أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالاتومضات

صرخة لصحوة ضمير

المحامي خالد زبارقة
لا يمكن أن نمرّ مرور الكرام عن محاولة اغتيال الدكتور سليمان اغبارية (أبو أنس) وكأن الجريمة حدث عابر أو أمر طبيعي أو حدث من أحداث العنف والجريمة المستنكرة التي عصفت في مجتمعنا في الآونة الأخيرة.
إن محاولة اغتيال الدكتور سليمان اغبارية، هي محاولة لاغتيال شخصية قيادية وازنة على مستوى المجتمع العربي في الداخل الفلسطيني وعلى مستوى المشروع الإسلامي بشكل خاص، هذه الشخصية التي تتمتع بملكات شخصية وقدرات إدارية عالية وتحمل رمزية على مستوى الكل الفلسطيني.
لا يمكن قراءة مشهد الاستهداف بمعزل عن الشخص المستهدف، والحالة المتردية التي نعيشها، وأدوات الاستهداف، والجهة المستفيدة من هذا العمل الجبان.
ولا شك أن العنف المستشري في مجتمعنا هو حالة مرضية أصيب بها المجتمع، لا تلبث أن تتحول الى حالة مرضية مزمنة تشكل خطرا حقيقيًا وكبيرًا على وجودنا في هذا البلاد وتثقل كاهلنا، المنهك أصلًا بمزيد من الاحمال التي تستنزف قوانا؛ ولكن المهم في هذا الموضوع، بالإضافة إلى الجوانب الأخرى، هو المناخ الذي خلقته حالة العنف والجريمة في مجتمعنا العربي، وحالة الجرأة غير المسبوقة على سفك الدم واستباحة الحرمات وانتهاك الأعراض وغصب الممتلكات وتمزيق النسيج الاجتماعي، هذه الحالة يجب أن تقض مضجع كل غيور على مجتمعه وأن تطير النوم من أعين كل حريص على صحة وسلامة وتماسك المجتمع.
إن الجرأة على انتهاك الحرمات خلقت مناخًا يمهد لسهولة استهداف الشخصيات المؤثرة والعاملة والتي تتمتع بكفاءات شخصية عالية كما هو الحال في القيادي (أبو انس).
إن أي عملية تصفية أو عنف مثل التي تعرض لها الدكتور سليمان تحتاج قطعًا الى تخطيط ومعلومات وتجهيز أدوات الجريمة، وهذا بطبيعة الحال يسبق الجريمة، مثل التخطيط من الشخص أو الأشخاص الذين يقومون بتنفيذ الجريمة، ومن الذي يراقب، ومن الذي يجلب السلاح، والسيارة وسائقها، ومن الذي يساعد على تهريب المجرمين بعد تنفيذها، ومن الذي يشوش الأدلة والمعطيات في مسرح الجريمة؛ ولا يمكن أن تتم جريمة بهذا الحجم، في وضح النهار، دون علم السلطات الرسمية أو المخابراتية على وجه التحديد.
فترة التخطيط التي تسبق تنفيذ الجريمة توفر الكثير من المعلومات للجهات الرسمية التي تتابع حركة المواطنين العرب، وفي هذا السياق، أجزم أنه لا يمكن أن تتم مثل هذه الجريمة دون علم المخابرات مسبقًا بها نظرًا لما يتمتع به جهاز المخابرات من قدرات عالية على جميع المستويات من تتبع الاتصالات وحركة الأشخاص وعالم الجريمة وتجارة السلاح والاطلاع ومتابعة أدق تفاصيل الخصومات والنزاعات بين العائلات العربية.
أذكر أنه بعد أحداث انتفاضة الأقصى في أكتوبر من العام 2000 شكّلت الحكومة الإسرائيلية، لجنة تحقيق رسمية سميت “لجنة اور” للتحقيق في أسباب انتفاض المجتمع العربي في الداخل، نصرةً للمسجد الأقصى الأسير والقدس المحتلة، وهذا ما شكّل في حينه مفاجأةً صعقت صناع القرار في المؤسسة الإسرائيلية؛ الشاهد في هذا الموضوع، أن ضباط الشرطة الذين شهدوا أمام لجنة التحقيق أفادوا نصًا أنهم في جلساتهم الأسبوعية يضعون على طاولة البحث والنقاش ملف النزاعات والخصومات العائلية بين العرب، ما يعني أنه يوجد متابعة حثيثة لكل مشكلة ومشكلة، ولكل حالة وما وصلت إليه، وما هو أفق تطورها المستقبلي.
السلطات الإسرائيلية هي التي تتحمل مسؤولية محاولة اغتيال الدكتور سليمان، فهي التي خلقت هذه الحالة المرضية في مجتمعنا، وهي التي قامت بتغذيتها والسكوت عن منفذيها المعروفين لديها، وهي التي وفّرت لهم الحماية من المحاكمة والمقاضاة والعقاب حتى يستمروا بالإفساد في الارض.
إن استهداف الدكتور سليمان بما يمثله، يحمل دلالات وله تداعيات غاية في الخطورة تتعدى شخصه الكريم وصولًا إلى استهداف كل واحد منا، كيف لا وقد انتهكت الحرمات وتم تجاوز الخطوط الحمراء وفق خطة ممنهجة تتبناها وترعاها المؤسسة الرسمية الإسرائيلية.
إن مستقبل المجتمع العربي صعب وبالتالي يلزمنا، قبل فوات الأوان، أن نتحرك افرادًا وأسر وعائلات وقبائل وقيادات ومجتمع، من أجل لجم هذا الغول الذي يهددنا ويستهدف وجودنا على أرضنا المباركة.
إننا، إن لم نتحرك فورًا، فهناك خطر داهم على وجودنا لا يقل فداحةً عن استهداف بيوتنا ومساكننا بالهدم والدمار وأراضينا بالمصادرة، حيث يراد أن يصبح انتهاك المسجد الأقصى والاعتداء عليه خبرًا عاديًا، كما وتهدف المؤسسة الإسرائيلية أن يتحوّل الخطاب عن الهوية والثوابت ضربًا من الترف الفكري، والأحزاب والسياسة سراب يحسبه الظمآن ماءً.
إن مجتمعنا في خطر وجودي، والسكوت في هذه المرحلة يعتبر خذلانًا لماضينا وحاضرنا ومستقبلنا، والصمت جريمة بحد ذاتها يمتطيه من يسعى لتدمير هويتنا وتكدير صفو نفوسنا.
استيقظوا يرحكم الله، واخرجوا من خانة العجز والسلبية التي يراد لنا أن نستكين إليها، وخذوا زمام الأمور الى أيديكم حصرًا وادفعوا ثمن الصمود والتمسك في الثوابت، إذ أن أي ثمن سندفعه لا يمكن مقارنته ابدًا مع الاثمان التي سنضطر لدفعها إن نحن لم نتحرك الآن.
إياكم ثم إياكم أن تضعوا مصيركم ومصير أبنائكم في أيدي السلطات الرسمية، التي لم ولن تقدّم لكم شيئًا، فجلّ ما تسعى إليه هذه السلطات هي اخضاعكم ضمن بوتقة الأسرلة والتغريب والانهزامية والانكسار؛ وهذا ما لن يكون ابدًا. وقديمًا قالت العرب “من استرعى الذئب فقد ظلم”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى