بكرا العيد ومنعيِّد
الشيخ كمال خطيب
قُبيل انتهاء شهر رمضان المبارك،ومع اقتراب يوم العيد كان الأطفال يجوبون شوارع وطرق الحارات،ينشدون فرحين بانتهاء رمضان واستقبال يوم العيد. إنها براءة الأطفال أولًا،وإنها الأجواء العامة في بيوتهم وفي قراهم،وكلها راحت تشير إلى اقتراب العيد الذي يفرح الأطفال أكثر من غيرهم لما يكون فيه من توسعة عليهم من أهليهم وأقاربهم من هدايا وملابس جديدة وغير ذلك.إنها الأهزوجة التراثية :
بكرا العيد ومنعيّد
منذبح بقرة سعيّد
واسعيّد مالو بقرة
منذبح بنتُه هالشقرا
والشقرا ما فيها دم
منذبح بنته بنت العم
ومع عدم موافقتنا على بعض معاني هذه الأهزوجة التراثية،إذ كيف لأحد أن يذبح ابنته،رغم أن معانيها مستوحاة من قصة الأضحية وفداء إسماعيل بكبش عظيم،حيث البقرة فداء للبنت الشقراء وفق كلمات الأهزوجة.ومع أن كلمات الأهزوجة تخص عيد الأضحى إلا أنها كانت تسمع كذلك في أجواء استقبال عيد الفطر،وقد راحت تتجلّى مظاهر فرحة العيد في بيوت الناس وشوارعهم وأسواقهم،ولكنها الفرحة الممزوجة بمعاني الألم والحزن لما يقع على أمة الإسلام من الأحزان والمآسي والكروب.إذ كيف لنا أن نفرح بالعيد الفرحة الحقيقية كاملة غير منقوصة،ونحن نعيش مأساة غزة وحصارها وتجويع أهلها.ونحن نعيش نكبة الشعب السوري وما وقع عليه وما يزال يقع عليه من ظلم إيران ونظام بشار وحلفائه الطائفيين.وما العراق عن سوريا ببعيد حيث الظلم الواقع على أهل السنة في العراق في الموصل خاصة وفي باقي العراق عامة،من سياسة حكومية طائفية مدعومة من إيران ومن أمريكا.وكيف لنا أن نفرح بالعيد وها هو الخليج العربي على أبواب فتنة عمياء،ما زلنا في فصولها الأولى والتي ستتوالى وستقود إلى شرعظيم.وكيف بحال مصر المخطوفة،والمغتصبة من عملاء إسرائيل الانقلابيين.وكيف بحال اليمن وليبيا والصومال ومسلمي الروهينغا الذين يذبّحون كقرابين تقدم لآلهة البوذيين عليهم اللعنات من الله تعالى.وإن نسينا فلا ننسى القدس الحزينة وأقصاها المكلوم،مما يقع من تدنيس وإفساد الإسرائيليين له وفيه وسياساتهم الحاقدة ومخططاتهم السوداء بحقه.
ولقد قالها رجل صالح(إن عيدا في الأرض يفرح فيه أناس ويبكي آخرون،هو مأتم عند أهل السماء)وإنهم أهل السماء الذين ينظرون إلى المسلمين وما ينزل بهم من ظلم أعدائهم،وإن كان ظلم ذوي القربى وظلم بعضهم لبعض هو أشد وقعًا من ظلم أعدائهم.
صحيح أن هذا حال المسلمين ونحن على مسيرة يوم واحد من نهاية رمضان ومن الاحتفال بحلول عيد الفطر،لكننا ومن خلال يقيننا وثقتنا بوعد الله سبحانه ووعد رسوله صلى الله عليه وسلم،ومن خلال الأمل الذي يغمرنا ومن خلال قراءة للتاريخ وسير أحداثه فإننا على يقين أننا نوشك أن نطوي مرحلة الهوان والذل والفرقة،وسنفتح مرحلة وصفحة العزة والكرامة بإذن الله تعالى.
إن المخاض العسير الذي تمرّ أمتنا به وما يصاحبه من آلام ودموع ودماء،حتما ويقينا سيكون من بعده الميلاد المبارك به ننسى الآلام والدموع والمحن تماما كما تنسى الأم آلامها ودموعها وهي تحتضن صغيرها بين يديها.
إن ما يجري في منطقتنا من تكالب الأعداء وخيانة الأمراء وضلالة العلماء،قد يكون في فهم البعض أنه المسمار الأخير في نعش الأمة،وأنا لن أعتبره إلا الصاعق الكهربائي الذي يضرب به جسد المريض فيعيد إليه النبض وخفقات القلب.وإن هذا الكيد العظيم والإمكانات الهائلة التي تبذل من قبل الأمراء والزعماء العملاء العرب والمسلمين،وما يقدمه لهم سادتهم في إسرائيل وأمريكا،ما هو إلا دليل على فهم هؤلاء بأن الرياح تجري بغير ما تشتهيه سفينتهم وأن رياح التغيير والإنتقام بدأت تهب بل إنها عواصف ورعود ستقتلع هؤلاء الفاسدين.
إنهم أعداؤنا من الباحثين والدارسين والمتابعين ممن يغوصون في أعماق الحالة والمتغيرات التي تمر بها أمتنا خصوصا والعالم عموما،فإنهم قد توصلوا إلى النتيجة الحتمية بأن المستقبل هو للإسلام،وأن السؤال ليس( هل سينتصر الإسلام على أعدائه أم لا وإنما السؤال كيف ومتى )؟!
إنهم الذين يدركون تماما ومن خلال دراستهم للتاريخ في دوراته المتعاقبة وأمثلته الكثيرة،أن الأمة الإسلامية تمرض ولكنها تتعافى وأنها تضعف لكنها سرعان ما تعود إليها قوتها وعافيتها وأنها قد يصيبها الترهل والفرقة لكن سرعان ما كان يخرج من بين الركام القائد الباسل الذي يتسلح بالصدق والإخلاص،وإذا به يجمع شتات الأمة من جديد ويوحد إمكاناتها،بل وإذا به يدفع بالأمة إلى انطلاقة جديدة وفتح جديد ومرحلة ودورة جديدة من دورات الأيام التاريخ.
إنهم هؤلاء الباحثين الذين قالوا بأن الأمة الإسلامية تتهيأ لصلاح الدين جديد،يقلب المعادلة ويعيد صياغة الدنيا بيديه. وإنهم الذين قالوا بأن دورة الأيام القادمة هي دورة الإسلام،ولكنهم السياسيون الحاقدون والمغرورون من سلالة أرناط وريتشارد قلب الأسد ولويس التاسع وغيرهم أمثال ترامب وبوتين،وقد أغراهم وجود أمراء وزعماء عملاء لهم فظنوا أنها الأنفاس الأخيرة في حياة أمة الإسلام توشك أن تلفظها ليصبحوا هم قادة الدنيا،بل ومن سيسجل التاريخ لهم أنهم وقفوا في وجه الإسلام وأنهم سيريحون الدنيا من شرور المسلمين.
إنني وبإذن الله تعالى ومع اقتراب عيد الفطر ومع كل الحال الذي تمر به الأمة إلا إننا على موعد قريب ليس بعيد وعاجل غير آجل مع الفرج والفتح والنصر والتمكين لأمة الإسلام.
أننا على موعد قريب مع العيد الحقيقي الذي ستعيش أمة الإسلام كلها ابتهاج حلوله وفرحة مقدمه، إنه عيد انتصار الإسلام على أعدائه،وعيد أن تتوحد الأمة على كلمة سواء،وأن تمتلئ الدنيا قسطًا وعدلًا كما مُلئت ظلما وجورا،انه العيد الذي فيه سترفرف راية الإسلام عاليا وستدوي في جنبات الكون صيحات التكبير.
إنني تغمرني الثقة بالله وبوعده أننا على أبواب ونسائم الخير تهب إلينا من كل جانب،وأنوار الإسلام تتلألأ في جنبات الكون. وأما الظلمة والطواغيت والعملاء فإنهم لن يجدوا إلا جحور أسيادهم يأوون إليها. وأما من سيحاول الوقوف أمام الزحف المبارك من أعدائنا وسيفعلون ذلك، إلا إنهم وعند مواجهة الحقيقة والحق فإنهم سيتمنون لو أن أمهاتهم لم تلدهم.
أيها اليائسون،أيها المتشائمون،أيها القانطون،أيها المحبطون لا مكان لكم بيننا،لأن هذه صفحة وطويت،ومصطلحات كفرنا بها،ومرض قد شافانا الله منه.وإننا لا نعرف غير الأمل والثقة والتفاؤل واليقين،بأن المستقبل لنا ولنا وحدنا بإذن الله تعالى.
قال البروفيسور”جب” في كتابه “وجهة الإسلام”: ( إن الحركات الإسلامية تتطورعادة بسرعة مذهلة تدعوإلى الدهشة،فهي تنفجر انفجارا مفاجئا قبل أن يتبين المراقبون من إماراتها مما يدعو إلى الإسترابة من أمرها.إن الحركات الإسلامية لا ينقصها إلا القيادة،لا ينقصها إلا صلاح الدين من جديد).
قال الشيخ يوسف القرضاوي أطال الله عمره وأبقاه شوكة في حلوق آل سعود وآل زايد وأبو مازن والسيسي،قال متفائلا وواثقا من انتصارالإسلام: (إذا كان القرن التاسع عشر قرن المسيحية،والقرن العشرون هو قرن اليهودية وقيام دولة إسرائيل وانتصارها على بضع وعشرين دولة عربية وبضع وخمسين دولة إسلامية،فإن القرن الحادي والعشرين هو قرن الإسلام).
بل إنه الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم يبشرنا ويقول:” ينزل بأمتي في آخر الزمان بلاء شديد من سلطانهم لم يسمع بلاء أشد منه،حتى تضيق عنهم الأرض الرحبة،وحتى يملأ الأرض جورا وظلما ، لا يجد المؤمن ملجأ يلتجئ إليه من الظلم،فيبعث الله عزوجل رجلا من عترتي،فيملأ الأرض قسطا وعدلا،كما ملئت ظلما وجورا،يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض،لا تدخر الأرض من بذرها شيئا إلا أخرجته،ولا السماء من قطرها شيئا إلا صبّه الله عليهم مدرارا،يعيش فيها سبع سنين أو ثمان أو تسع ، تتمنى الأحياء الأموات مما صنع الله عز وجل بأهل الأرض من خيره”.
إنه تاريخ المسلمين يقول لنا ونحن ما نزال قريبين من ذكرى بدر ومن ذكرى فتح مكة التي كانت يوم 21/رمضان،إنها الذكريات التي تنفث فينا العزم واليقين بأن الإسلام حتما سينتصر كما انتصر في عهده الأول،وعاد المهاجرون إلى مكة وعاد الذين خرجوا خفية هربا بدينهم وإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر يدخلان مكة ومعهما عشرة آلاف مقاتل وهما اللذان خرجا منها ليلا في رحلة الهجرة،فيرجعان إليها ودوي التكبير يملأ السماء،قل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا.
وها نحن نشهد فساد أمراء الخليج وملوكهم وسيرهم في ركاب الأعداء وهم يتقربون من إسرائيل،بينما يعادون أشقاءهم ويعلنون الحرب على رموز المشروع الإسلامي كالشيخ القرضاوي وعلى من رفعوا رأس الأمة فخرًا بصمودهم أمام الحصار كأهل غزة،فإننا على يقين وأمام افتضاح أمرهم إننا في المرحلة الأخيرة من مراحل الحكم الجبري والوراثي لتكون بعدها فترة الخلافة الإسلامية كما كانت على عهد النبوة وقد قال في هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم:”تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون،ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون،ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها،ثم تكون ملكًا عاضًا فيكون ما شاء الله أن يكون،ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها،ثم تكون ملكًا جبرية فتكون ما شاء الله أن تكون،ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها،ثم تكون خلافة على منهاج النبوة،ثم سكت”.
نعم إننا ومن هذا الهدي المبارك نؤمن أنه ليس رجمًا بالغيب،وإنما هو يقين من كلام الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم.
وإن ما حدث ليلة الأربعاء الأخير وعند أطراف المسجد الحرام،من إطاحة الملك سلمان بإبن أخيه محمد بن نايف وتعيين ابنه محمد بن سلمان مكانه وليًا للعهد تمهيدًا لتنصيبه ملكًا في الفترة القريبة, إن هذا الحدث ليس عاديًا وستكون له تداعيات كبيرة وسنشهد خلافات حادة ولعلها تصل الى صدامات بين القوى الأمنية والقبائل التي توالي كل طرف من الأطراف في العائلة المالكة،وإنني متفائل بإذن الله بأنه إذا كانت أطراف المسجد الحرام أي في قصرالصفا قصر آل سعود قد شهد بيعة لمحمد بن سلمان قام بها المنافقون والفاسدون،فإننا سنشهد قريبًا وعند جوار الكعبة مباشرة بيعة يقوم بها الصالحون والعلماء الأخيار لمحمد بن عبد الله المهدي خليفة لكل المسلمين.
أما اللاهثين خلف تأثير مدارس اليأس والقنوط،أما الذين رضعوا حليب الهزيمة حتى شبعوا،أما الذين أتعبتهم كروشهم وامتلأت جيوبهم ولا يريدون دفع ضريبة الكرامة،فحتما لا يسرهم ولا يسعدهم تغيير هذا الحال.
نعم إننا على أبواب مرحلة الخير والفرج والتمكين.إننا بين يدي يوم العيد،عيد الفطر العيد الصغير وفيه يغني الصغار “بكرا العيد منعيّد” ولا هو عيد الأضحى العيد الكبير،وإنما هو العيد الأكبر والحقيقي عيد انتصار الإسلام وقيام دولته،دولة الخلافة الراشدة،وعندها ستكون الفرحة الكبرى العامرة التي فيها ستمحى آثار الذل والهوان والشتات،ارتسمت على وجوه أبناء الأمة عقودا بل قرونا طوال. نحن إلى الفرج أقرب فأبشروا.
رحم الله قارئا دعا لنفسه ولي ولوالدي بالمغفرة
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون