها، واللوم هنا ليس فقط على الجمعيات النسوية التي بتنا نجيد مهاجمتها، بل على الأب الذي يعامل الأم كأنها مخلوق ناقص عديم الجدوى، فقط لانها تبقى في المنزل بينما يخرج هو للعمل، الأب الذي يسأل زوجته آخر النهار “ماذا كنت تفعلين كل النهار؟” لأنها نسيت مهمة هنا أو هناك، يربي ابنة تحتقر الأمومة وإدارة المنزل، الأب الذي يلطّف كلامه مع المعلمة والسكرتيرة ويرى زوجته “جعفرًا” يربي ابنة لا ترى في الزواج سوى تقليل لقيمتها. فلنحذر بألسنتنا.
طيب ما علاقة ما قيل أعلاه بالإعلام؟ سأتحدث عمّا لم يقله أي من المعسكرين في الإعلام هذا الاسبوع، وتغييب قضايا معينة من الساحة الإعلامية تجعلها تبدو غير مهمة على جوهريتها. نحن نتفق أن الرسالة الأساسية، في المعسكرين، كانت أنك يجب أن تكوني امرأة خارقة لتنالي التقدير، أنك يجب أن تلغي شيئًا من حاجاتك الانسانية لتستحقي النجاح، وأن هناك دومًا رجلًا يجب ارضاؤه لتكوني امرأة ناجحة (أيضًا النساء الاداريات يخدمن في النهاية المبنى الذكوري لسوق العمل والسياسة، لكن هذا حديث لوقت لاحق). السؤال ما هي الامور التي لم نقلها؟ لم يقل أحد إنه من غير المعقول اكتفاء النساء بإذن ولادة مدفوع من ثلاثة أشهر، بينما يكون الرضيع بحاجة أمه والأم بحاجة للراحة واستعادة عافيتها سنة كاملة، معظمنا لم يفكر في أن إطالة إذن الولادة سيختصر الكثير من الدوامات والتضحيات على المرأة والطفل معًا. لم يتحدث الكثيرون عن أهمية التوعية لدى الفتيات حول حقوقهن في أماكن العمل وخاصة الأجرة المتدنية. لم يتحدث الكثيرون عن أهمية تأنيث السياسة بدلًا من تذكير النساء الناشطات سياسيًا، فبدل أن تصل المرأة السياسية إلى مكتبها بشعر قصير وبنطال وصوت اجش ونبرة حديث قتالية ذكورية، ربما حان الوقت لنقول إن النساء في السياسة لأنهن يجدن صناعة السلام والاهتمام بالمجموعات المستضعفة أكثر من غيرهن. هذه وغيرها قضايا جوهرية تغيب في الاعلام لصالح خطاب رأسمالي يجعل من تهميش الذات بطولة.
وأمر أخير، في يوم المرأة أكتب هذه المقالة وحولي اطفالي، بينما أفكر في أي عرف من الاعراف تربي نساؤنا أطفالهن أملًا في أن يحملوا على اكتافهم مجتمعهم نحو الافضل، ثم يأتي شخص ربّته امرأة عليها من الله ما تستحق ليروّع هذا الابن أو ينهي حياته، وسلمولي على خطاب الاحتواء والتفهم!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى