أخبار رئيسيةأخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

غزة …. فردوس قادم وخيارات صعبة؟.

صالح لطفي.. باحث ومحلل سياسي.

هذه المقالة ليست محاججة من أجل غزة وليست مقاربة لواقعها الذي لا يخفى على احد عنده ادنى اطلاع بل هي أطروحة متواضعة أضعها بين يدي القراء الاعزاء دفعا لواقع متوهم يشي بأن الامور تجري على هوى وميل بني اسرائيل ومن يتبعهم من اليعربيين من مدنيين وبدوان محاطون بقوى دولية وأقليمية تقف لمسيرة الاسلام السياسي بالمرصاد تتنكبهم وتحول بينهم وبين ادارة شؤون الأمة، بعدما اعتور هذا التيار من اضطهاد ووهق وسوء تدبير من طرفهم بعدم فهم عميق لواقع متشيء ومهموز وإحساس أفلاطوني بقرب خلافة راشدة على منهاج النبوة والتاريخ دائما يكون محل الفحص اليقيني لتجارب سلفت تماما كما أن المخيال العقلي للسياسة والريادة والقيادة محلا للاطروحات والتنبؤات وكأن غزة على موعد لفحص الطروحات ومدى إمكانيات العمل بها أو بمقتضاياتها سيرا مع واقع منتكس ومتناقض مسلوب تبعا احيانا لارادة خارجية وتارة لنزوات رأسمال فاقد للاهلية المجتمعية والعمرانية واخرى يقارب فيه الناس عموم الناس البسطاء السير في حقول الالغام لتكون غزة لكل من يروم مستقبل أفضل لأمة أعياها الاستبداد تماما كما أعيتها الخيانات على كل انواعها المخبر القدري لفهم مستقبل قادم لا يتسنى إلا ضمن سنن ومؤهلات وعمل لا يتوقف وكأننا عما قريب [ والقرب لا يمكن فهمه ألا من منطق الأزمنة التي تعتور الحركات والتنظيمات بوصفها كيانات بشرية تمضي عليها سنن الفناء ] على موعد مع صدام بين منظومة تذوتت في غزة على ضوء سياقات ومعادلات حركية-جمعوية ، مع الحركة الصهيونية باعتبارها الكلمة الاخيرة للاستعمارين الصليبي-الرأسمالي والصليبي-الاشتراكي المُحدَثْ.

ما أرومه في هذه المقالة التأكيد على ثلاثة حقائق باتت مع مرور الوقت تترسخ يقينا في سبيل فهم السياسة والسياسات الجارية في منطقتنا وفي مقدمة هذه الحقائق أن غزة استحالت اليوم الرقم الصعب في معادلات المنطقة الراهنة والمستقبلية، وأن غزة استحالت الى معادلة تفضح الواقعين العربي الشائن والاسرائيلي المتعجرف المتعالي وهذه المعادلة تقول :كلما ازداد حصار غزة لئما وخبثا وتأمرا كلما تعمق حب هذه القصعة الجغرافية في نفوس الاحرار من كل ملة ودين وايديولوجيا وفي الوقت ذاته تمكن اهالي هذه البقعة الجغرافية من الابداع من اجل صيرورات الحياة والبقاء. اما الحقيق الثالثة فتقول ان اهل غزة اضحوا أكثر صبرا ومصابرة وثباتا من كل نظرائهم من شعوب العرب وبالطبع أكثر صبرا ووعيا وعلما من الاحتلال وجيشه وشعبه وكلما ثبت اهل غزة اكثر وصابروا ورابطوا اقتربوا من لحظة الخلاص : الخلاص من الاحتلال العربي والاحتلال الاسرائيلي ففي حين صبر اهل غزة على قصف وحصار بدأ منذ عام 2008 ولما ينتهي بعد قابله وهن وخور وسوء طالع في الجانب الاسرائيلي وهو ما يفسر لنا إحجام الاحتلال الى هذه اللحظات عن احتلال القطاع ويوم يتخذ قراراه يكون قد حسم مسألة أن يقتل في هذه الحرب الالاف من ابنائه على مذبح المصالح الدولية وهو بالنسبة للاسرائيليين عودة الى دياسبورا داخلية لن يحتملوها مجددا .

في هذه المقالة سأكون منحازا لاهل الاستضعاف من اخوتنا وأهلنا في غزة تماما كانحيازي لكل مستضعف في الارض بغض النظر عن ملته ودينه ومعتقده فالانسان السوي يميل الى العدل والمساواة وكرامة الانسان ، ومن ثم فالمستضعف من حقه الاخلاقي والسياسي والشرعي والحقوقي الذبُّ عن نفسه فردا ومجتمعا وكيانا ودولة ومؤسسة . وما دار على ارض الجنوب من هذه الارض المقدسة يؤكد للمرة المليون أن الحقوق لا تؤخذ تذللا بل تؤخذ عنوة يوم يكون الظلم والاستبداد والقهر والنفاق والتخاذل سيد الموقف ، ومرة أخرى تكشف المؤسسة الاسرائيلية ليس فقط عن ضعفها وتخاذلها بل وعن غدرها وخيانتها وهو ما يدفع دائما الانسان السوي للعودة الى المقاربات القرآنية المقدسة الثابتة القطعية الدلالة والثبوت لتكون قراءاته على هدى من غير عنت ولا غل ولا أسراف وعنصرية بل في اقراءات القرآنية الواعية تفصيل دقيق يسبر اغوار النفس والكيان والمجتمع ويؤسس لمنطق علائقي يجمع بين الواقع والتاريخ والجغرافيا متجاوزا المقولات والتحليلات الفايبرية والفوكوية في تفكيكات الخطاب لصالح منظور شامل يمنح المراقب إمكانيات التأسيس لتحليل بنيوي اعمق رشدا للظاهرة الاسرائيلية المعاصرة بتركيباتها العلمانية والدينية مع ما في ذلك من فضاءات .
غزة محطة تمحيص داخلي..

مجددا تكشف غزة عن فجور السياسة العربية والفلسطينية والدولية كما تكشف عن فجور مرتزقة السياسة والقلم وما يطلق عليه اليوم بـ ” الذباب الالكتروني ” لتتمحص الامة من طنجة الى جاكرتا فإرهاصات الميلاد القادم لا تحتمل ميلاد خداج بل تحتاج الى تهيئة لميلاد طبيعي في حاضنة طبيعية تأسست وتمحصت لهذه اللحظة. وها نحن امام هزات ورجات طالت الانسان والكيان والجماعة، وفرح المخلفون من العرب بقرب انهيار مشروع اخر معاقل دعاة الاسلام السياسي وتنادوا مصبحين أن قد أصاب القوم الفشل الذريع وتهاووا كما تتهاوى اعجاز النخل فتعالوا نقتلهم ولا نبقي منهم أحد فهم من مخلفات العصور الوسطى مادين يد العون للاحتلال الاسرائيلي بعد أن تساوت وأياه نفوسهم واخلاقهم، وما كانت هذه الابتلاءات والتمحيصات الا مقدمات لارهاصات مرحلة قادمة ليحييَّ من حيَّ عن بينة ويهلك من هلك عن بينة.

مبشرات ولكن..

على ارض الجنوب الفلسطيني تأكدت ثلاثة معادلات لطالما توجسنا خيفة من ذكرها .. معادلات توازن الرعب .. ومعادلات انتهاء الخوف والوجل .. ومعادلات الحنكة السياسية. ففي حين سطرت المقاومة بإفشالها عملية قادها من قادها من اجهزة الامن والعسكر ،مصطدما بمقاومة صلبة أجبرت ولاة أمره من العسكر والساسة على التدخل الفوري فقفل رئيسهم العودة الى البلاد فاجتمعوا ودبروا وقدروا ثم قاموا بالقصف والتهديد وجندوا وسائل إعلامهم لتهدئة روع رعاياهم فكانت انتكاسة تتلوها انتكاسة غشاها علو في الارض واستهتار بالخلق وفساد كبير وتأكدت للمرة الالف أن معادلة الرعب قد تثبتت وأن لا مناص أماهم الا أحد اثنتين اما عودة للمفاوضات متجاوزين رام الله ومطالبها وخاضعين لمطالب أهل غزة الذين ينحتون بدمائهم يوميا كرامة يتغشاها اسس المعاش والعمران وإما حرب لا تبقي ولا تذر تكون عندهم العودة الى الخلاص ” الشمشوني ” وهو ما يريدون.

خصف في الميزان..

في هذه الملحمة كشفت وسائل التواصل عن حجم الرعب النازل في المتكبرين وحجم العزة المتنزلة على المستضعفين ولكل قراء هذه المقالة أهديهم العودة لقراءة سورة الانفال وقراءة ما كتبه سيد قطب في مقدمة هذه السورة .. وكشفت العملية الاسرائيلية عن حجم الرواق السياسي المتاح المشي فيه بين طرفي المعادلة وكم هي شائكة السياسة مع من يؤمنون بحقوقهم الشرعية والوطنية والقومية والانسانية وأن لا مكان للتنازلات فليس بالوارد عند المقاومة تكرار خطأ اوسلو ولا يلدغ حكيم من جحر مرتين. وما جرى بعد حادثة استشهاد ثلة من المجاهدين وقصف لمستوطنات الجنوب ثم ما تلاه من هجوم بالطيران على مواقع مدنية كان في مقدمتها قصف قناة الاقصى وأخرى مدنية داخل غزة ثم الافلام التي بثتها المقاومة خاصة ما تعلق بالجنود في حافلة كانت تحت رصدهم وكان بإمكانهم قصفها وقتل كافة من فيها الا ارهاصات ودلالات على اننا امام مقاومة تملك حيزا هائلا من الاخلاق يقابله جيش وحكومة تملك حيزا هائلا من المكيدة والفساد واقتناص الفرص والتنصل من العهود والمواثيق وخيانتها وهذه بحد ذاته قضية كان قد تنبه لها مبكرا عدد من فلاسفة الاخلاق الاسرائيليين من ذوي الصلات العسكرية لكنّ الجيش برسم انه جيش احتلال لا يمكنه الالتزام الاخلاقي باتفاقيات عقدت مع خصم ..

يتداخل مع هذه العملية الفاشلة مصالح اسرائيل الاقليمية وأن صح ما رشح عن افتعال نتنياهو – وهو ما استبعده تماما- لهذه العملية الضخمة التي فشلت من اجل ابن سلكان كما كشفت صحف بريطانية فنحن امام فضيحة من العيار الثقيل ، اللهم الا اذا تدخلت دول اقليمية ودفعت بنتنياهو للقيام بهذه العملية الكبيرة التي لما يتضح منها شيء الا همس تتناوله شخصيات من الفم الى الاذن فإنّ إقراره مثل هذه العملية وبهذه الكيفية سقوط أخلاقي مريع سقط فيه الجنرالات والمستوى السياسي وزاد الامر ضغثا على أبالة ما آلت اليه الامور من فضح لمدى تحمل شعب الاحتلال لهذا القصف الصاروخي يقابله صبر وثبات لشعب مستضعف لا يطلب الا حياة كريمة… وهذا عين المبشرات لمن يدرك تفاعل السنن في سياق الاقدار من غير استهبال للعقل ونشوة لا قيمة لها ونحن اما خصف في الميزان تتبعه مبشرات كما يحدثنا تاريخ المستضعفين وفي مقدمات هذا التاريخ تاريخهم, بيدّ أنّ هذه المبشرات تحتاج الى من ينميها كمن ينمي فلوه وهذا هو دور الشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده فما عاد كافيا الدعاء في أدبار الصلوات وما أهمه وما عاد الدعاء كافيا في الاسحار والقنوت بل لا بدَّ من خطوات مادية ترفع الحصار وللأبد عن اهالي غزة وهذا يتداخل فيه العقل السياسي ومنطق المصالح بكل معانيه الضيقة والواسعة في سياق استراتيجي.

غزة رقم صعب..

ظن الاحتلال أن بوسعه القيام بما شاء وقت ما يشاء وكيفما يشاء في القطاع دون رد فعل من طرف المقاومة بناء على قراءاته السياسية والاستراتيجية لوضعية القطاع والقضية الفلسطينية برمتها فكانت العملية الفاشلة مطلع هذا الاسبوع وتفاجىء الاحتلال كما يزعم قادته ليس برد الفعل بل حجمه وبتكتيكاته العسكرية التي جعلت الاحتلال بين خيارات صعبة كلها مر كاشفة الغطاء عن أهم عنصر في كل حرب مستقبلية ستجري بين الاحتلال ومحيطه العربي، تلكم هي جبهته الداخلية.

جاءت استقالة وزير الدفاع كدلالة اولية على حجم الهزة الارضية التي احدثتها هذه المواجهة، وجاءت تصريحات جالاند وزير الاسكان لتكشف عن الابعاد المستقبلية لكيفية مواجهة المقاومة. هذه المواجهة حددت وبشكل قاطع سبل المرحلة القادمة فتماما كما قال الوزير الاسرائيلي السابق مائير شطريت اسرائيل مع غزة امام خيارين لا ثالث لهما اما مفاوضات مباشرة مع حماس تفي الى تهدئة طويلة الأمد يلتزم بها الطرفان واما حرب شاملة وهو ما لا تريده اسرائيل ونخبتها الامنية-العسكرية ويكفي هنا الاشارة الى ان فشل هذه العملية ايضا يصب في خيارات الحل السياسي أضافة الى التصريحات شبه اليومية من المستوى السياسي وغير السياسي الاسرائيلي أنّ اسرائيل ليست معنية بالعودة لاحتلال القطاع وأنَّ مصر لا تريد العودة لحكم مصر وأن حكومة رام الله تريد العودة وفقا لشروطها وهو ما لا يمكن للمقاومة القبول به خاصة وأن كافة الاجراءات العقابية التي قامت بها حكومة عباس اتجاه المواطنين المدنيين في القطاع كأداة ضغط على المقاومة باءت بالفشل.

في السياسات الاسرائيلية ثابت واحد أخاله لا يتغير الا ضمن معادلات اقليمية دولية تضمن مصلحة استراتيجية كبيرة جدا لإسرائيل ذلكم هو التدخل العسكري او الامني المفضي للمخاطرة بأرواح أبنائهم ، ولن تقبل أي حكومة اسرائيلية احتلال القطاع وتسليمه على طبق من ذهب لعباس ومجموعته في رام الله الا اذا كانت المصالح اكبر بكثير من مجرد الاحتلال والتضحية بمئات ان لم يكن الالاف من جنده ورجاله ولذلك فالكرة اليوم بعد احداث هذا الاسبوع في الملعب الاسرائيلي وبيدها اوراق فتح حرب قادمة او البقاء على ما هو عليه في جعل المدنيين في الجنوب من كلا الطرفين رهينة للمواجهات.

الساسة والاخلاق النفعية ..
لا يضير ليبرمان وكثير من السياسيين ان يتعرض اكثر من مليون اسرائيلي لصواريخ المقاومة التي كشفت عن بعضها المواجهات الاخيرة وكشفت عن حجم الأضرار التي يمكن للمقاومة أحداثها في العمق الاسرائيلي خاصة فيما يتعلق بالجبهة الداخلية ، وما سيلحقه من اضرار هائلة لها تداعياتها القسوى على مجرى كل حرب راهنا ومستقبلا، وما سيترتب عليه من تداعيات في الداخل الاسرائيلي .كما كشفت عن النفعية في اخلاق ساسة هذه البلاد الذين هم على استعداد للمتاجرة بدماء ابنائهم من اجل مناصب وكراسي وهو مرض مستفحل في كافة النخب الرأسمالية الليبرالية لطاما عالجه علماء الاخلاق في تعاطيهم مع الفلسفة الرأسمالية ومقابل ذلك أبدت المقاومة حسا أخلاقيا عاليا بعدئذ كشفت في اشرطتها عن حجم امكانيات أن تحدث قتلا في الجنود-وليس المدنيين- وهي في ذلك تكشف عن بعض من الاخلاق العالية لهذه المقاومة.

الخيارات الصعبة ..

يذهب المفكر البروسي كارل فون كلاوزفيتز في كتابه عن الحرب أنها “عمليات مستمرة من العلاقات السياسية، ولكنها تقوم على وسائل مختلفة فالحرب هي نزاع مسلح بين كيانات غير منسجمة هدفها الاساس إعادة تنظيم الجغرافية السياسية لصالح احد الطرفين وفي حالتنا هذه فنحن امام حالة أشد تعقيدا تنشد حلا يتواطئ بالمطلق مع مصالح الاحتلال ولذلك فالخيارات المتاحة اليوم هي بين حرب شاملة تعيد الاحتلال مجددا ستفضي الى دمار هائل عند كلا الطرفين وسيترتب عليه تداعيات محلية واقليمية ودولية ليس اقلها انتفاضات للفلسطينيين في كافة أماكن تواجدهم ستخلط الحابل بالنابل أو العودة الى سياسات الاغتيالات وعمليات كتلك التي فشلت وستكون ردود الافعال بحجم النتائج التي جباها الاحتلال وقد بات واضحا ان الجبهة الداخلية ليست على مقدرة من ان تتحمل حرب استنزاف مباشرة لمدد قصيرة فكيف اذا طال امد حرب لشهر او أكثر أو العودة الى طاولة المفاوضات عبر وسطاء دوليين كما هو جار هذه اللحظات وتكشف المفاوضات الجارية حجم التداخلات الدولية والاقليمية وما في مساراته من مصالح متداخلة تتواطئ حينا وتتنافر احيانا أو المفاوضات المباشرة دون لف ودوران من الطرفين متجاوزين رام الله مع ما في ذلك من تداعيات ” سياسية” محلية وأقليمية .

في ظل ما حدث أم المقاومة وحكومة رام الله فرصة تاريخية ونافذة فتحت مجددا ليتواصل ويكمل العمل السياسي المقاومة لوضع حل حاسم وإن مرحلي لعذابات الشعب الفلسطيني وإلا فليس للمقاومة الا نفسها وحاضنتها وعبقريتها في اجتراح الحلول لاهل غزة حاضرا ومستقبلا لتكون فردوسا قادما يرنوه المستضعفون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى