أخبار رئيسيةأخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةأخبار وتقاريرمحليات

حلقة من مسلسل التطهير العرقي في فلسطين… 70 عاماً على مذبحة عيلبون

ساهر غزاوي

سبعون عاماً مضت على المجزرة المروعة التي ارتكبتها العصابات الصهيونية في قرية عيلبون-غرب مدينة طبريا-يوم 30 تشرين الأول/أكتوبر 1948، وأعدم فيها 14 شهيدا من خيرة شباب القرية، وهجّر أهلها شمالا إلى لبنان، ثم عادوا بعد مدة ليعمروا قريتهم من جديد.

تعتبر مجزرة عيلبون قصة من عذابات النكبة وجرائم الاحتلال وهي إحدى مشاهد عمليات الترحيل وجرائم التطهير العرقي في فلسطين التي جرت سنة 1948، والتي كانت ضمن خطة مفصلة في استراتيجيات الحركة الصهيونية، كما أنها لم تكن طارئة، أو وليدة الأحداث التي جرت عام 1948، وإنما هي فكرة مبيّتة نشأت وتبلورت منذ إقامة الحركة الصهيونية على يد تيودور هرتسل وتلاميذه، الذين اعتبروا أنّ تطهير الأرض من سكانها الأصليين هو أمر مشروع.

وهذا ما يؤكده المؤرخ الإسرائيلي إيلان بابيه في كتابه “التطهير العرقي في فلسطين” إذ يقول: “إن رد الفلسطينيين لم يكن مجرد هروب جماعي وطوعي للسكان، بل خطة مفصلة جرى وضع اللمسات النهائية عليها في اجتماع عقده (دافيد بن – غوريون) في تل أبيب يوم 10/3/1948، بحضور عشرة من القادة الصهيونيين، وتضمنت أوامر صريحة لوحدات “الهاغاناة” باستخدام شتى الأساليب لتنفيذ هذه الخطة ومنها: إثارة الرعب، وقصف القرى والمراكز السكنية، وحرق المنازل، وهدم البيوت، وزرع الألغام في الأنقاض لمنع المطرودين من العودة إلى منازلهم، وقد استغرق تنفيذ تلك الخطة ستة أشهر”.

مذبحة عيلبون

في نهاية تشرين الأول/ أكتوبر 1948، احتلت القوات الصهيونية معظم القرى في الجليل الأعلى في يوم واحد ومنها قرية عيلبون وذلك ضمن ما كان يعرف بـ “عملية حيرام” (حيرام هو ملك صور في الحقبة التوراتية)، وكانت صور ضمن أهداف هذه العملية التوسعية: احتلال الجليل الأعلى والجنوب اللبناني. وتمكنت القوات اليهودية، تحت غطاء من القصف المدفعي العنيف والغارات الجوية، من احتلال المنطقتين خلال أسبوعين، وقد طرد بعض القرويين، وسمح لبعضهم الآخر بالبقاء.

ويذكر الباحث والمؤرخ الفلسطيني الدكتور إبراهيم أبو جابر في كتابه “جرح النكبة” أنه في يوم 30/10/1948 دخلت قوات من الجيش الإسرائيلي إلى قرية عيلبون، في وقت كانت فيه الناصرة وطبريا قد سقطتا، وجيش الإنقاذ قد انسحب من عيلبون قبل ذلك بيوم، ويضيف أن الجيش دخل من الناحية الشمالية بمصفحاته ليرغم الناس للهرب نحو (لبنان)، فالتجأ الأهالي للكنائس للإحتماء بها فامتلأت بهؤلاء الذين تكوموا فوق بعضهم البعض.

ويقول إن عيلبون كانت قرية واعدة تسكنها أكثرية مسيحية وأقلية مسلمة، وبسبب موقعها الاستراتيجي على الطريق الموصل من العفولة إلى صفد تمركزت فيها قوة من جيش الإنقاذ، وحدث مرة أن جيش الإنقاذ قتل يهوديين من منطقة طبريا وأحضرت جثامينهما إلى عيلبون وقام الضابط الفلسطيني بقطع رأسيهما رغم نهي الخوري والأب حنا معلم عن هذه الفعلة واستنكاره لها بشدة! لكن اليهود لم ينسوا وأخفوا حقدهم ورغبتهم بالانتقام من أهل عيلبون فحصل ذلك في 30/10/1948، وكان من بين الفرقة التي احتلت عيلبون ومنطقتها مجندة من (عين كتب) كان أحد القتيلين اليهود شقيقها فطلبت قتل (30) رجلا عربيا مقابل قطع رأس أخيها بعد قتله. فكان لها ما أرادت وقتل الجنود (22) شخصا من سكان عيلبون ومن عرب المواسي المجاورتين!! حيث قتلوا (18) شاباً من (بدو عشيرة المواسي) في 2/11/1948 بعد ثلاثة أيام من مجزرة عيلبون، وهدموا خيامهم ودمروا كل ما لديهم، أما البقية من نساء ورجال وأطفال وشيوخ فقد طردوا إلى سوريا.

ويضيف الدكتور أبو جابر: استسلام القرية لم يمنع الجيش الإسرائيلي من طرد الأهالي، والواقع أن الجيش حين دخل القرية لم يتوقع أن يجد أحداً فيها. لأنهم يعتبرون أنها تقع في القسم الإسرائيلي بحسب قرار التقسيم عام (1947). صعد الجنود إلى السطوح، واقتحم آخرون المنازل وساقوا الأهالي كما النعاج إلى ساحة القرية، وهناك تم اختيار ثمانية عشر شاباً بطريقة عشوائية، ومن بين هؤلاء الشباب تم اختيار أربعة شباب هم: فريد زريق، فضلو زريق، رشيد عيلبوني، وفرح زريق، وطلبوا من الأخير قيادة سيارة الجيش، أما الآخرون فجلسوا معه وخرجوا إلى خارج القرية، يتبعهم الأهالي نساء ورجالاً وأطفالاً. ومن المؤخرة سار أفراد الجيش الإسرائيلي والهدف من ذلك مفهوم طبعا، فإن كانت الغام في الطريق فستنفجر بمن يسير في المقدمة.

ويختم أبو جابر: كتبت الحياة لهؤلاء الشباب الأربعة حيث لم يكن أية الغام في الطريق. أما الأربعة عشر شاباً الآخرون فقد تم قتلهم بالرصاص بدم بارد على مسمع من أهل القرية النازحين. أما أحدهم وهو (سمعان شوفاني) فقد قتله أفراد الجيش في أثناء رحلة العذاب إلى لبنان، ويشير إلى أن جثث القتلى بقيت ملقاة على الأرض مدة ثلاثة أيام إلى أن دفنت (دون جنازة) في كومة واحدة في قبر واحد (دون توابيت).

لجوء وعودة

بعد أن وصل أهالي قرية عيلبون لاجئين إلى لبنان في مخيم المية ومية، وافترشوا الخيام ليعيشوا مع باقي لاجئي الشعب الفلسطيني أقسى الظروف، وقضوا خمسة أشهر يعيشون على ما تقدمه لهم الصليب الأحمر من مؤن أساسية وبطانيات وملابس قديمة. ولكن النازحين لم ينسوا قريتهم ووطنهم خاصة وأن كهنة عيلبون الأربعة بقوا فيها. وكان هؤلاء نواة مركزية في تصعيد القضية محليا وعالميا، وكانت أنباء المجزرة قد وصلت إلى الحكومات الأوربية والأمم المتحدة والفاتيكان، التي ضغطت على إسرائيل وأجبرتها على إعادة أهالي عيلبون إلى قريتهم بعد حوالي أسبوعين من الاحتلال والطرد والمجزرة، وبعد أن تفاعلت القضية على كل الأصعدة وبعد أن كانت إسرائيل في حينه بحاجة إلى تأييد الرأي العالمي خضعت وسمحت لنازحي عيلبون بالعودة، وعادوا تدريجيًا الى قريتهم وقد لوحق واعتقل العديد منهم خلال مسيرة العودة التي استمرت لعدة أشهر. ووجدوا البيوت خاوية خالية فقد نهبت القرية، ولم يبقوا ولم يتركوا إلا جدرانا واقفة فلا ملابس ولا فراش ولا مواشي ولا أدوات منزلية أو زراعية. وهكذا عاش أهل عيلبون مدة سنتين على ما تقدمه لهم منظمة الصليب الأحمر.

أسماء الضحايا

أما أسماء ضحايا مجزرة قرية عيلبون فهم: بديع جريس زريق (14 عاما)، رجا مخايل خليل نخلة (34 عاما)، جريس شبلي حايك (24 عاما)، زكي موسى نخلة اسكافي (27 عاما)، حنا ابراهيم خوري أشقر (46 عاما)، عازر سالم مسلم (50 عاما)، سمعان جريس شوفاني (19 عاما)، عبد الله سمعان شوفاني (19 عاما)، فضل فضلو عيلبوني (20 عاما)، فؤاد نوفل زريق (25 عاما)، ميلاد فياض سليمان (18 عاما)، ميخائيل متري شامي (44 عاما)، نعيم غنطوس زريق (40 عاما)، محمد خالد اسعد (32 عاما).

شهادة ناجي من المذبحة

ويروي ابن عيلبون، حبيب زريق، من مواليد عام 1923 فصول المجزرة المروعة ويقول: (في 30/10/1948 انسحب جيش الإنقاذ واحتل جيش “الهاغاناة” عيلبون، وقام جيش “الهاغاناة” بعملية طرد السكان بعد أن ارتكب المذبحة الهمجية، إذ قتل (14) انساناً من عيلبون، و (13) من العرب الساكنين في ضواحي عيلبون. وكنت أدعو الناس إلى البقاء. وقد نجوت بطريق الصدفة، مرتين من براثن الإعدام والموت. المرة الأولى، بعد احتلال “الهاغاناة” لعيلبون جمعوا الرجال والشباب في ساحة القرية وأشار إليّ ضابط فرقة “الهاغاناة” بإصبعه أن قم وتعال، وبالصدفة قام الشاب المجاور لي معتقداً أنه المقصود، ولم يفكر أحد بأنهم سيرتكبون جريمة، وأعدموه في الحال، وهكذا نجوت بالصدفة.

وفي المرة الثانية، كان ذلك في “كفر عنان” بعد أن طردونا من عيلبون، اختارني جيش “الهاغاناة”، وأخي فريد زريق (أبو زريق) من ضمن (20) شاباً لإعدامهم بالرصاص. وكان أخي فريد يعرف العبرية، ففهم ما قاله الضابط للجنود، “خذوهم وأطلقوا عليهم الرصاص، واهدموا (8) بيوت في كفر عنان”. وعندما “صفونا” وهيأ الجنود بنادقهم، في هذه اللحظة حضرت سيارة “ميم- تصاديق”- الشرطة العسكرية، حيث ترجل أحد أفراد الشرطة وهمس في أذن الضابط، فأوقفت بسرعة تنفيذ الجريمة. واتضح أن وراء سيارة الشرطة تمر سيارات مراقبي الأمم المتحدة. وهكذا نجوت بأعجوبة في المرة الثانية. لم يطلقوا النار علينا، ولكنهم اقتادونا إلى المعتقل في المغار، حيث جرى تجميع معتقلين من جميع القرى، من الرامة والبعنة ودير الأسد وعليبون وفراضية وكفر عنان، بلغ عددهم (550) معتقلاً وكان ذلك ثاني يوم احتلال عيلبون أي في 1/11/1948.

عندما كنا في المغار علمنا بالمذبحة الوحشية في عيلبون، والتي من ضمن ضحاياها كان ثلاثة من أبناء عمي، كما علمت بأن زوجتي وأولادي (زباد ولميس) كانوا ضمن المشردين قسراً إلى لبنان).

______________________

 

المراجع:

– “جرح النكبة”، الجزء الأول، الدكتور إبراهيم أبو جابر

– التطهير العرقي في فلسطين، إيلان بابيه

-موسوعة النكبة

– مدونة فلسطين Palestine blog

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى