أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

ماذا فقدنا بموت (أبو الأيمن)

الشيخ نضال أبو شيخة
لمّا غيّب الموت شيخنا العزيز الغالي، غسان رفقي يونس، فُجعنا برحيله، وقُلنا ما يرضي ربنا “إنا لله وإنا إليه راجعون”، لكننا نقول والحزن يلفّنا: فقدنا أمّة في رجل، فقدنا رجلًا في كل الميادين، فقدنا قامة كبيرة وعملة نادرة قلّما تتكرر، فقدنا شيخًا كبيرًا ووالدًا عزيزًا وأخا صادقا ورجلا داعية إلى الله.
فقدنا رجلًا مرابطًا ومدافعًا عن المسجد الأقصى المبارك، فإذا ذَكرتَ الأقصى، ذكرتَ أبا الأيمن، وإذا ذكرتَ أبا الأيمن، ذكرتَ الأقصى، وإذا ذكرتّ أبا الأيمن، ذَكرتَ حلَق العلم والمصاطب والقباب، وذكرتَ الحواري، ذكرتَ القطط والحمام والطيور، ذكرتَ البسمة يرسمُها على وجوه الأطفال في الأقصى، ذكرتَ العطر يرشُّه ليفوح من المرابطين.
فقدنا رجلا قدّم للأقصى الكثير ممّا نعلم، وما لا نعلم أكثر. فقدنا أيقونة بشرية نقشت كل ألوان الرباط في حياة ذلك البسيط المتواضع المبتسم، والعاشق، صاحب البشرة الحمراء واللحية البيضاء اللامعة، ذلك البستانيّ الذي يزرع من حوله حُبا وينثر بمن يلقاه ضحكة باسمة، ذلك الجميل في محياه والأجمل عند موته. فقدنا رجلًا يعشق المساجد، فإذا ذكرتّ المساجد ذكرتَ أبا الأيمن كان قلبه مُعّلقًا بها وخادمًا لها ولروادها.
وإذا ذكرت الصغار، ذكرتَ أبا الايمن الذي رسم البسمة على وجوههم وأفواههم، يلاعبهم ويداعبهم ويحزّرهم ويفزّرهم ويقدّم لهم الهدايا والحلويات، وإذا ذكرتّ كبار السنّ، ذكرتَ أبا الأيمن يلاعبهم، ويقبّلهم ويُجلّهم ويخدمهم ويزورهم. وإذا ذكرتَ الأرامل والأيتام والفقراء، ذكرتَ أبا الأيمن، يقدّم لهم الكثير، يرعاهم ويواسيهم بالكلمة والصَّدقة.
وإذا ذكرت الرعيل الأول، ذكرتَ أبا الأيمن، أحد رجال الدعوة، تشهد له المعسكرات، الأعمال الخيرية، والمهرجانات، وحملات الإغاثة والكثير الكثير.
وإذا ذكرتَ الالتزام، ذكرت أبا الأيمن، يعشق الالتزام والانضباط بالوقت، يزعجه الاستهتار بالمواعيد.
وإذا ذكرتَ الصَّدقة، ذكرتَ أبا الأيمن، المتصدق، السخي، المعطاء والجواد بكل ماله. رجل في كل الميادين.
هذا غيض من فيض، ممَّا نعرفه عن أبي الأيمن رحمه الله، ولعل ما لا نعرفه، وما بينه وبين الله أكثر، وما خفي من الأسرار بينه وبين خالقه أعظم.
فها هي الملايين، من كل أصقاع الدنيا تلهج بالدعاء له. وها هي الملايين وكل وسائل التواصل الاجتماعي، تعجّ وتنشغل بخبر وفاته. فها هو اسمه يصبح على كل لسان.
ما هذا السر يا أبا أيمن، الذي بينك وبين الله، أن تنال هذه المكانة والرفعة، فها هو الاقصى يبوح ببعض أسرار هذا الرجل، العابد الصامد المرابط القابض على ثباته في أرض رباطه. في زمن الهرولة والتهافت والانبطاح والخذلان. أفنى أبو الأيمن جلّ حياته مرابطا ومدافعا في المسجد الأقصى، فأصبح معلما من معالمه وركنًا من أركانه، فكانت آخر كتاباته من دفتر ذكرياته ووصاياه: الأقصى عقيدة، متى زرته يا مسلم؟ رحمك الله أيها العَلَم والمعلم.
عزاؤنا فيك، أنك مت مرابطًا، وثابتًا، وصابرًا، باسمًا معطاءً صادقًا ومتصدقًا، مت إنسانًا حرًا شريفًا، متَّ سيدًا وكريمًا
ونعاهدك أن نبقى على ذات درب الرباط والفداء والعطاء. عزاؤنا فيك، أنك انتقلت إلى جوار ربك الرحيم، هو فقط من سيجزيك خير الجزاء، ويقبل منك الأعمال ويضاعف لك الحسنات ويجزيك بالإحسان أحسانا: (مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى