أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

اسطنبول، الرياض، واشنطن، تل أبيب تأشيرة حج “آوت” تأشيرة تطبيع “إنْ”

حامد اغبارية

قبل بضعة أشهر نشرت صحيفة “تايمز أوف يزرائيل” الصادرة بالإنجليزية خبرا عن أن الإسرائيليين قد يتمكنون من زيارة أماكن أثرية كانت تابعة ليهود الجزيرة العربية في السعودية. وبحسب ما نشرته الصحيفة فإن هناك خمسة مواقع أثرية يسعى الإسرائيليون إلى الوصول إليها، وهي وادي خيبر، والذي يعد من أخصب الأماكن غربي السعودية، وهو الآن مدينة عامرة بالسكان، بسبب وقوعها على طريق رئيس إلى البحر الأحمر، وكانت قديما محطة منتظمة على طول طريق التجارة من اليمن إلى بلاد الشام والعكس. وقلعة خيبر، التي فتحها النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وقصر رئيس قبيلة يهود خيبر. وتيماء، والتي كانت مدينة محصنة لليهود، والتابعة الآن لمنطقة تبوك في المملكة، وبئر هداج، في تيماء، وكانت ملكا لأحد أثرياء اليهود.

هذا الحديث، في الحقيقة، ليس وليد اليوم، بل هو حلم يراود الحركة الصهيونية منذ نشأتها، وهو يقع ضمن الحلم الأكبر، الذي يتحدث عن بناء الهيكل وإنشاء مملكة إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات. وقد تردد هذا الحلم منذ إنشاء الكيان الإسرائيلي عام 1948، وجاء على ألسنة الكثرين من القادة السياسيين والعسكريين والدينيين اليهود، خاصة منذ سبعينات القرن الماضي، بطريقة مباشرة تارة، وغير مباشرة تارة أخرى.

فهل هذا يفسّر سر فرحة بنيامين نتنياهو التي يعيشها في الأيام الأخيرة، عقب سقوط الأقنعة عن أنظمة العار في الخليج، وفضيحة التطبيع مع عُمان والإمارات وقطر؟ هل فيه تفسير لدفاع تل أبيب المستميت عن محمد بن سلمان، على خلفية اغتيال الصحافي السعودي شهيد الكلمة جمال خاشقجي؟ هل اقتربت اللحظة التي سيتحقق فيها حلم المشروع الصهيوني في الثأر لخيبر، واستعادة أمجاد اليهود في جزيرة العرب؟

وهل لهذه التحركات المفضوحة علاقة بقرار السعودية الأخير القاضي بمنع الفلسطينيين من الداخل الفلسطيني من أداء الحج والعمرة إلا بجواز سفر أدرني؟ هل هي خطة ضمن صفقة القرن كي يبدأ مسلمو الداخل حجهم من مطار بن غوريون وبجواز سفر إسرائيلي؟ هل نجحت تل أبيب في وضع قدمها على عتبات الحرمين؟

لنقرأ جيدا تصريحات القادة الأتراك، حول قضية جمال خاشقجي حتى نفهم ما يدور وراء الكواليس.  فقد صرح نعمان كورتلموش، نائب رئيس حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا يوم السبت الماضي أن المسلمين سيشعرون بالقلق من التعرض لنفس مصير جمال خاشقجي خلال الحج والعمرة، وعندها لن تبقى صفة “خادم الحرمين”، ولن تؤدَّى الشعائر بطمأنينة. ويستوقفك هنا التركيز على صفة “خادم الحرمين”، التي يحملها ملوك آل سعود، وينسبونها لأنفسهم منذ عقود، لأن التصريح ليس مسألة عابرة، وهو وإن كانت له عرقة مباشرة بقضية خاشقجي، إلا أن له أبعادا أكبر من قضية خاشقجي، أبعادا لها علاقة بالتحركات الجارية في المنطقة منذ اعتلى ترامب سدة الحكم في بلاد الغرب المتوحش، ولكن أيضا له أبعاد تاريخية، عمرها يقارب مئة عام، يوم كانت اسطنبول (عاصمة العالم) هي الراعية للحرمين الشريفين، تحت راية الخلافة الإسلامية العثمانية. وعندما يتحدث الأتراك عن هذه القضية، فإن ذلك له معنى ذو بعد تاريخي، حول من هي الجهة أو الجهات التي لها الحق الشرعي والحقيقي في حمل صفة “خادم الحرمين”، خاصة وأن صفحات التاريخ سجلت أن آل سعود اختطفوا جزيرة العرب بقوة السلاح الإنجليزي، وتآمروا – وغيرهم من العرب-مع البريطانيين على إسقاط الخلافة مقابل مُلك وهمي، فأصبحوا هم رعاة الحرمين الشريفين، في أسوأ مرحلة تاريخية عاشتها الأمة الإسلامية.

ولعل الإعلام يُكثر الحديث عن تسييس حظيرة آل سعود للحج والعمرة في الفترة الأخيرة، إلا أن تسييس الحج بدأ من اللحظة الأولى التي اختطفت فيه قبيلة سعود الحكم في الجزيرة العربية، فقد حرمت مصر – على سبيل المثال لا الحصر-من كسوة الكعبة-بعد أن كانت قد ورثتها عن الخلافة العثمانية لسنوات طويلة، وها هي اليوم تمنع شخصيات بعينها، أمثال الدكتور يوسف القرضاوي وجميع أعضاء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وأمثال الدكتور طارق سويدان، وقادة الإخوان المسلمين، وجهات معينة في سوريا، وفي اليمن وفي قطر. وها هي اليوم تقرر حرمان فلسطينيي الداخل من الحج والعمرة إلا بجواز سفر أردني، وهو ما لم يكن في السابق، فما معنى هذا؟ وما الهدف الحقيقي من ورائه؟

إنهم يدركون أن الفلسطيني لن يسعى إلى الحصول على جواز سفر أردني، وأن الأردن لن تسمح بهذا أساسا، لأن الفلسطينيين ليسوا من مواطنيها، ولا من المقيمين فيها. فهل هذا أيضا جزء من صفقة القرن، التي ستمنح تل أبيب في مرحلة ما خطا مباشرا مع السعودية، وعندها سيكون في إمكان الفلسطيني من الداخل أن يؤدي مناسك الحج والعمرة، ولكن بجواز سفر إسرائيلي، ومباشرة من مطار بن غوريون، أو عبر سكة الحديد التي تسعى تل أبيب إلى ربطها بجزيرة العرب والأردن ومصر؟؟؟! وهل هستيريا التطبيع التي بدأت تظهر للعلن في مسقط ودبي والدوحة، هي مقدمة للضربة الكبرى التي يسعى المشروع الصهيوني لتوجيهها ضممن صفقة القرن للمسلمين، من خلال الوصول إلى بوابات الرياض، كمقدمة للوصول إلى الحرمين الشريفين؟! أيمكن لهذا أن يحدث؟

وهل ستسكت تركيا عن هذا؟ أدعوك لتقرأ تصريح نائب رئيس حزب الحرية والعدالة حول لقب (خادم الحرمين) مرة أخرى، وفي سياقه الصحيح. فتركيا لها أهداف استراتيجية كبرى، ومن هذه الأهداف، فيما يبدو لي،  استعادة ما اختطفه الاستعمار من الخلافة العثمانية وسلموه لآل سعود في الحرمين الشريفين، وهو حق تاريخي لتركيا، ليس لأنه ملك للأتراك، بالمفهوم القومي، وإنما لأنه حق للخلافة، ومن ثم هو حق لدولة الإسلام الواحدة، التي كان آخر من حكمها آل عثمان، والتي تستطيع أن تفهم من سياسات أردوغان وحزبه الحاكم اليوم حرصهم على إعادتها إلى الحياة بصورة من الصور، وهي فقط – فيما يبدو لي – في انتظار عام 2023 الذي ستسقط فيه الأغلال التي قيدت تركيا مائة عام، باتفاقية لوزان الثانية التي وقعها كمال أتاتورك مع الغرب المستعمر عام 1923. عندها سينطلق قطار تركيا الجديدة، في سباق مع الزمن، وسباق مع مصيدة سكة الحديد التي يحفرها المشروع الصهيوني تحت أقدام العالم الإسلامي. وهذا تماما ما لا تريد واشنطن وتل أبيب والرياض والقاهرة ومسقط وأبو ظبي وعمّان وبغداد و(طهران) أن يتحقق.

ولنعد قليلا إلى قضية جمال خاشقجي، لأن لتبعاتها علاقة بالموضوع. فقد بات واضحا أن هناك محور شر خطيرا يلعب دورا قذرا لتحقيق أهداف خفية. وهذا المحور يضم واشنطن والسعودية وتل أبيب والقاهرة ودبي، يقابله محور آخر تقوده تركيا وحيدة، أو ربما يقف خلفها من بعيد عدد من الدول الإسلامية غير العربية مثل ماليزيا، ويسندها تيارات الصحوة الإسلامية، وعلى رأسها الإخوان المسلمون. وقد كشفت قضية جمال خاشقجي ذاك المحور الخبيث، من خلال استماتة واشنطن وتل أبيب في تثبيت حكم آل سعود، والحيلولة دون سقوطه مهما كان الثمن، لأن سقوط حكم حظيرة آل سعود ستكون له آثار خطيرة على كل المشاريع التي تنسِج خيوطَها حول مقدرات الأمة الإسلامية، وعلى رأسها المشروع الصهيوني بأبعاده وتداعياته التوراتية. ومن هنا تستطيع أن تفهم المغزى الحقيقي لزيارة قادة الكنيسة الإنجيلية الأمريكية إلى محمد بن سلمان أواخر الشهر الماضي، في وقت يكاد العالم كله أن يجتمع ضد هذا المجرم الذي يقف خلف اغتيال خاشقجي. فما الهدف من الزيارة إن لم يكن السعي إلى تثبيت حكم ابن سلمان وحكم أبيه، من خلال مظلة حماية أمريكية إسرائيلية؟ وهل هذا يفسر تصريح ترامب قبل أسابيع قليلة من أنه لولا حماية أمريكا لحكم سلمان بن عبد العزيز لانتهت خلال أسبوعين، ولذلك عليهم أن يدفعوا الأموال مقابل هذا؟ وهل المسألة متوقفة فقط عند دفع الأموال الطائلة؟ أم أن هناك ثمنا سياسيا على صورة علاقات دبلوماسية أو نوع ما من علاقات التطبيع بين الرياض وتل أبيب؟

ولماذا يعود الأمير أحمد بن عبد العزيز فجأة إلى الرياض، وهو الذي كان هاربا من ظلم أخيه الملك سلمان، وكان معروفا بمعارضته لسياسات ابن أخيه، وكذلك معارضته لتسمية محمد بن سلمان وليا للعهد، في حركة سياسية غير مسبوقة في تاريخ آل سعود؟

إن الذي أمر بعودة الأمير أحمد (المغضوب عليه من أخيه ومن ابن أخيه) هي واشنطن، بهدف تثبيت حكم آل سعود، حتى لو كان هذا التثبيت، ثمنه تسمية الأمير أحمد، في مرحلة قادمة، وليا للعهد، أو ربما تحدث حركة أكبر من هذا، بأن يتنازل سلمان عن الحكم لشقيقه (لأسباب صحية)، ثم يعمد أحمد بن عبد العزيز إلى التخلص من فضيحة ابن أخيه محمد بن سلمان، بإعفائه من ولاية العهد، وهكذا يتخلص سلمان من كونه هو الذي أعفى ابنه من ولاية العهد. أيمكن أن يحدث سيناريو كهذا؟ كل شيء ممكن في الزمن الأمريكي الإسرائيلي، لأن المهم هو بقاء أسرة آل سعود في الحكم. إذ طالما أنهم يحكمون، فإن المخطط الأمريكي الإسرائيلي سيواصل نسج خيوطه حول ديار الإسلام، وإلا فإن الموازين كلها ستنقلب بزوال حكم آل سعود، وعندها سينفرط العقد، ولن تسعف واشنطن وتل أبيب قوتهما العسكرية التقليدية وغير التقليدية.

فلتفرح تل أبيب قليلا “بإنجازات” التطبيع مع أنظمة العار، ولتضحك من “النيع إلى النيع” بعض الوقت، فإن فرحتها لن تطول، حتى لو وصلت إلى بوابات الرياض. أما حلم دخول الحرمين فهذا ما لن يحدث، وما لن يستطيع المشروع الصهيوني تحقيقه، لأنه قدرٌ من الله.

نحن إذًا على أعتاب مرحلة تاريخية مفصلية حاسمة، تنقلب فيها الموازين، وتتغير فيها قوى وولاءات، وتنتظم محاور جديدة، وربما تكون هذه هي مرحلةُ ما قبل “المرحلة” بأل التعريف. وهي المرحلة التي تحسم فيها كل الملفات.

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى