مقالاتومضات

نظرية الفوضى الخلاقة وتطبيقها على مجتمعنا الفلسطيني

أميّة سليمان جبارين (أم البراء)
منذ سنوات ونحن نسمع بكثرة عن نظرية الفوضى الخلّاقة عبر وسائل الإعلام، وأنها بمثابة البديل عن الحرب الكلاسيكية التي نعرف. ولأن الحرب العسكرية والمباشرة مع الشعوب أثبتت عدم نجاعتها، فقد بحثت الدول (الاستعمارية) عن طرق أخرى للسيطرة على الشعوب والدول، فخرج علينا المدعو برنارد لويس، المؤرخ الصهيوني بنظريته (الفوضى الخلّاقة) وقبل أن أدخل بالموضوع، أود أن أشير إلى أن برنارد لويس، عراب الحرب الأمريكية على العراق هو القائل: إن الطريقة الوحيدة للتعامل مع العرب هي ضربهم بين أعينهم بعصا كبيرة! أمّا بالنسبة لنظريته الفوضى الخلّاقة فقد أعلنت عنها وتبنتها كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية في العام 2005 عند إعلانها عن إقامة “شرق أوسط جديد” من خلال انهيار دول وتدميرها وإقامة دويلات أخرى وكل هذه المخططات والمؤامرات هدفها الأوحد والوحيد المحافظة على أمن وأمان المؤسسة الإسرائيلية، وضمان تفوق المشروع الصهيوني.
وحتى يتم تطبيق هذه النظرية والخروج بأفضل النتائج، يجب الوصول بالمجتمعات والشعوب إلى أقصى درجات الفوضى المتمثلة بالعنف والرعب والدم، مع خلق إمكانية إعادة بنائه بهوية جديدة!! هوية بعيدة كل البعد عن الاهتمام بقضايا الأمة الإسلامية وقضاياها الوطنية والثوابت العقائدية، وقد طبّقت أمريكا هذه النظرية في حربها على العراق بالعام 2003 من خلال زرع فتيل الطائفية والقومية والدينية، وخلق نزاعات بين أبناء الوطن الواحد أو بين الدول المتجاورة، وإحياء الشعور العرقي والمذهبي من أجل خلق دويلات تعنى بقومياتها، وصرف نظرها عن القضية الأولى والأساسية، وهي احتلال العراق، وهذا ما راهنت عليه شركة “بلاك ووتر” الأمنية التي أسسها ديك تشيني ورامسفيلد باعترافهما أمام لجنة الأمن بالكونجرس أنها أي (بلاك ووتر) راهنت أن إشعال حرب أهلية بالعراق قد يصرف نظر العراقيين عن الاحتلال.
والهدف من اختلاق هذه الفوضى، كما ذكر باراك أوباما في مذكراته لمجلس الأمن القومي الأمريكي تتمثل بأمن الكيان الإسرائيلي، واتفاقيات السلام الموقعة بين المؤسسة الإسرائيلية وبعض الدول العربية، مع ضمان استمرار السيطرة على منابع النفط والبترول والغاز العربي، والتحكم بطرق نقله والعمل على تصعيد الخلافات بين الدول العربية وإيران، وتكريس الجهود للقضاء على أية قوة عسكرية في الوطن العربي!!! ولكن يبدو أن المؤسسة الإسرائيلية وبعد انتفاضة الأقصى في العام 2000 وبعد وقفة جماهير الداخل الفلسطيني وقفة رجل واحد أمام دخول المأفون شارون إلى ساحات المسجد الأقصى، وتقديم ثلاثة عشر شهيدا جادوا بدمائهم الطاهرة في سبيل المسجد الأقصى وقدس الأقداس، عندها أدركت المؤسسة الإسرائيلية بكل أجهزتها المخابراتية والشرطية، أن المواجهة المباشرة مع فلسطينيي الداخل ستكشف الوجه الحقيقي لعنصرية وظلم الكيان الإسرائيلي، فلجأت لتنفيذ خطة ابنها البار (برنارد لويس) الفوضى الخلاقة، عبر زعزعة الأمن في المجتمع الفلسطيني من خلال انتشار فوضى السلاح من تجارة وبيع حيث أن 70% من الأسلحة المتواجدة بين أيدي الشباب، مصدرها الجيش الإسرائيلي، إضافة لتواطؤ الشرطة مع المجرمين والتستر على القتلة وإخفاء الأدلة، زد على ذلك إشاعة الفتنة وإذكاء الخلافات بين العصابات أو بين المتخاصمين من الشباب، بواسطة الطحالب العميلة من أبناء مجتمعنا الفلسطيني. ومن أساليب نشر الفوضى في مجتمعنا كذلك، ازدهار تجارة المخدرات والحشيش بين الشباب، والملفت للنظر أن أي تاجر سلاح أو تاجر مخدرات ما أن يلقى القبض عليه حتى يخرج سريعا لعدم كفاية الأدلة!!! ومن أوجه الفوضى التي اختلقتها السلطات الإسرائيلية، قضية المرابين والسوق السوداء، التي ازدهرت ونمت كذلك بفضل الظروف الاقتصادية الصعبة والتضييق على الناس، خاصة بعد جائحة كورونا، والتي استغلتها السلطات كثيرا من أجل تعميق هذه الفوضى وسيطرتها على المجتمع ككل. وهذا ما تريده المؤسسة الإسرائيلية، أن ينشغل أبناء الداخل الفلسطيني بمشاكلهم الأمنية والاقتصادية، فلا يكون لهم هم، إلا العيش بأمان ولقمة العيش، وبين هذين المطلبين ينشغلون عن قضاياهم الوطنية والعقائدية والعربية، فـ “يخلو الميدان لحميدان” كما يقولون، وبالفعل هذا الذي يحصل، حيث أننا منشغلون بقضايا العنف والإجرام والإغلاق المتواصل بسبب كورونا، والاحتلال يعيث فسادا في المسجد الأقصى ويكثّف من الحفريات والاقتحامات، ويمنع أهل الداخل من الدخول إلى المسجد الأقصى والصلاة فيه. إذن، نفس السيناريو الذي طُبق في العراق، المؤسسة الإسرائيلية تطبقه علينا، مع بعض التغييرات للحاجة الأمنية والسياسية! فعلى سبيل المثال: بات واضحا جليًا أن المؤسسة الاسرائيلية تريد تصفية العديد من قادتنا على مستوى داخلنا الفلسطيني، والذين يؤرقون مضاجع السلطات بسبب وعيهم الديني والوطني وكشفهم مخططات الاحتلال الإسرائيلي وتوعية أبناء الداخل الفلسطيني بما يحاك لهم من مؤامرات ومخططات، أو محاولة سلخهم عن هويتهم الفلسطينية، وجميعنا نذكر محاولة اغتيال فضيلة الشيخ رائد صلاح في العام 2010 أثناء هجوم الجيش الإسرائيلي على سفينة أسطول الحرية (مرمرة)، ولكنهم قتلوا شبيها له من إخوتنا الأتراك رحمه الله وتقبله شهيدا، كذلك محاولة قتل الدكتور سليمان اغبارية قبل ثلاثة أسابيع، وقتل الشيخ محمد أبو نجم من يافا مطلع الأسبوع. كلها دلائل تؤكد هدف المؤسسة الإسرائيلية من انتشار فوضى العنف والجريمة في مجتمعنا الفلسطيني، وهو أن تتصيد قادتنا ورموزنا الدينية والوطنية التي تعمل ليل نهار في سبيل نيل حقوقنا والمحافظة على مقدساتنا تحت ستار فوضى القتل والإرهاب بالمجتمع الفلسطيني، وتكون المؤسسة الإسرائيلية بذلك، كمن تصطاد عصفورين بحجر واحد، أولا، مجتمعنا الفلسطيني ذاتيا من خلال سيطرة المافيا والمرابين وإرهاب الناس وجعلهم حتى يخافون من انتقاد الوضع الأمني، أو العمل من خلال نظرية (فرق تسد) حيث تغذي الجهات المسؤولة روح الخلاف والشقاق بين العائلات المتخاصمة من خلال أذرعها الفاسدة في كل مجتمعنا وتعمل على إشعال فتيل الفتنة فيما بينهم، وبذلك تتهيأ الظروف المناسبة للنيل من قادتنا ورموزنا الوطنية بقتلهم وتصفيتهم في خضم هذه الفوضى التي اختلقتها المؤسسة الإسرائيلية أولا وأخيرا، من دون أي خسارة في صفوفها.
لكن لا بد لنا كأبناء مخلصين لديننا ووطننا، أن نعرف أهداف هذه الفوضى الهدّامة وإلى أين ترمي! ثم الوقوف يدا واحدة أمام القنابل العنقودية من المجرمين والقتلة والمرابين، الذين زرعتهم المؤسسة الإسرائيلية في صفوف أبناء مجتمعنا الفلسطيني لضربه ودق أسافين الفرقة والفتنة بين أبناء البلد الواحد، إضافة إلى المثبطين والمفسدين الذين ارتضوا أن يكونوا أبواقا للدفاع عن المؤسسة الإسرائيلية ومخططاتها حيث يزعمون أن المؤسسة متمثلة بجهازها الشرطي بريئة مما يحصل بمجتمعنا، من فوضى السلاح، كبراءة الذئب من دم يوسف!! لكن والحمد لله لم ولن تنطلي هذه الخطة على أبناء الداخل الفلسطيني، فها هم أبناؤنا يصرخون، منذ ثلاثة أسابيع، صرخة غضب لن تهدأ في وجه غول العنف المستشري فينا، بفعاليات وتظاهرات سلمية وسيستمر هذا الغضب إلى تنتهي أزمة مجتمعنا ونعود بعون الله وبمساعدة مشايخنا وقادتنا وشبابنا إلى سابق عهدنا، يضرب المثل بوحدتنا وتآخينا واجتثاث آفة الاعنف من مجتمعنا، لأنها ليست أصيلة فينا بل غريبة عنا. وآخر دعوانا أن اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى