أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالاتومضات

الرسائل الخفية في الاعلام وكيف تجدها (25)

عائشة حجار
هل فكرت يومًا أن واحدًا من أكثر الأمور التي نؤمن بموضوعيتها ما هي إلا وسيلة للتسويق والاقناع؟
لنبدأ بقاعدة لا بد أن نفهمها: الموضوعية أمر نسبي! لا يمكن للبشر، بسبب كونهم بشرًا أن يعرضوا أمرًا ما بموضوعية أو أن يعكسوا لك “الواقع”. إذًا فالموضوعية بالمفهوم المرسخ في عقولنا غير موجودة إلا في حالات نادرة جدًا، مع أنه من السهل أن نفهم عدم وجود الموضوعية في عالمنا، إلا أن ثقافتنا ووعينا ولا وعينا معًا يعتقدون أن هناك نشرات أخبار موضوعية، بل يعتقد البعض أن كل ما ينطق به مذيع النشرة الاخبارية هو حقيقة لا مبالغة ولا تزوير فيها، فكيف إذا كان هذا المذيع ذو القميص الرسمي ينطق بما وجدته آخر الاحصائيات؟ طبعًا سنصدق فمن الصعب مجادلة الأرقام.
في الفترة الأخيرة عدنا مرة أخرى إلى لعك علكة انتخابات البرلمان الاسرائيلي- الكنيست، وعدنا لتناول استطلاعات الرأي التي تغذينا بها قنوات الاعلام، والأحزاب نفسها، كل صباح ومساء. اللطيف في الامر أن هذه الاستطلاعات ليس لها علاقة حقيقية بالنتائج النهائية للانتخابات ما لم تكن قد أجريت في الأيام الاخيرة قبيل يوم الانتخابات، والظريف أن هذه الاستطلاعات هي جزء من دعاية الأحزاب الانتخابية ويمكن لرئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو أن يكون مدرسة في استغلالها لصالحه.
الأحزاب تستخدم الاستطلاعات في بداية الحملة الانتخابية في معظم الحالات لبث الأمل في نفوس ناخبيها وداعميها، أن يشعر النشطاء بالانتماء إلى حزب يسير نحو النجاح، ويفضل أن يبدو الحزب كبيرًا ولديه قدرة على التأثير. في المقابل، ينقلب استغلال الاستطلاعات عشية الانتخابات ذاتها، فنجد أن معظم الاحزاب، حتى أكبر الاحزاب المتنافسة، تبث الخوف في نفوس كل مؤيد لها ليخرج ويدلي بصوته ولا يتكاسل، بل ليحاول التأثير على من حوله و”ينقذ” الحزب الذي يواجه أخطر أوقاته! هذا تحديدًا هدف رسائل نتنياهو في يوم الانتخابات حول العرب الذين يجترحون المعجزات ويصوّتون بأعداد هائلة لإسقاط اليمين، والواقع أن وجود الاحزاب العربية في الكنيست يسهل على الرجل مهمة تركيب الحكومة في معظم الأحيان (لنواجه الحقيقة، لا يمكن تشكيل حكومة اسرائيلية تشمل الاحزاب العربية لأن الاحزاب التي تبدي استعدادًا للجلوس معهم ليس لها وزن). في الواقع فمعظم ما نسمعه من استطلاعات يوم الانتخابات وقبل إغلاق الصناديق هو من بنات افكار مسؤولي الحملات الانتخابية، إنها المرحلة الاخيرة من الدعاية الانتخابية التي لا تنتهي حقًا حتى تغلق آخر الصناديق.
لنعد إلى البداية، نتنياهو. لقد لقن رئيس حزب الليكود الاعلام درسًا موجعًا عندما وجد هو ومستشاروه الاعلاميين طريقة لتحويل استطلاعات الرأي التي تبث في قنوات الاعلام الرئيسية الى جزء من دعايته، ببساطة كذب مؤيدو الليكود في الاستطلاعات ليبدو أن الحزب المنافس أقوى، لتتكون الصورة التي يرغبون في بثّها ولتظهر نتائج مغايرة. لنقل إن نتنياهو اعتمد على الكذب في مسيرته السياسية وحملاته الانتخابية حتى بات هذا الكذب جزءًا مقبولًا وطبيعيًا في السياسية الاسرائيلية. لذلك، في المرة القادمة، إذا كنت تنوي بناء رأيك بالاعتماد على استطلاع ما فكر مرتين، ربما تكون هذه رسالة من أحدهم تعتقد أنها الحقيقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى