أخبار رئيسيةأخبار عاجلةعرب ودولي

هل تشهد أوروبا «ثورات ملونة» جديدة قريبًا؟

لم يكن من الصعب تخيُّل ألكسندر لوكاشينكو وهو يحوم فوق المتظاهرين السلميين على متن مروحيته ملوحًا ببندقيته؛ فالرجل يجلس على أنفاس شعبه بالقوة منذ 26 عامًا كملك لا تضاهي سلطته سلطة، ولا يهدد مكانته أي غضب أو تمرد، متخذًا من قمع المعارضة والتحكم في الإعلام منهجًا وسبيلًا.
ومع إعلان التلفزيون الحكومي في أغسطس (آب) الماضي، فوز لوكاشينكو بالرئاسة بـ80% فقط من الأصوات، لم يكن الأمر جديدًا، لكن غضب الناس الذي حركه أنصار زعيمة المعارضة سفيتلانا تيكانوفسكايا، في جميع المدن الكبرى، جعل بيلاروسيا تتصدر تغطية وسائل الإعلام، وبدا الأمر وكأن شيئًا جديدًا وكبيرًا يحدث، ما دفع بابًا للتعاطف مع المعارضة من جهة البعض، في حين تذكر الآخرون أحداث الماضي غير البعيد وبدأوا في اتهام الغرب بتدبير «ثورة ملونة» جديدة.
الأمر لم يتوقف عند بيلاروسيا، إذ اتهم رئيس الاستخبارات الخارجية الروسية، سيرجي ناريشكين قبل أيام، الولايات المتحدة، بأنها تخطط لسيناريو ثوري في مولدافيا بالتزامن مع الانتخابات الرئاسية المقررة في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
فهل ما يحدث في بيلاروسيا «ثورة ملونة» ذات صناعة غربية رغم كل المشاكل التي يعاني منها النظام القمعي هناك؟ وماذا عن مولدافيا؟ وهل تشهد أوروبا «ثورات ملونة» جديدة، وما هو مصطلح «الثورات الملونة»؟
عودة إلى جذور مصطلح «الثورات الملونة»
في العقد الأول من القرن الحالي، فرض مصطلح «الثورات الملونة» نفسه على الساحة السياسية وفي أدبيات العلوم السياسية، لوصف الانتفاضات السلمية في دول الاتحاد السوفيتي السابقة، ضد مجموعة من السياسيين الموالين لموسكو.
وكان العامل المشترك لهذه الانتفاضات هو أنها حدثت في أغلب الحالات رد فعل على تزوير استحقاقات انتخابية في أنظمة دول الاتحاد السوفيتي السابقة، وبالفعل، نجحت الموجة الأولى من هذه الثورات «الملونة» في إيصال سياسيين إصلاحيين للسلطة في صربيا عام 2000 وجورجيا عام 2003، وأوكرانيا عام 2004، وقرجيزستان عام 2005، وحركت احتجاجات قوية في دول أخرى مثل بيلاروسيا عام 2006.
ورغم أن الثورة الأوكرانية هي الوحيدة التي اتخذت لنفسها لونا رسميًا هو «البرتقالي»، واستخدمه المحتجون بكثافة في الاحتجاجات عام 2004، إلا أن مصطلح «الثورات الملونة» بات يستخدم إعلاميًا، وفي أروقة الحكم في موسكو، لوصف أي تحركات شعبية في الدول المقربة منها.
وبينما استخدم الموالون لروسيا المصطلح بمعنى سلبي للإشارة إلى أن هذه الانتفاضات «مصنوعة غربيًا»، استخدم الرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش مصطلحًا موازيًا لوصف حالة تحول ديمقراطي مدعوم شعبيًا، من وجهة نظره، في العراق، بعد الانتخابات التشريعية التي جرت في 2005، ووصفها بـ«الثورة الأرجوانية»، ومن ثم صار المصطلح باعثًا على القلق بين الكثير من المراقبين.

الهدف الحقيقي وراء هذه الثورات.. رؤية يسارية
حدوث هذه الثورات «الملونة» في مناطق نفوذ مباشرة لروسيا الحالية، وهي دول الاتحاد السوفيتي السابق، يثير الكثير من علامات الاستفهام، ويفتح الباب أمام جدل، يتصدره بعض أوساط اليسار، حول الهدف الحقيقي لهذه الثورات.
ترى بعض الأوساط اليسارية خاصة في دول الاتحاد السوفيتي السابق أن هذه الثورات «مصنوعة غربيًّا»؛ لأنها تحدث فقط في دول الاتحاد السوفيتي السابق، ومحيط وريثته، روسيا، بهدف واضح بالنسبة لهم هو: إزاحة الأنظمة الموالية لموسكو، لتحل مكانها أنظمة أخرى غربية الطابع؛ ومن ثم، محاصرة روسيا.
وتستند هذه الآراء إلى دعم الغرب الكبير لهذه الثورات وقت حدوثها، ووجود العديد من منظمات ونشطاء المجتمع المادي الغربيين في قلب الاحتجاجات، وتقديم الولايات المتحدة دعمًا ماليًا لمنظمات المجتمع المدني في الدول التي شهدت هذه التحركات، ويأمل الغرب، وفق هذه الآراء، في أن تحرك التغييرات السياسية في الجوار الروسي تغييرًا مماثلًا في موسكو وفق نظرية الدومينو، وهو ما يعده الكرملين تهديدًا مباشرًا له.

«الثورات الملونة» على طاولة التشريح
على الرغم من الانتقادات والمخاوف الروسية، فإن الثابت في أدبيات السياسة، أنه لا توجد ثورة دون تحرك شعبي، ولا يوجد تحرك شعبي يأتي من فراغ أو عن طريق الإيهام أو الشحن الخارجي فقط؛ ففي أوكرانيا أو بيلاروسيا أو جورجيا كان القمع والفساد، وتزوير الانتخابات جليًا، وبالتالي خرج الناس إلى الشوارع، بغض النظر عن الاختلاف حول المستفيد والداعم لهذه الثورات وفق وجهات النظر المتباينة.
في المقابل، فإن الثورات والانتفاضات بحسب أصحاب وجهة النظر المشجعة تحتاج في حالات عدة لدعم خارجي، ربما يشمل تأييد من دول كبرى للتحرك الشعبي، أو تهديد للأنظمة القائمة لمنعها من استخدام العنف المفرط، ويكون العامل الخارجي حاسمًا في أغلب الحالات، لكنه ليس العامل الذي يصنع الثورات: الانتفاضات تحدث أولًا، ثم يأتي أي عامل آخر، بحسب تلك الرؤية.
وبناء على ذلك، يرى بعض الباحثين الرافضين لوصم تلك الثورات أن مصطلح «الثورات الملونة» ليس دقيقًا من الناحية العلمية لوصف ما حدث من انتفاضات في دول الاتحاد السوفيتي السابقة، وبدلًا من ذلك يستخدم بعض المتخصصين مصطلحات يرونها أكثر دقة من وجهة نظرهم مثل «التغيير الانتخابي» أو «الثورات الانتخابية».
ومع الوقت، طور الباحثون ما بات يعرف بـ«الاقتراب الانتخابي» أو «النموذج الانتخابي» للدمقرطة في الدول السلطوية، الذي يستند إلى أساسين واضحين: الأول؛ يتمثل في أن الانتخابات تعتبر فرصة مثالية للتغيير الديمقراطي. والثاني؛ يتمثل في أن النجاح الانتخابي في الدول السلطوية يعتمد على التخطيط الجيد والتعليم المستمر وتكوين شبكة قوية من المعارضين والنشطاء ومنظمات المجتمع المدني وداعمي الدمقرطة دوليًا، خاصة في ظل تمتع المسؤولين في مثل هذه الأنظمة بميزة السيطرة على الإعلام وغيره من المؤسسات، ومن ثم القدرة على التحكم في وعي الشعب.

ملونة أو انتخابية.. ما هي شروط نجاح الثورات؟
من واقع ما حدث في أوكرانيا وجورجيا وصربيا وقرجيزستان في العقد الأول من القرن الحالي، فإن نجاح التغيير الانتخابي في النظم السلطوية يعتمد على شروط معينة: على رأسها؛ وحدة المعارضة، ولا يعني هذا توحيد المعارضة فيما يتعلق بالبرامج والمنطلقات والأيدلوجيات، وإنما وحدة في الهدف وهو إسقاط الحكومة القائمة، والالتفاف حول مرشح واحد لمنع تفتيت الأصوات.
وبخلاف توحيد المعارضة، وهو الشرط الأهم، فإن هناك شروطًا أخرى مثل: وجود مجتمع مدني نشط يعمل على فضح التزوير ورصد الانتهاكات بشكل دائم، ووضع استراتيجيات مبتكرة لجذب الناخبين لصناديق الاقتراع وإقناعهم بإمكانية حدوث التغيير، وإرسال رسائل سياسية تفضح مواطن العجز في النظام القائم، وأخيرًا قدرة المعارضة على فضح التزوير ورفض نتائج الاقتراع النهائية، ومن ثم تعبئة الناس للنزول للشارع.
غير أن العامل الخارجي يلعب دورًا، ولكن في آخر مرحلة، وهي الاحتجاج على نتائج الانتخابات، إذ إن وجود تضامن عالمي قوي مع المعارضة في الدولة التي تشهد احتجاجات، يقوي موقفها أمام النظام، كما أن تدخل دول كبرى عبر تهديد النظام القائم لمنعه من استخدام العنف يكون حاسمًا أيضًا، في إنجاح الثورات.

إذًا ما هو حجم الدور الخارجي في إشعال الثورات وإنجاحها؟
إذا كان منطق الأمور يفيد بأن الثورات لا تُصنَع خارجيا؛ فالعالم يعج بالأنظمة التي ترفضها الدول الكبرى، وتعجز منذ عقود عن تحريك ثورات فيها، فإن العامل الخارجي يبقى حاسمًا في نجاح الثورات، خاصة في حالة مناطق نفوذ الاتحاد السوفيتي السابق.
وأصل التدخلات الخارجية هو: المصلحة أكثر من المبدأ؛ فعلى سبيل المثال لم يضغط الغرب على سلوبودان ميلوسوفيتش من أجل عدم تزوير نتائج الانتخابات البرلمانية في صربيا في عام 1996، ولم تتحرك واشنطن لدعم مظاهرات حاشدة ضد حكومته استمرت لأشهر بسبب التزوير، لأنها كانت تملك علاقة ليست سيئة في ذلك الوقت مع الرجل القوي، لكن مع تغير الوضع في انتخابات عام 2000 ووصول العلاقات معه إلى طريق مسدود، ساندت واشنطن الاحتجاجات التي انتهت برحيله.
وبالتالي، فإن الدعم الخارجي للثورات أو الاحتجاجات لا يكون عادةً من منطلق قِيَميّ، حتى لو نفت واشنطن ذلك مرارًا وتكرارًا، ولكن بدافع المصلحة المباشرة، لذلك فإن تحركات الغرب في الجوار الروسي، وإن كانت لا تصنع الاحتجاجات، لكنها تكون عاملًا حاسمًا في بعض الأحوال في نجاحها، بهدف إحاطة موسكو بدول تحكمها الديمقراطية الغربية.

بعد ربع قرن.. إلى متى يستطيع لوكاشينكو إبقاء بيلاروسيا تحت السيطرة؟
منذ 1994، يتولى الرئيس لوكاشينكو، وهو أكثر زعيم بقاءً في منصبه في أوروبا، رئاسة بيلاروسيا، ويعد امتدادًا واضحًا للحكم الشيوعي الذي حكم البلاد باعتبارها جزءًا من الاتحاد السوفيتي حتى انهيار الأخير في 1991.
حاول لوكاشينكو، خلال 26 عامًا في سدة الحكم، الحفاظ على عناصر الشيوعية السوفيتية؛ فالجانب الأكبر من قطاع التصنيع لا يزال تحت سيطرة الدولة، كما أن القنوات الإعلامية الرئيسية حافظت على ولائها للحكومة، بل إنه يملك جهاز شرطة سري قوي للغاية يسمى «كي جي بي»، لكن لوكاشينكو تمتع لسنوات طويلة بشعبية كبيرة بسبب خطابه القومي الرافض لتدخلات الغرب، ما مكنه من النجاة من انتفاضة قوية ضربت نظامه في 2006 إثر تزوير للانتخابات الرئاسية.
ثم في الأعوام الأخيرة، تراجعت شعبية الرجل بقوة لأسباب عدة، في مقدمتها استفحال الفساد والفقر والقمع، وجاءت الانتخابات الرئاسية لتحمل في طياتها محاولة جديدة على طريقة التغيير الانتخابي، الذي سبق وذكرناها، إذ خاضت المعارضة حملة قوية خلف مرشح واحد، وفضحت التزوير ونجحت في تعبئة الناس للنزول للشوارع في أغسطس الماضي.
وعلى مدار أسابيع، نظمت المعارضة احتجاجات حاشدة في المدن الرئيسية ضد التلاعب في الانتخابات، وكان حجم المسيرات غير مسبوق، وضم في أحيان كثيرة حسب وسائل إعلام غربية 100 ألف شخص، في مقابل مسيرات ضعيفة لمؤيدي الرئيس الحالي، وبعد صدامات بين الشرطة والمتظاهرين، خرجت النساء في مواكب احتجاجية بلباس أبيض حاملين الورود، ونظم المعارضون مظاهرات في كبريات المؤسسات الحكومية.
ورغم هذا المشهد الاحتجاجي، ترى بعض الكتل اليسارية والحكومة الروسية إن لوكاشينكو رغم كل شروره، فإن مشكلته الأولى أنه موالٍ للروس في إقليم تحاول الولايات المتحدة والغرب إعادة صياغته منذ 1991.
وترى هذه التكتلات أن الغرب يخوض حربًا بكل الوسائل في منطقة نفوذ الاتحاد السوفيتي السابق، ويدعم محاولات تغيير الأنظمة، ويساعد في تنظيم «الثورات الملونة» ضد الحكام الموالين لروسيا، وما حدث في بيلاروسيا ليس استثناء من ذلك.
ورغم استمرار المظاهرات الحاشدة حتى الآن، ورفض الولايات المتحدة وأوروبا الاعتراف بشرعية لوكاشينكو رئيسًا لبيلاروسيا، لا يزال الرجل متمسكًا بموقعه، لكن مصيره قد يكون مرتبطًا باستمرار الاحتجاجات بالكثافة نفسها، لأنه لن يستطيع تحمل هذا الضغط لفترة طويلة من الناحيتين السياسية والاقتصادية، ناهيك عن تماسك أركان نظامه مع تزايد الضغط.

مولدافيا.. هل يتكرر سيناريو بيلاروسيا؟
مطلع نوفمبر المقبل، تعقد مولدافيا انتخاباتها الرئاسية، وسط تحذيرات روسية من تكرار سيناريو بيلاروسيا، واتهامات للغرب بتدبير ثورة ملونة جديدة، لأن النظام الحالي في البلاد مقرب من روسيا، ويملك علاقات اقتصادية وسياسية قوية معها.
لكن هذه التحذيرات والاتهامات تتكرر في مولدافيا على وجه التحديد مع كل انتخابات، وبالتزامن مع الانتخابات التشريعية في فبراير (شباط) 2019، رجح سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي نيقولاي باتروشيف، احتمال تنظيم الغرب ثورة في البلاد.
وتابع في تصريحات صحفية «هذا السيناريو يبدو محتملا في حال فوز الاشتراكيين بقيادة الرئيس الحالي إيجود دونون، في الانتخابات البرلمانية»، مضيفًا «ستقوم الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، بتنظيم ميدان جديد في عاصمة مولدوفا في محاولة لسحب الثقة من رئيس هذه الجمهورية».
انتهت الانتخابات ولم يحدث هذا السيناريو، وقررت روسيا مجددًا استباق الانتخابات الرئاسية التحذير نفسه مجددًا،مع إطلاق المعارضة حملة انتخابية قوية. بل إن الشارع السياسي منقسم بشدة في مولدافيا؛ فقبل أربع سنوات، فاز الرئيس الحالي بالرئاسة بـ52.11% من الأصوات، مقابل 47.89% لمرشح المعارضة القوي مايا ساندو، بعد أن خاض الأول حملة موالية للقيم الروسية، والثاني حملة إصلاحية تدعم نظامًا سياسيًا واقتصاديًا غربي الطابع.
وبعد مرور الفترة الرئاسية الأولى لدونون، يبدو الانقسام في المجتمع أكثر قسوة من ذي قبل، لكن حدوث سيناريو مماثل لما حدث في بيلاروسيا مرتبط بشروط معينة، أولها: نجاح المعارضة والمجتمع المدني في رصد التزوير في الانتخابات إن حدث، ومن ثم تعبئة الناس للنزول للشوارع بأعداد ضخمة لا يمكن تجاهلها.

لماذا تخشى روسيا من هذه الثورات؟
تشعل هذه الاحتجاجات والثورات قلق موسكو وتحتل أولوية كبرى في أجندتها الأمنية، لسببين:
1- خطورة وجود أنظمة موالية للغرب على حدودها وفي مناطق نفوذها المباشرة، لما في ذلك من تهديد لأمنها بشكل مباشر، وما يمكن أن يترتب عليه من انضمام هذه الأنظمة الجديدة إلى حلف شمال الأطلسي «ناتو» وتهديد الأراضي الروسية عسكريًا، ولو من الناحية النظرية.
2- تخوف روسيا من أن تحرك هذه الثورات ثورة أو احتجاجات مماثلة على أراضيها ولو على المدى البعيد، لكن طالما استمرت النظم القمعية التقليدية الموالية لها في الجوار، زادت فرص حدوث ثورات فيها، ما يفتح الباب أمام تدخل العامل الخارجي الرامي لاحتواء موسكو.
في الواقع، لم تخلق «الثورات الملونة» السابقة في عدة دول، وضعًا سياسيًا دائمًا، وإنما حدثت ارتدادات في الأغلبية العظمى منها، لكن حدوث تغيير سياسي، خاصة في بيلاروسيا، واستبدال نظام لوكاشينكو، بنظام غربي الطابع، على الحدود المباشرة لروسيا، سيكون ضربة قوية للأخيرة، لأن انضمام بيلاروسيا انضمامًا كاملًا للمؤسسات الأمنية والسياسية الغربية، سيعني تعريض الأمن الروسي لخطر كبير، وفق ورقة بحثية بعنوان «الثورات الملونة وروسيا»، للباحثة في معهد الشؤون الخارجية بموسكو، فليري سلوفي. وفي حالة مولدافيا، التي لا تجاور روسيا مباشرة، بل تقع بينهما أوكرانيا التي اختارت التوجه غربًا قبل سنوات، فإن الخطر الأكبر سيكون خسارة حليف ومنطقة نفوذ روسي مباشر لصالح الغرب.
وفي النهاية، فإن «الثورات الملونة» يمكن أن تمثل تهديدًا قويًا فقط في حالة نجاح التجربة، وإزاحة أنظمة كل الدول المحيطة بروسيا، لتحل مكانها أخرى موالية للغرب. حينها، ستكون روسيا مهددة بحدوث تغيير سياسي مماثل يستبدل نظامها القائم بآخر موالٍ للغرب، وهذه حالة نظرية لا تبدو قريبة التحقيق وفق التجربة العملية في العقدين الماضيين.
وفي المقابل، يستبعد أن تتوقف الاحتجاجات في دول الجوار الروسي، فهي مرتبطة ارتباطًا قويًا باستمرار القمع والتهميش، وبخلاف بيلاروسيا ومولدافيا، فإن كازاخستان مرشحة لسيناريو مماثل في يناير (كانون الثاني) المقبل بالتزامن مع إجراء الانتخابات البرلمانية، خاصة أن البلاد كثيرًا ما شهدت احتجاجات قوية على نتائج الانتخابات في العقدين الماضيين.
ورغم أن بعض الباحثين يرشح كازاخستان لسيناريو مشابه لبيلاروسيا، لا ينبغي تجاهل حقيقة هامة هي أنه «لا يمكن التنبؤ بالثورات»، فكثير من الدول كانت تملك كل الظروف التي تحفز حدوث حراك، ولم يحدث، ودول أخرى، توفرت فيها ظروف أقل حدة، وشهدت حراكات قوية، وكازاخستان نفسها، كانت مرشحة بقوة لحدوث ثورة إبان الانتخابات الرئاسية في 2005، لكن الأمر لم يحدث، رغم توفر كل الظروف، وإجراء الانتخابات في قلب موجة «الثورات الملونة» في المنطقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى