أخبار رئيسيةأخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةشؤون إسرائيلية

وثائق: إسرائيل نظمت بشكل منهجي اقتصاد المستوطنات

تطرقت وثائق إسرائيلية مصنفة في أرشيف الدولة كوثائق “محفوظة”، وبقيت سرية لسنوات طويلة، شبكة أمان اقتصادي وفرتها الحكومة الإسرائيلية لصالح جهات تجارية واستيطانية بدأت بالعمل في المناطق المحتلة عام 1967. وسُميت شبكة الأمان هذه “كفالة سياسية”، أو “تأمين سياسي”، وغايتها تأمين المستثمرين في الأراضي المحتلة من احتمال خسارة هذه الاستثمارات نتيجة لانسحاب المؤسسة الإسرائيلية من هذه المناطق أو تغير سياسة الحكم العسكري أو مقاطعة اقتصادية. وبعد توسيع استخدام هذه الأداة، جرى تأسيس شركة تأمين حكومية غايتها بيع بوليصات تأمين ضد “مخاطر سياسية”. وتؤكد الوثائق على أن سلطات الاحتلال نظمت اقتصاد المستوطنات بشكل منهجي.

وتدل هذه الوثائق، التي جرى كشفها مؤخرا بعد مطالبة معهد “عكيفوت” الذي يعمل في مجال كشف الوثائق السرية في الأرشيفات الإسرائيلية والمتعلقة بالأراضي المحتلة عام 1967، على أنه بعد اتساع النشاط الاقتصادي الإسرائيلي في الأراضي المحتلة وزيادة حجم الضمانات السياسية الممنوحة، أقيمت شركة تأمين خاصة لهذه الغاية باسم “يناي”، في مطلع سبعينيات القرن الماضي، بتمويل وإدارة الحكومة.

وفي بداية عملها، عملت “يناي” على تأمين استثمارات فقط، وفي مرحلة لاحقة بدأ بإصدار بوليصات تأمين لقروض أعطيت لغرض تطوير انتقال مصالح من داخل “الخط الأخضر” إلى عشرات المستوطنات في الأراضي المحتلة. وأصدرت الشركة مئات البوليصات، ووصل مبلغها إلى مئات ملايين الليرات الإسرائيلية. وشملت بوليصات التأمين هذه مشاريع متنوعة، بينها بنيى تحتية للطاقة ومصالح صناعية وزراعية، إلى جانب تأمين قروض لمشاريع عديدة في المستوطنة.

وبحسب التقارير المالية للشركة، فإن الحكومة الإسرائيلية تعهدت في الاتفاق الذي أبرمته مع “يناي” بأن تدفع للأخيرة أي مبلغ يتعين عليها دفعه بموجب التعويض الذي تنص عليه بوليصات التأمين.

بداية الكفالة السياسية في الأراضي المحتلة

تكشف الوثائق سلسلة محاضر لاجتماعات “لجنة المدراء العامين”، التي تشكلت بعد انتهاء حرب حزيران/يونيو 1967 مباشرة من أجل إدارة الشؤون المدنية في الأراضي المحتلة. ووفقا لإحدى الوثائق، فإنه خلال مداولات “لجنة المدراء العامين” للوزارات الإسرائيلية، في يوم 10 تموز/يوليو 1967، أي بعد شهر واحد من انتهاء الحرب، قيل إن البنوك الإسرائيلية تطالب الحكومة بكفالة سياسية وتجارية كاملة لكافة أنشطتها في الأراضي المحتلة. وقررت اللجنة المصادقة مبدئيا على “إعطاء كفالة كاملة ضد مخاطر سياسية وإعطاء كفالة جزئية ضد مخاطر جزئية”. وجرى نقل توصية اللجنة كتعليمات إلى وزارة المالية.

وأشارت وثيقة أخرى إلى أنه بعد شهر من دخول المستوطنين الأوائل إلى هضبة الجولان المحتلة، في 14 آب، أغسطس 1967، صادقة اللجنة الوزارية للشؤون الاقتصادية على إعطاء “تأمين ضد مخاطر سياسية للإسرائيليين الذين يزرعون أراض في هضبة الجولان”.

وأضافت وثيقة ثالثة أن الكفالة الحكومية ضد مخاطر سياسية استخدمت أيضا في إطار محاولات الحكم العسكري السيطرة على مصالح تجارية وتشغيلها. وفي هذا السياق، قررت “لجنة المدراء العامين”، في 6 تشرين الثاني/نوفمبر 1967، أنه في حال تأجير فندق كاليا، الذي استولى عليه الاحتلال، لشركة إسرائيلية، فإنها ستحصل على كفالة ضد مخاطر سياسية. كذلك فإنه في 25 كانون الأول/ديسمبر 1967، قررت اللجنة تسليم شركة إسرائيلية مصنع زيوت في مدينة العريش في قطاع غزة، معتبرة أنه ملك متروك، وقررت أن “الوصيّ على الملك المتروك مسؤول تجاه الشركة ضد مخاطر سياسية”.

وبحسب وثيقة رابعة، فإن اتساع استخدام الكفالة السياسية في الأراضي المحتلة دفع الحكومة إلى “تنظيم هذا المجال”. وأوضح المحاسب العام لوزارة المالية أن كفالة سياسية في الأراضي المحتلة مشروطة بمصادقة لجنة المالية التابعة للكنيست، وأن بإمكان “لجنة المدراء العامين” المصادقة على كفالات كهذه بمبلغ لا يزيد عن 10 ملايين ليرة إسرائيلية. وأفادت وثيقة خامسة بأنه تم إدخال التأمين السياسي إلى قائمة التسهيلات التي تمنح لمن ينشئون مصانع في الأراضي المحتلة.

وقررت “لجنة المدراء العامين”، حسب وثيقة سادسة، إعطاء الكفالة في حال “حدوث تغيير في الوضع السياسي للمنطقة (المحتلة)”، أو “تغيير في سياسة الحكم (العسكري) بحيث تمنع إمكانية القيام بنشاط تجاري سليم”، وفي أعقاب حدوث أضرار نابعة من مقاومة فلسطينية، مثل المقاطعة. ويتبين من وثقة سابعة أن اللجنة الوزارية لشؤون الأراضي المحتلة، في حزيران/يونيو العام 1969، أن “استثمارات إسرائيلية في المناطق ستحصل أيضا على كفالة سياسية بنسبة 100%”.

تأسيس شركة “يناي”

ذكرت وثيقة ثامنة، بعد مرور سنتين ونيّف على الاحتلال، أن “لجنة المدراء العامين” صادقت، في 3 تموز/يوليو 1969، على توصية المستشار القضائي للحكومة بتأسيس شركة تأمين حكومية “تؤمن المستثمرين في المناطق ضد المخاطر السياسية”. وقررت الحكومة الإسرائيلية، وفقا لوثيقة تاسعة، أنها ستكون كفيلة لتأمينات الشركة، وأن تشرف عليها لجنة المالية التابعة للكنيست. وكشفت وثيقة عاشرة عن أن نائب المستشار القضائي للحكومة، زئيف شير، حذر من أن يبقى اسم الشركة وأنشطتها سرية “لأسباب واضحة”.

وتوضح الوثيقة الحادية عشرة، أن اللجنة الوزارية للشؤون الاقتصادية صادقت في اجتماعها يوم 22 آذار/مارس العام 1970 على تأسيس شركة “يناي”. وجرى عقد الاجتماع الأول لمجلس إدارة “يناي” في 8 شباط/فبراير 1971. ويوضح محضر الاجتماع أن تمويل الشركة مصدره قسم الميزانيات في وزارة المالية، وأن إدارة حساباتها تخضع لإشراف ضريبة الدخل وضريبة الأملاك، وأن مدير عام وزارة المالية يقرر هوية المستحقين لخدماتها. لكن بحسب الوثيقة الثانية عشرة، فإن وزيري الأمن والمالية شددا على أنه “تم الاتفاق على عدم إدخال بند في بوليصة التأمين ينص على أن الشركة تعمل باسم الحكومة وعلى حسابها”.

وحصلت “يناي” على حصرية إصدار بوليصات التأمين السياسية في الأراضي المحتلة. وأشارت إحدى الوثائق إلى أنه بعد تأسيسها، باعت “يناي” أكثر من 600 بوليصة تأمين سياسي. وبقيت صلاحية المصادقة على هذه التأمينات بأيدي “لجنة المدراء العامين”، التي استعانت بلجنة متفرعة عنها.

وتبين من وثيقة أخرى، أنه تم وقف عمل شركة “يناي” في أعقاب قرار الحكومة الإسرائيلية بتعويض جميع المستوطنين الذين جرى إخلاؤهم من سيناء بعد اتفاقية السلام بين إسرائيل ومصر، ولكن هذا التعويض لم يكن مرتبطا بما إذا كان المستوطنون وأصحاب المصالح قد اشتروا بوليصات تأمين أم لا. ولذلك، فإن المستوطنين في قطاع غزة والضفة الغربية وهضبة الجولان لا يرون أن ثمة جدوى من شراء تأمينات خاصة بالأراضي المحتلة. وبعد سن قانون ضم الجولان، في العام 1981 تقلص نشاط هذه الشركة. وفي 24 كانون الثاني/يناير 1984، تقرر توحيد شركة “يناي” مع شركة التأمين الحكومية “عنبال”.

وأشار معهد “عكيفوت” إلى أن سياسة الحكومة الإسرائيلية، التي منحت شبكة أمان اقتصادي للاستثمارات الاقتصادية لمواطنين إسرائيليين في المناطق المحتلة، كانت “عاملا هاما في تشجيع الاستيطان في المناطق المحتلة والاستغلال الاقتصادي لهذه المناطق”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى