أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

في ذكرى الإسراء والمعراج: “القدس ستحرّر والأقصى سيطهّر وأقسم على ذلك سبعين يمينًا”..

الشيخ كمال خطيب
ليلة أمس الخميس 11/3/2021 وفق 27 رجب 1442 هجرية كانت هي ذكرى الإسراء والمعراج، ليلة الإكرام والوصال من الله سبحانه لرسوله وحبيبه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، من مكة المكرمة إلى القدس الشريف ومنها إلى السماوات العلى {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} الآية 1 سورة الإسراء.
إنها الليلة المباركة والرحلة الميمونة جاءت بعد إذ انقطعت أسباب النصرة الأرضية والبشرية ليكون الوصال والسند من رب الأرض والسماء وخالق البشر ومن بيده أسباب كل شيء {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} آية 82 سورة يس. لقد جاءت معجزة وكرامة الإسراء والمعراج بعد موت الزوجة الفاضلة خديجة رضي الله عنها أعزّ سند ومن سخّرت كل مالها لدين الله، وهي التي دثّرته ﷺ ليس بدفء الفراش والحنان فقط لمّا رجع خائفًا مرتجفًا يوم نزل عليه الوحي أول مرة، وإنما دثّرته بكلمات التطمين والتشجيع وهي تقول له: “أبشر فوالله لا يخزيك الله أبدًا، والله إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث وتحمل الكلّ وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق”. وجاءت رحلة الإسراء والمعراج بعد موت العم أبي طالب السند القوي والدرع الحامي ومن سخّر جاهه نصرة لابن أخيه ﷺ، وهو الذي لمّا جاءه صناديد قريش يعرضون عليه التدخل لكف ابن أخيه وإسكاته عمّا جاء به قائلين: “قل لابن أخيك إن أراد الملك جعلناه ملكًا، وإن أراد المال جعلناه أغنانا، وإن أراد النساء زوجناه أجمل نساء العرب، وإن أراد الطب طببناه”. فقال له أبو طالب: “فابق عليّ وعلى نفسك يا ابن أخي ولا تحمّلني من الأمر ما لا أطيق”. فظن النبي ﷺ أن عمه سيخذله ويسلّمه وأنه قد ضعف عن نصرته، فقال: “يا عم والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه، ثم استعبر رسول الله ﷺ وقام باكيًا”. عندها ناداه عمه أبو طالب قائلًا: “أقبل يا ابن أخي، فأقبل عليه رسول الله ﷺ، فقال أبو طالب: اذهب يا ابن أخي فقل ما أحببت والله لا أسلمك لشيء أبدًا”. وتوالت الأحزان بعد موت خديجة وموت أبي طالب في نفس العام الذي عرف بعام الحزن حين ذهب النبي ﷺ إلى الطائف حيث قبيلة ثقيف للدعوة إلى الإسلام فكان منهم الصدّ والتكذيب والاستهزاء، بل إنهم الذين سلّطوا عليه عبيدهم وصبيانهم يرمونه بحجارتهم وألسنتهم حتى سال الدم من جسده الشريف الطاهر ﷺ، وقد رفع يديه إلى السماء وكانت العبرات والزفرات والدعوات “اللهمَّ إليك أشكو ضَعْفَ قوَّتي، وقلةَ حيلتي، وهواني على الناسِ، يا أرحَمَ الراحمِينَ، أنت رَبُّ المستضعَفِينَ، وأنت ربِّي، إلى مَن تَكِلُني؟ إلى بعيدٍ يَتجهَّمُني، أو إلى عدوٍّ ملَّكْتَهُ أمري؟! إن لم يكُنْ بك غضَبٌ عليَّ فلا أُبالي، غيرَ أن عافيتَك هي أوسَعُ لي، أعُوذُ بنورِ وجهِك الذي أشرَقتْ له الظُّلماتُ، وصلَح عليه أمرُ الدُّنيا والآخرةِ، أن يَحِلَّ عليَّ غضَبُك، أو أن يَنزِلَ بي سخَطُك، لك العُتْبى حتى ترضى، ولا حولَ ولا قوَّةَ إلا بك”.

تعال يا حبيبي تعال
كانت معجزة وكرامة الإسراء والمعراج بعد عام الحزن والألم والدموع بأن اصطحب أمين السماء جبريل أمين الأرض محمد ﷺ على ظهر البراق ذلك المخلوق الذي خلقه الله خصيصًا لتلك الرحلة المباركة، ليكون الانتقال من مكة إلى القدس ومنها إلى السماوات العلا ثم الرجوع إلى مكة وما يزال فراشه ﷺ دافئًا كأنه لم يعزف عنه إلا لحظات، لكأن الله تعالى يقول لرسوله ﷺ: إذا كان أهل مكة والطائف قد رفضوا أن تكون إمامهم فتعال يا حبيبي لتكون في القدس إمامًا لكل الأنبياء. وهو الذي وصف ذلك اللقاء المبارك لمّا دخل المسجد الأقصى بعد أن ربط البراق في الحائط الغربي للمسجد وقد نودي للصلاة “قال ثم انصرفت فلم ألبث إلا يسيرًا حتى اجتمع ناس كثير، ثم أذن المؤذن وأقيمت الصلاة، فقمنا صفوفًا ننتظر من يؤمنا فأخذ جبريل السلام بيدي فقدّمني فصليت بهم، فلما انصرفت قال لي جبريل: أتدري من صلى خلفك؟ فقلت: لا. قال: صلى خلفك كل نبي بعثه الله”.
وإذا كان أهل الطائف وأهل مكة قد أغلقوا في وجهك أبواب بيوتهم فتعال أفتح لك أبواب السماوات، وإذا كانوا قد أصموا عن سماعك آذانهم فتعال إليّ يا حبيبي أسمعك {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ، فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ، فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَا أَوْحَى، مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ} آية 8-11 سورة النجم.

أسرى بك الله ليلاً إذ ملائكه والرسل في المسجد الأقصى على قدم
لمّا خطرت به التفوا بسيدهم كالشهب بالبدر أو كالجند بالعلم
صلى وراءك منهم كلّ ذي خطر ومن يفز بحبيب الله يأتمم
مشيئة الخالق الباري وصنعته وقدرة الله فوق الشّك والتهم
حتّى بلغت سماء لا يطار لها على جناح ولا يسعى على قدم
وقيل: كل نبي عند رتبته ويا محمد هذا العرش فاستلم

لا تحزني يا قدس
إنها القدس الشريف إذن المحطة الأرضية الأولى في رحلة الإسراء، ثم كانت السماء السابعة قريبًا من عرش الرحمن هي المحطة الثانية في تلك الرحلة المباركة الميمونة. صحيح أن المسجد الأقصى قد بني في بيت المقدس منذ عهد آدم عليه السلام بعد المسجد الحرام بأربعين سنة كما ورد في حديث النبي ﷺ، لكن رحلة الإسراء والمعراج كانت هي دمغة ودلالة الهوية الدائمة لهذه المدينة وهذا المسجد، فبعد الإسراء والمعراج كان الفتح العمري المبارك للقدس الشريف واستمرار الرعاية والحكم الإسلامي لهذه المدينة العربية اليبوسية واستلام مفاتيحها من صفرونيوس بطريركها، وظلّت على هذه الهوية من يومها إلى اليوم ولم يشوه ذلك الانتماء وذلك الحضور إلا فترتان تاريخيتان اغتنم أعداء الأمة ضعفها، فاحتلوا القدس ودنسوا طهر الأقصى. كانت الفترة الأولى هي فترة الاحتلال الصليبي 1099-1187، وكانت الثانية فترة الاحتلال الصهيوني 1967 وما يزال إلى يومنا هذا.
لقد أكرم الله الفاتح صلاح الدين الأيوبي بشرف كنس الاحتلال الصليبي عن القدس والمسجد الأقصى بعد أن كانت في خطته العسكرية تنص على ضرورة تحرير وتطهير العواصم والإمارات الإسلامية المحيطة بالقدس من دنس الأمراء الفاسدين والولاة المتحالفين من الصليبيين، فبدأ بتحرير القاهرة عام 1174م، ثم دمشق 1181 م، ثم حلب 1183م، ثم الموصل 1185م، ثم كان تحرير القدس عام 1187م وتحديدًا ليلة 27 رجب ليلة الإسراء والمعراج.
وكم كان عظيمًا أن يقدم صلاح الدين الأيوبي لخطبة الفتح وصلاة المسلمين في الأقصى بعد التحرير للقاضي الخطيب ابن الزكي الدمشقي وهو الذي سبق وقال في مدح صلاح الدين بعد فتحه مستبشرًا بفتح القدس

وفتحكم حلبًا بالسيف في صفر مبشر بافتتاح القدس في رجب

فكان فتح القدس وتحريرها في رجب، وكان الإكرام من صلاح الدين للخطيب الدمشقي أن جعله خطيب الفتح في المسجد الأقصى المبارك. وإننا يغمرنا اليقين والثقة بالله تعالى أن يوم فتح القدس قريب، وإنما حتمًا لا بد أن يسبق ذلك تحرير وخلاص القاهرة ودمشق وحلب والموصل وكل العواصم من أمراء السوء وسلاطين البغي وزعماء الفساد الذين بات همهم اليوم التودد إلى من يحتلون القدس ويطبّعون معهم العلاقات كما فعل ذلك أمراء النذالة والعمالة والسفالة يومها بالتواطؤ مع الصليبيين الذين يحتلون القدس والأقصى.

تحقيقًا لا تعليقًا
إن يقيننا وثقتنا بوعد الله بفتح القدس ثانية وتحريرها من الاحتلال الصهيوني مثلما تحررت من الاحتلال الصليبي لا تقلّ ثقة عن ثقة الرسول ﷺ بوعد الله ورسوله ﷺ وتحقيق رؤياه في المنام أنه سيدخل مكة المكرمة {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ ۖ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ ۖ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَٰلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا، هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} آية 27- 28 سورة الفتح. قال ابن كثير في تفسيره: “كان رسول الله ﷺ قد رأى في المنام أنه دخل مكة وطاف بالبيت فأخبر أصحابه بذلك وهو بالمدينة، فلمّا ساروا عام الحديبية لم يشك جماعة منهم أن هذه الرؤيا تتفسر هذا العام، فلما وقع ما وقع من قضية الصلح ورجعوا عامهم ذلك على أن يعودوا من قابل، وقع في نفوس بعض الصحابة من ذلك شيء، حتى سأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه في ذلك فقال له فيما قال: أفلم تكن تخبرنا أننا سنأتي البيت ونطوف به؟ قال: بلى، أفأخبرتك أنك تأتيه عامك هذا؟ قال: لا. قال ﷺ فإنك آتيه ومطوف به”. وهذا ما كان في العام الذي يليه بتحقيق رؤيا رسول الله بفتح مكة ووعد الله له وشهادته على ذلك سبحانه.
فمثلما رأى الحبيب محمد ﷺ أن مكة ستفتح وفتحت، فإنه ﷺ قد رأى ووعد بأن القدس ستكون عاصمة الخلافة الاسلامية الراشدة لمّا قال للصحابي الجليل أبو حواله: “يا ابن حواله، إذا رأيت الخلافة قد نزلت الأرض المقدسة فقد دنت الزلازل والبلابل والأمور العظام والساعة يومئذ أقرب من الناس من يدي هذه إلى رأسك”.
إننا نعلم أن كلامنا هذا بل وثقتنا هذه قد تكون محل سخرية وتشكيك من كثير من المسلمين وليس من أعداء الإسلام فقط، ولكن ثقتنا هذه تزداد كل يوم حتى لكأننا نرى الفرج والنصر رأي العين ونقسم على ذلك كما كان شيخ الإسلام ابن تيمية لمّا احتل التتار بغداد وبدأوا يستعدون للزحف نحو بلاد الشام، فكان ابن تيمية يبث الأمل والتفاؤل بين المسلمين بأن الفرج قريب وأن النصر للإسلام، فكانوا يقولون له: يا إمام قل إن شاء الله، فأقسم بالله سبعين يمينًا أن هذا سيكون تحقيقًا لا تعليقًا، أي أن وعد الله بالنصر سيكون ويتحقق وليس هو مجرد أمل وتعلقًا بأوهام، وهذا ما كان خلال سنتين فقط من احتلال التتار لبغداد عام 1258م وإذا بهزيمة التتار في عين جالوت تتحقق في عام 1260. وإننا نقسم بالله تحقيقًا لا تعليقًا أن النصر قادم والفرج قريب، وكما رحل عن القدس الاحتلال الصليبي فإنه سيرحل الاحتلال الصهيوني وأن القدس ستتحرر وأن المسجد الأقصى سيتطهر.

نحن في نهاية أعوام الحزن
إننا مطمئنون واثقون ونحن بين يدي ذكرى أو معجزة وكرامة الإسراء والمعراج أن يوم خلاص القدس قريب وأن يوم فرح الأمة بالخلافة الإسلامية القادمة سيتحقق، وأن أعوام الحزن التي توالت على الأمة بل عقود وقرون الحزن والألم توشك أن تمضي وتنتهي. وكما كانت كرامة الإسراء والمعراج بعد عام الحزن عاشه رسول الله ﷺ، فإن كرامة الفرج والنصر والتمكين ستكون بعد أعوام الحزن عاشتها أمتنا، وكما كانت السبع السنوات العجاف في زمن يوسف وجاء بعدها عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون {ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ} آية 49 سورة يوسف، فإننا بين يدي الغوث والفرج والرحمة بإذن الله تعالى.
وكما كان الشعراء والخطباء يعدون الخطب العصماء وينظمون القصائد البليغة تفاؤلًا بالنصر والتمكين وكان أحدهم هو الخطيب ابن الزكي الدمشقي فإننا بكل معاني الثقة واليقين والتفاؤل بالفرج القريب والنصر والتمكين ندعو خطباء الأمة ليعدّوا خطبة النصر تلقى من منابرهم، وندعو المنشدين والفنانين لإعداد نشيد النصر وأهازيج التحرير، وندعو الشعراء لنظم قوافيهم العصماء احتفاء بيوم النصر والفرج القريب، وندعو الرسّامين لإعداد لوحاتهم البديعة تصور مشاهد الفتح والنصر الكبير. أما أنتم يا كتّاب السيناريو أيها المخرجون والمصورون فلا نقول لكم أعدوا سيناريوهاتكم وانصبوا كاميراتكم من أجل فيلم سينمائي شهير يجسّد مشاهد فتح القدس، وإنما نقول لكم أن هذا سيكون مشهدًا حقيقيًا لا تمثيليًا وفيلمًا يبث بثًا مباشرًا ينقل وقائع دخول المسلمين إلى القدس والمسجد الأقصى المبارك {وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا} آية 76 سورة الإسراء. وأما من ما يزال وسيظل يشكك بمستقبل النصر والفرج وتحرير القدس وتطهير الأقصى فإننا نقول له ما قاله الشاعر يحكي على لسان القدس:

قد عفّر الوغد وجهي بالدم القاني ومزق العلج أثوابي وأدراني
فصحت علّ صلاح الدين يسمعني أو علّ حيدرة الفرسان يلقاني
أين السيوف التي في كف معتصم صالت على البغي من فرس ورومان
حتى بدا فارس يزهو بلامته وراية الحق قد حفّت بفرسان
فقلت من أنت: قال الله غايتنا والمصطفى قائد والزحف رباني
والكل يهتف للقدس التي سلبت القدس يا أخت أهواها وتهواني
وإنا على العهد عاشت في ضمائرنا القدس يا أخوتي روحي وريحاني
قولوا لمن ظن إنا لن نعود لها قد خاب ظنك وسواسًا لشيطان

{وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هُوَ قُلْ عَسَىٰ أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا}
نحن إلى الفرج أقرب فأبشروا..

رحم الله قارئًا دعا لي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى