أخبار رئيسيةأخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

العملة النادرة

الشيخ كمال خطيب

قالها الاستاذ خالد أبو شادي “بارك الله فيمن جمع ولم يفرّق، واختلف ولم يخوّن، والتمس العذر لغيره قبل أنّ يتهمه، ويتبين الحقيقي قبل أن يحكم. إنها عملة نادرة في هذه الأجواء”.

إن الله سبحانه قد أمر المسلمين بالوحدة فقال {واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا} آية 103 سورة آل عمران.

وإن الله سبحانه قد خلقنا مختلفين {ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم} آية 118-119 سورة هود.

وإنه سبحانه قد جعل لكل منا خصائص ومزايا وميّز بعضنا على بعض في الفهم والعقل وغير ذلك.

وإنهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أوصونا بالتماس العذر لبعضنا البعض كما قال جعفر بن محمد: “إذا بلغك عن أخيك الشيء تنكره، فالتمس له عذرًا واحدًا إلى سبعين عذر، فإن أصبته وإلّا فقل لعلّ له عذرّا لا أعرفه”، إنهم أمرونا وأوصونا بالتماس العذر قبل الاتهام.

وإنه الله جل جلاله قد أمرنا نحن المسلمين بأن نتبين حقيقة الشيء إذا سمعناه عن غيرنا، ولا نحكم من غير تثبت ولا دليل، قال سبحانه {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قومًا بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين} آية 6 سورة الحجرات.

ولأننا مسلمون والحمد لله ويجب أن نتخلق بأخلاق الإسلام التي نصّ الله عليها في كتابه لنا عليها ورسوله صلى الله عليه في كتابه، ودلنا عليها رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته الشريفة، وسلك مسلكها الصحابة والتابعون . إننا إن لم نفعل ذلك فإننا نكون كمن لا يعرف من الإسلام إلا اسمه ولا من القرآن إلا رسمه، ولا علاقة تربطنا برسوله صلى الله عليه وسلم إلا ظاهر الانتماء وليس حقيقته.

لكن الصادقين وإن كانوا قلة والمخلصين دائمًا، هم الذين يظلّون على عهد السير الصادق لأوامر الله سبحانه وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم في كل زمان ومكان، فبارك الله بمن كان مفتاحًا للخير مغلاقًا للشر، وبارك الله فيمن جمع ولم يفرّق، واختلف ولم يخوّن والتمس العذر لأخيه قبل أن يتهمه ويتبيّن الحقيقة قبل أن يحكم عمّا سمعه من فلان وفلان، فيظلم نفسه ويظلم غيره ويندم ولكن عندما لا ينفع الندم. قال عمر بن الخطاب رضي الله: “لا تظن بكلمة صدرت من أخيك شرًا وأنت تجد لها في الخير محملاً”.

إننا في زمن أصبح فيه من يجمع ولا يفرق، ومن يختلف مع غيره دون أن يخوّنهم. ومن يلتمس العذر لأخيه إلى درجة أنه إن لم يجد لأخيه عذرًا فإنه يتهم نفسه، ومن يتبين الحقيقة قبل إصدار الأحكام. إن هؤلاء عملة نادرة فكن أنت الأغلى والأثمن من بينها.

 

# هل حقًا هم رجال ونحن رجال

ليست العصمة في البشر إلّا للأنبياء عليهم الصلاة والسلام، أما نحن فإننا نخطئ ونصيب، ونحسن ونسيء. ولأننا كذلك ولأن الله سبحانه قد خلقنا وجعلنا مختلفين {ولا يزالون مختلفين} آية 118 سورة هود، إلا أن طبيعة هذا الاختلاف بحد ذاتها مختلفة بين جيل وجيل وبين زمان وزمان، بل وبين شخص آخر.

لقد اختلف الصحابة الكرام رضي الله عنهم في فهم معاني الحلال والحرام بينهم، وتباينت فيها آراؤهم في بعض القضايا، إلا أن هذا الخلاف لم يصل إلى حد وإلى درجة أن تختلف القلوب. نعم الاختلاف في الحلال والحرام يعني الاختلاف بين طاعة الله ومعصيته، وبين ما يدخل الجنة ويدخل النار، ومع ذلك فقد ظلّوا أخوة ولم تتنافر قلوبهم، بينما نحن وفي زماننا فإننا أصبحنا نختلف في قضايا سياسية وفي أمور اجتهادية قابلة لأن تفسر بأكثر من تفسير، وهي كذلك ليست من العقيدة ولا هي من الأصول، وإذا بها تكون سببًا في عداء وكراهية وبغضاء وتشاحن فيما بيننا أفرادًا ومجموعات.

لقد ضاقت صدورنا ببعضنا وأصبح مجرد الاختلاف في موقف سياسي أو قضية اجتماعية يتحول وينقلب إلى بداية قطيعة وينتهي إلى عداء متصل. ولم يكن هذا حال الصحابة رضوان الله عليهم، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمّا رجع من الأحزاب “لا يصلّين أحد العصر إلا في بني قريظة، فأدرك بعضهم العصر. فقال البعض: لا نصلي حتى نأتيها، وقال بعضهم: بل نصلي ولم يرد منا ذلك. فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فلم يُعنف واحدًا منهم”.

نعم لقد اختلفوا هل يصلّون العصر عند حلول الوقت أم يؤخرونها إلى حين الوصول إلى مكان قبيلة بني قريظة وفق ظاهر القول. فصلّى البعض بينما لم يصل البعض الآخر وفق فهمهم لمقصد رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي فهمه البعض أنه الحث على الخروج إلى بني قريظة وليس تأخير وقت الصلاة، لكن خلافهم هذا أبقاههم أخوة، بل إن المربي صلى الله عليه وسلم قد أقرّ كلا الفهمين ولم يعنّف من أخذ برأي يخالف الرأي الآخر.

لقد اختلفوا رضي الله عنهم ولكنهم لم يتحولوا إلى أعداء، فما بالنا في زمان أصبحنا نعادي بعضنا البعض على أي خلاف، وتدب بيننا مظاهر البغضاء والشحناء على أمور تافهة. أم أننا أصبحنا أفضل من جيل الصحابة أو أكثر منهم علمًا واقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، ولعلّ البعض يصل به الأمر أن يقول “هم رجال ونحن رجال” فهل حقًا هم رجال ونحن رجال؟؟!!.

# لنختلف ولكن لنبقى أخوة

قال يونس الصفدي العالم الجليل: “ما رأيت أعقل من الشافعي، فقد ناظرني يومًا في مسألة ثم افترقنا. ولقيني يومًا فأخذ بيدي وقال: يا أبا موسى ألا يستقيم أن نختلف ونبقى إخوانًا”.

إن من الناس من يتعامل مع الآخرين وفق نظرية إما الأسود وإما الأبيض. إنه لا مكان عنده للمنطقة الرمادية من خلالها يبقى على إمكانية العودة للتلاقي، فإنه إذا اختلف مع أخيه أو جاره أو ابن بلده فإنه يحرق كل الأوراق ويحرق كل المراكب ويقطع كل حبال الوصل. إنه لا يؤمن بنظرية من قال: “رأيي صواب ولكنه يحتمل الخطأ، ورأي غيري وإن كان خطأً إلا أنه يحتمل الصواب” نعم إنها المساحة الرمادية.

إنه منطق الأسود والأبيض أو منطق الباطل والحق. فأنا الأبيض وأنا الحق، وغيري هو الأسود وهو الباطل. إنها لا تعني إلّا العصمة ولا تعني إلا الملائكية، وهذا ظلم الإنسان لنفسه قبل ظلمه لغيره.

إننا في زمان إذا اختلفنا فيه في قضية فرعية تافهة بل لعلها تكون شركًا وفخًا نصبه لنا الظالمون لنقع به، وإذا بنا نلبس النظارة السوداء فنصبح لا نرى الحق إلّا في جانبنا، ولا نرى الباطل إلّا في غيرنا مع أننا لو خلعنا النظارة السوداء فإنه سيكون بإمكاننا أن نرى الحق والصواب في جانب غيرنا، بل وسنرى الباطل فيمن نحب من أهل الحق.

إن خلافاتنا تصل إلى حد أننا لا نريد أن ننتصر في حلبة هذا الاختلاف بتسجيل النقاط على بعضنا، وإنما نريد أن ننتصر بالضربة القاضية نوجهها إلى من اختلف معنا، وهو الظلم بل الجهل بعينه. قال الشاعر:

يا قومنا لا تهتكوا الأستارا    لا تشعلوا بين القلوب النارا

لا تفتحوا باب الخلاف فإنني    أخشى على البنيان أن ينهارا

قد نختلف أفرادًا وقد نختلف مجموعات، وقد نختلف أحزابًا وقد نختلف عائلات، وكلها خلافات في فروع الفروع، بل وكلها خلافات على أمور الدنيا التافهة. لكن ألا يجدر بنا، ألا يستقيم، ألا يصح أن نكون كالإمام الشافعي “أن نختلف ونبقى إخوانا”.

# هل نحن أقارب أم عقارب

قال جعفر بن محمد: “صحبة عشرين يومًا قرابة”. يقصد بذلك أن شخصين لا تربط بينهما وشائج الدم والقربى والرحم، إلا أن الأقدار والظروف جمعت بينهما في صحبة سفر أو عمل أو صحبة تعليم أو صحبة سجن أو صحبة مرض في المستشفى أو غير ذلك، وإذا بالعلاقة بينهما تتوطد وتتمتن وتتوثق، حتى كأنهما أخَوان بل وتمتد العلاقة وتتعمق بين أسرة وعائلة كل منهما، الزوجة مع الزوجة والأبناء مع الأبناء والبنات مع البنات حتى كأنهم أقارب وأرحام، ولم يكن سبب هذا إلا صحبة الأبوين.

إنها صحبة عشرين يومًا تصبح قرابة وفق قول جعفر بن محمد فكيف بجيرة عشرات ومئات السنين، وكيف بنسب ومصاهرة ودماء تجري في عروق هذا وذاك، بل وكيف بقرابة حقيقية نراها تتهتك وتتمزق من أجل حطام الدنيا الزائف الزائل.  كيف لصحبة عشرين يومًا أن تصبح قرابة، بينما نحن الذين نقطع حبال الرحم والقربى من بيننا {فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم} آية 22 سورة محمد.

كيف لصحبة عشرين يومًا أن تصبح قرابة، بينما لعشرين سنة بل مائتي سنة نشرب من نفس الماء ونتنفس من نفس الهواء ونتعلم في نفس المدرسة ونأكل من نفس خير الأرض وندفن فيها، وإذا بها تبقينا خصومًا متفرقين؟! فهل نحن فعلاً أقارب نرحم بعضنا، أم أننا عقارب نلدغ بعضنا.

 

# لعنة الانتخابات

نعم إنها لعنة وليست نعمة، نعم إنها شرٌ وكنا نظنها خيرًا، نعم إنها التي في لحظة سريعة تحولنا من جيران إلى أعداء ومن ملائكة إلى شياطين، ومن متحابين إلى متباغضين ومتشاحنين حيث في ليلة السبت الأسود الأخير اجتاحت قرانا ومدننا موجة عنف في عشرة مواقع من مدينة رهط وعرعرة جنوبًا وحتى قريتي نحف ومجد الكروم شمالاً.

من قال إن الدكتاتورية هي في نظام السيسي وبشار. من قال إن بشار فقط هو القائل “يا الأسد يا منحرق البلد”. نعم إن منا ومن بيننا من يقول “احنا البلد”، “يا نحن يا هم”، “يا أنا يا أنت”.

لماذا لا يكون من بيننا من يقول “أنا وأنت”، “كلنا في سفينة واحدة من أحدث فيها خرقًا فإننا سنغرق كلنا وإذا نجت فإننا ننجو جميعًا”.

{ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلًا للذين آمنوا ربنا إنك أنت رؤوف الرحيم} آية 10 سورة الحشر.

رحم الله قارئًا دعا لنفسه ولي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة

والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى