أخبار رئيسيةأخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

يسألونك عن البديل للكنيست الصهيوني! (4)

حامد اغبارية
لجنة المتابعة:
أنشئت لجنة المتابعة العليا لشؤون فلسطينيي الداخل، أو كما سُميت في حينه (لجنة المتابعة العليا لشؤون المواطنين العرب في إسرائيل) في 1982 في ظروف معينة، وفي أجواء خاصة، وكان المحرك الرئيس لإنشائها بدايةً هو أزمة السلطات المحلية العربية مقابل وزارة الداخلية الإسرائيلية وسائر الوزارات ذات العلاقة. وقد كان الهدف الأول من إنشائها مساعدة السلطات المحلية في الخروج من أزمتها، ولذلك كانت رئاستها وعضويتها الأساسية مبنية في الأساس على رؤساء السلطات المحلية العربية. وقد تأسست المتابعة في أجواء متوترة عقب أحداث يوم الأرض وارتقاء ستة شهداء من أبناء شعبنا دفاعا عن أرضهم وهويتهم ووجودهم، وفي أعقاب منع السلطات الإسرائيلية عقد مؤتمر الجماهير العربية عام 1980، استنادا إلى أنظمة الطواريء. ثم قفزت اللجنة خطوة نوعية، حين تحولت إلى سقف سياسي جامع لكافة القوى الفاعلة في الشارع الفلسطيني في الداخل، نظرا للأجواء المتأزمة مقابل المؤسسة الرسمية، التي صمّت آذانها عن المطالب التي يُفترض أنها تحصيل حاصل، وشددت قبضتها الأمنية إزاء أي تحرك حقيقي. وقد ضمت اللجنة في عضويتها آنذاك رؤساء السلطات المحلية العربية ورؤساء الأحزاب وأعضاء الكنيست العرب (بمن فيهم أعضاء في أحزاب صهيونية) وأعضاء عرب في مركزية الهستدروت، ومنظمة الثانويين العرب وغيرهم. ولم تكن تدقق في الهوية الوطنية لأي من هؤلاء الأعضاء. وقد أصبح صوت اللجنة ظاهرا وفعالياتها ذات تأثير جماهيري مع أحداث مجزرة صبرا شاتيلا في أيلول 1982، ولكنها تصدرت المشهد السياسي وأصبحت ذات شأن مع أحداث الانتفاضة الأولى في كانون الثاني 1987. ومنذ ذلك الوقت طرأت على اللجنة تطورات وقفزات مهمة، أحدثت تغييرات ذات وزن في بوصلتها السياسية، وأصبحت تهتم أكثر بمسألة الهوية والانتماء، حتى تخلصت إلى حد ما من عضوية المنتمين إلى أحزاب صهيونية أو أعضاء لهم ارتباطات معينة بمؤسسات ذات أجندة صهيونية، غير أن هذا الأمر لم يصل بعدُ، حتى اليوم، إلى ذروة نقائه، وما تزال اللجنة متأثرة بعناصر خارجية تفرض عليها التزامات يجدر بها أن تصل إلى مرحلة تتخلص فيها منها مرة واحدة وإلى الأبد. ومن ذلك العضوية التلقائية لكل رئيس سلطة محلية منتخب، حتى لو كان عضوا في حزب صهيوني، أو كل عضو كنيست عربي ينتخب، حتى لو كان خاملا لا يفعل شيئا على الأرض، ولا يشارك حتى في هموم أبناء شعبه، ولا في الفعاليات التي تنظمها اللجنة في المناسبات المختلفة إلا نادرا، وأحيانا-ونقولها بصراحة وشفافية-من أجل تحقيق هدف سياسي حزبي أو مصلحة معينة.
من هذا يمكننا أن نستنتج مسألتين هامتين: الأولى أن التطورات التي طرأت على لجنة المتابعة منذ تـأسيسها وإلى الآن تعني أن في إمكاننا، وأننا نملك القدرة والإمكانات في إحداث تغييرات في نظام عملها، وكذلك في طريقة اختيار أعضائها. والثانية أنه ليس من المعقول أن تكون عضوية اللجنة تلقائية، لمجرد أن فلانا أصبح رئيس سلطة محلية، حتى لو كان انتخب خلال حرب عشائرية حمائلية شعواء، ربما سالت فيها دماء وأتلفت فيها ممتلكات خاصة وعامة، أو كان عضوا فاعلا في حزب صهيوني، أو أنه معروف بفساده ولا يصلح لقيادة سلطة محلية، ناهيك عن قيادة شعب، أو لمجرد أن فلانا أصبح عضو كنيست في انتخابات شارك فيها ثلث أبناء شعبه فقط. لقد مرت أكثر من 37 سنة على تأسيس المتابعة، وقد حان الوقت للتغيير. وهذا التغيير لا يمكن أن يحدث تلقائيا، بل هو يحتاج إلى إرادة وقناعة وتصميم وعزيمة وتوافق مبدئي بين جميع الأطر السياسية والشعبية، مع استعداد للتضحية بالوقت والمال والامتيازات الخاصة أو الفئوية.
إن الحرية ليست سلعة في سوبرماركت، تشتريها وقتما تشاء، ولا هي هبة يمنحك إياها من تظن أن بيده القرار، ولا تتحقق بالاستجداء، بل هي سلعة ثمينة غالية نفيسة لا بد من انتزاعها انتزاعا، ولا بد لها من رجال يسعون إلى تحقيقها، ولا بد لها من تضحيات، لمواجهة ما يعترضها من عقبات وأزمات وعراقيل.
إذاً، لا بد من استقرار الرأي على الانتخاب المباشر للجنة المتابعة؛ رئاسة وعضوية، كخيار وحيد وكبديل أكيد، ولو في المدى القصير والمتوسط، وفق آليات يضعها خبراء ومتخصصون وأهل تجربة، تُقرُّ من كافة الأطر السياسية والشعبية والهيئات الأهلية. عندها ستفرز شكلا جديدا من الأداء السياسي والمجتمعي، وستُفرز قيادات جديدة، ربما لن ترى فيها ذات الوجوه التي تراها اليوم، وربما ترى وجوها من قيادات اليوم ويختفي غيرها، بقرار حقيقي يعبر عن إرادة حقيقية للشعب. لا بـ”قرار” تشوبه التساؤلات والشبهات والنقصان. وربما، بل من المؤكد أنه سيظهر في المشهد جيل جديد من القيادة، من حيث الوجوه والتفكير والأجندات والأداء وأساليب العمل.
وبطبيعة الحال لن يكون هذا ممكنا أو سانحا تحقيقه إلا إذا وُضعت أسس وأنظمة داخلية مختلفة نصا ومضمونا وجوهرا عن القائمة حاليا، يُرجعُ إليها في قضية تنظيم الانتخاب المباشر، والأهم من ذلك في قضية سير العمل في اللجنة.
المجتمع العصامي:
والعصامية في اللغة تعني اعتماد الشخص (أو المجموعة) على نفسه وقدراته الذاتية حتى ينال الشرف والمجد، ويحقق أحلامه وأهدافه وآماله وأمانيه، دون انتظار عون من أحد، ودون أن يعجز أو ييأس أو يُحبَط أو يستسلم أمام العقبات وأمام الحاجة وأمام قلة الموارد والإمكانات المادية، وأمام المثبطين وأمام الذين يعرقلونه متعمدين. والعصامية مقاومة الواقع وتحصين الذات من الوقوع في الأخطاء، ومعالجة الأخطاء عند وقوعها، والتمسك والثبات والتصبّر.
ونحن في الحقيقة نحتاج إلى كل هذه المعاني العظيمة كي نبني مجتمعا عصاميا لا يركن إلى الآخر، ولا ينتظر الفتات، ولا يلهث يائسا خلف وعود كاذبة، لهثنا خلفها طوال سبعة عقود. نحتاج هذه المعاني، فهل نملكها ونملك حقيقها؟ نعم… نستطيع، بإرادتنا وتكاتفنا، وتعاضدنا نستطيع.
ولقد سبق أن عاش مجتمعنا في الداخل الفلسطيني بركات مشروع المجتمع العصامي الذي أحيته الحركة الإسلامية (المحظورة إسرائيليا)، طوال عقدين تقريبا. وللحقيقة فإنها أحيت مشروعا كانت بذوره قد طُرحت في أرضنا المباركة من اللحظة الأولى التي تأسست فيها الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني أواخر سبعينات القرن الماضي. فجاءت الحركة (المحظورة إسرائيليا) واستثمرت الطاقات الكامنة، خاصة بعد أحداث هبة القدس والأقصى، وجعلت مشروع المجتمع العصامي في مركز أدائها الاجتماعي-الجماهيري-الإنساني، وعملت على مأسسته، وشجعت لأجله على إنشاء العديد من المؤسسات الأهلية التي قدمت خدماتها لأكثر من نصف مليون مواطن من أهلنا في الداخل، فأحدثت بذلك قفزة في الأداء، وقفزة في أساليب العمل، وقفزة في المجالات التي تعمل فيها، ومن ثم قفزة في النتائج والثمار. ولا يستطيع إلا مكابر أو مبغض أن ينكر آثار هذا المشروع العظيم على مجتمعنا وعلى أهلنا.
لقد جاءت هذه التجربة الناجحة وذات الأثر الكبير، بعد دراسة وضعنا كجزء من الشعب الفلسطيني والعالم العربي والأمة الإسلامية، دراسة عميقة متأنية واعية واثقة مسؤولة، اجتهدت خلالها أن تدرس حقيقة النكبة التي وقعت على شعبنا عام 1948، وأن تدرس بعمق ومسؤولية أداء الأحزاب والأطر السياسية التي اختارت التعاطي مع موضوع الكنيست الصهيوني وخرجت- بفهم ووعي- بضرورة أن يتخلص مجتمعنا في الداخل من تبعيَّته للآخر، وأن يعتمد على نفسه بقدراته الذاتية، من خلال توفر القوة المالية _ولو بصورة نسبية- وتوفر الطاقات العلمية والمعرفية والتخصصات المطلوبة، يسندها حاضنة شعبية دافئة جُبلت على البذل والعطاء، ثم الانطلاق بخطى واثقة مما تبقى لنا من أرض في أيدينا، مع الأخذ في الاعتبار ما يمكن أن يواجه هذا المشروع من عقبات ذاتية وأخرى من طرف المؤسسة الإسرائيلية التي سعت إلى التعطيل والعرقلة بطرق مختلفة، ومع الإدراك التام أن الهدف هو تحقيق الحد الأدنى من العصامية والاعتماد على الذات، خاصة في المجال الاجتماعي والتعليمي والصحي والاقتصادي. ويمكننا أن نفصّل في هذا حتى إشعار آخر، لكننا نثق بأن مجتمعنا يعلم كافة التفاصيل، وإن كانت هناك ضرورة سنفصل أكثر.
يتبع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى