أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

معركة الوعي (67): حديث في الثوابت (3)

حامد اغبارية

ثابت وقفية فلسطين:

وبعد أن فهمنا سوية ما معنى “ثابت فهم القضية”، كما فصّلناه في المقال السابق، وكونه هو المدخل للتعاطي مع جميع ثوابت شعبنا وأمتنا، فإن إدراك وزن ومكانة وأهمية كل واحد من سائر ثوابت هذه الأمة يصبح أكثر وضوحا، وتصبح علاقتك بهذه الثوابت أكبر بكثير من كونك فلسطينيا. وإن الخروج من ضيق دائرة الانتماء الفلسطينية إلى الدائرة الأوسع وهي دائرة الانتماء للأمة الإسلامية تمنح الثابتَ أبعادا أخرى. هذه الأبعاد الأخرى التي عملت – وما تزال-  على تحييدها جهات كثيرة في مقدمتها الحركة الصهيونية والمؤسسة الإسرائيلية والمجتمع الدولي بكل مؤسساته وبتواطؤ من أنظمة العار العربية.

كيف ذلك؟

لقد مورست لعبة الأمم علينا كشعب فلسطيني تتلاطمه الأمواج، وكعالم عربي متشرذم متناحر، وكأمة إسلامية ممزقة أيدي سبأ حتى استقر في الذهان وانعكس في الممارسة وكأن جذور المسألة قد اجتُثَّت، وأن القضية بدأت يوم أن أعلن قيام الكيان الجديد على أنقاض الشعب الفلسطيني في أيار 1948، أما ما قبل ذلك فهو من الماضي الذي يجب نسيانه. ثم أصبح من عجز الأمة أنها تعايشت مع واقع فرضه ضعفها وانهزاميتها قبل أن يفرضه عليها أعداؤها، وهو واقع يقول إن العودة إلى الوراء أصبح مستحيلا، وإن من الحكمة ومن أسباب ضمان بقاء الأنظمة (التي هي أشبه ما تكون بالحجارة على رقعة الشطرنج الصهيونية) أن ترضى الأمة بالتعايش مع الكيان الجديد والتعاطي معه وقبول وجوده. وكانت المرحلة الأولى تتمثل في قبول وجوده كأمر واقع، لتصبح المسألة صراعا بين طرفين، رغم أن أحد هذين الطرفين ظهر بالأمس فقط، ورغم أن هذا الطرف اعتدى ونهب وسلب وهجّر وهدم وجرّف وغيّر وبدّل وزوّر، ورغم أنه طارئ كأي ظرف من الظروف الطارئة، لكن لعبة الأمم القذرة جعلته طرفا أصيلا في الصراع، وجعلت له حقوقا مثلما لغيره حقوق. ثم جاءت بعد ذلك مرحلة قبول وجوده كصاحب حق تاريخي وديني، ثم مرحلة قبول وجوده كشريك في مواجهة ما يسمونه التطرف والإرهاب، والذي هو في الحقيقة معسكر الذين قالوا “لا” لكل هذا الواقع الذي فرضته البلطجة الدولية وزعرنات هيئة الأمم المتحدة.

لهذا كله فإن الثابت الذي سعت كل تلك القوى الفاسدة المفسدة إلى جعله طيّ النسيان هو أن فلسطين هي وقف إسلامي. والوقف الإسلامي له ضوابط وشروط وقوانين تحكمه. وإن من ضوابط هذا الوقف أنه لا تزول وقفيته بالتقادم، ولا تسقط عنه تلك الصفة بحجة أن الأمة مهزومة وضعيفة ولا يمكنها تغيير الواقع الجديد! كما أن هذه الوقفية لا تنتهي صلاحيتها حتى لو أن كل الأمة من محيطها إلى خليجها ومن جاكرتا إلى الرباط وقّعت على تنازل أو اعتراف أو منح حق لأيِّ جهة أو طرف أو مجموعة من الناس. وحتى لو اشتغل الإعلام المضلل على مدار الساعة كي ينفي صفة الوقفية عن فلسطين مستعينا بعلماء السلاطين الذين صُنِعوا على أعين أمريكا والصهيونية والماسونية.

ما معنى هذا الكلام؟

إن هذا الكلام معناه كذات المعنى الذي في مقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم: {… لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي…}، ومعناه كذات المعنى في قوله عليه الصلاة والسلام: {… واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن يضروك بشي….}… ومعناه كذات المعنى في قوله عليه الصلاة والسلام: {… لا يضرهم من خذلهم ولا من ناوأهم…}..

يعني لو أن الدنيا كلّها، بمن عليها من مليارات البشر، بمن فيهم المسلمين والنصارى واليهود والهندوس والبوذيين والمجوس وغيرهم من سائر الأجناس والمعتقدات، ولو أن معسكر الباطل كله بعَربه ورومه وعجمه وأبيضه وأسوده وأحمره وأصفره، أقر بأن مسألة فلسطين ووقفيتها خاضعة للنقاش والأخذ والرد والشد والجذب وأن المصلحة – وليس الحقّ – هي التي تقرر اتجاه البوصلة، وأن هذه المصلحة تقضي بابتلاع الضفادع، وأنه عفا الله عما سلف، وأننا أبناء اليوم، وأن في الإمكان بناء مستقبل مشترك وأن وأن وأن…  لما غيّر هذا من حقيقة كون فلسطين وقف إسلامي خالص للمسلمين، وأن مأساوية واقع المسلمين اليوم لا تغير هذه الحقيقة ولا تلغيها. (يتبع).

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى