أخبار عاجلةمقالاتومضات

الرسائل الخفية في الإعلام وكيف تجدها (22)

عائشة حجار
أول أمس، خرج من البيت الابيض أحد الرجال الذين غيّروا جذريا مكان الإعلام، على أنواعه، في حياة سكان هذا الكوكب. خرج ترامب من البيت الأبيض، لكنه خلّف ميراثًا نتنًا من استخدام الاعلام واستغلاله، كانت ذروة هذا الاستخدام عندما تسببت تغريداته المتتالية بمقتل أربعة من مواطنيه فيما بدا كمحاولة نيرونية لحرق البيت الابيض.
ترامب فعل ما يفعله الكثير من الزعماء اليمينيين حول العالم، صوّر الإعلام الرسمي والتقليدي، على أنه نخبوي وموجّه ضد الجماهير، وهاجمه في كل فرصة أتيحت له، إلا أنه استخدم الإعلام الحديث، الشبكات الاجتماعية، بشكل مختلف، جعلها هي أجهزة الإعلام المركزية، أخذ منها سكان العالم حتلنات الرئيس الامريكي. استخدم ترامب ورجاله الشبكات الاجتماعية ليهاجم رجل الأعمال الثري النخبوي، ظهر كأنه “واحد من الشعب”، وأشبع الشبكة بالتغريدات السخيفة والكاذبة. لكن أهم ما فعله ترامب، أنه حوّل الشبكات الاجتماعية من وسائل لتلقي المعلومة، إلى المتوّج الحقيقي لزعماء العالم. بل يمكن أن نقول إن انتخاب ترامب كان ذروة فترة تاريخية من تولي المهرجين زمام الأمور في بلاد العالم. سيقال وما هو الخطير في أن تكون المنشورات على الشبكات الاجتماعية هي المحرك الحقيقي لرأي الجمهور؟
الخطر كبير، وقد شهدناه في السنوات الأخيرة. عندما تنتخب زعيمك على أساس مشاعر أشبه ما تكون بتلك التي تخالجك إذا شاهدت فيلمًا أو مسلسلًا، فإنك ستتعامل مع السياسة على هذا الأساس السطحي، ستتعامل بشكل طفولي يقسّم العالم إلى أشرار وأخيار، وإلى الحلول المطلقة كأمر مقبول، الجماهير التي تختار زعيمها على أساس صور في الانستغرام، بدلًا من تفحص حسابها البنكي أو جهازها الصحي، لن تطالبه بإنجازات حقيقية، بل إنجازات تبدو صورها ملفتة للانتباه، مثلًا: صورًا لمحق قرىً كاملة وتوقيع اتفاقيات وقوانين تمكّنهم من إشباع أكثر غرائزهم حيوانية. العالم الذي تحكمه “الستوري” عالق في جيل مراهقة لا نهائي، يبحث فقط عن المزيد من الإبهار الشهواني، مزيد من الصراخ، الشتائم، السخرية، مزيد من الدماء. العالم الذي يجب على زعيمه أن يظهر بدلًا من أن يفعل، هو عالم دامٍ سيرفض الالتفات إلى أولئك الذين يعانون ويغيرون حقًا، هو عالم متجمد مشلول كسول تهمّه فقط الكنبة التي يجلس عليها.
طيب ما علاقتنا؟! نحن في الداخل الفلسطيني وهذا التغيير في العالم؟ ببساطة، إننا كشعب ندفع ثمن أخطائنا مضاعفًا، نحن في وضع لا يحتمل التجربة والخطأ، وعندما حاولنا أن نعيش حسبما تمليه علينا شبكات التواصل، دفعنا الثمن، وكان أكثر بكثير من أربعة أشخاص!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى