أخبار رئيسيةأخبار عاجلةمقالات

شهيد الأقصى لا شهيد الحُب!

لصوص المصطلحات

لم يكتفوا بمحاولة شيطنة المسلم وأنه مصدر الشرور والبلايا في هذا الكون، وإنما هم الذين سرقوا واغتصبوا أخص خصائص المسلم. إنها كلمة “شهيد” وهي مصطلح قرآني خالص لم يرد في اللغة العربية لها معنى إلا الإشارة إلى المسلم الذي يموت أو يُقتل في الحرب ضد الكفار أو بسببها. وكما قال الإمام الشيرازي الشافعي “ومن مات من المسلمين في جهاد الكفار بسبب من أسباب قتالهم قبل انقضاء الحرب فهو شهيد”.

نعم إن كلمة ومصطلح شهيد هو مصطلح عربي إسلامي خالص، وأتحدى أن يكون قد ورد استعمال هذا المصطلح في كتب وأدبيات وتاريخ أي شعب أو أمة غير العرب والمسلمين.

وها نحن نرى ونسمع ونقرأ عن كلمة ومصطلح شهيد، يتم بها وصف وتعريف كل من يقتل في الحروب مما هبّ ودبّ من شعوب الأرض، ولكن هذا يبرز أكثر عندما يستعمل عربٌ هذا المصطلح في وصف من يُقتل من جنود الأنظمة الطاغية ممن يُقتلون وهم يقاتلون شعوبهم ويظلمون أبناء جلدتهم. لا بل إنهم يطلقون هذا المصطلح على العربي والمسلم الذي يخدم في جيش الاحتلال الإسرائيلي ويقتل العرب والمسلمين والفلسطينيين، ومع ذلك فإنهم يقلدونه وسام الشهادة. وكذلك يفعلونها مع الجندي الأمريكي وكل جندي أجنبي محتل يُقتل وهو يقاتل المسلمين.

وليس فقط أنهم سرقوا واغتصبوا وشوّهوا مصطلح الشهيد وأخذوه منا، بل ألصقوا بنا ونسبوا إلينا ورمونا بوصف الإرهاب، حتى أنهم جعلوه صفة للإسلام وهم يقولون كبرت كلمة تخرج من أفواههم “الإرهاب الإسلامي” في استخدام واسع على الألسن والأقلام.

نعم، إن كلمة الإرهاب كلمة عربية مثل كلمة شهيد والشهداء، وقد وردت في القرآن الكريم بصيغة الفعل المضارع في سياق الأمر بإعداد القوة للأعداء في قوله تعالى: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم، وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوفّ إليكم وأنتم لا تظلمون} آية 60 سورة الأنفال.

يقول فضيلة الدكتور يوسف القرضاوي في كتابه الرائع – فقه الجهاد – صفحة 1070 من الجزء الثاني :”والإرهاب المذكور في الآية والمقصود به، تخويف الأعداء حتى لا يطمعوا في المسلمين ويفكروا في الاعتداء عليهم. فلا شك في شرعيته ولا ينازع فيه أحد وليس هو المقصود بالكلمة حين تطلق اليوم.

فالإرهاب المشروع أي الترهيب بإعداد المستطاع من القوة البشرية المدربة، والقوة المادية بإعداد السلاح المتطور بكل أنواعه (وهي خيل عصرنا) وذلك لتخويف عدونا بأن يفكر في حربنا إذا علم أن لدينا من القوة العسكرية ما يقهره ويدحره، فهو يفكر ألف مرة ومرة قبل أن يهاجمنا. وهذا الإرهاب للعدو يمنعه من الاعتداء علينا. أما نحن فديننا يمنعنا من الاعتداء عليه بلا سبب، فالإرهاب الذي ورد ذكره في القرآن ليس هو المقصود من كلمة الإرهاب التي يذكرونها اليوم”.

نعم لقد سرقوا من قاموسنا كلمة شهيد، وراحوا يطلقونها جزافًا وعلى من لا يستحقها، بينما أخذوا من قاموسهم كلمة إرهابي وألصقوها بنا، وراحوا يصفون بالإرهاب كل عمل يقوم به المسلم خدمة لدينه.

قال الدكتور القرضاوي في كتابه – فقه الجهاد- “والمؤكد أن الكلمة بإطلاقها ودلالاتها المعاصرة مترجمة عن اللغات الغربية، وعنهم انتقل مفهومها إلى لغتنا العربية وإن كانوا إلى اليوم للأسف لم يحددوا مفهومها تحديدًا قاطعًا جامعًا مانعًا يزيل كل لبس ويمنع أي اشتباه.

فرأينا أمريكا تترك هذا المفهوم الخطير الذي شنت حربًا كونية واسعة على أساسه مائعًا رجراجًا هلاميًا يتسع لكل ما تريد إدخاله ومن تريد إدخاله فيه، حتى أنها أدخلت فيه الذين يقاومون الغاصبين المحتلين ويدافعون عن أوطانهم ومقدساتهم وحرماتهم، كما أدخلت فيه الذين يتبرعون لعمل الخير وكفالة اليتامى ومساعدة أسر الضحايا والشهداء، حتى أمسى العمل الخيري الإسلامي كله تقريبًا متهمًا بالإرهاب أو معاونة الإرهاب والإرهابيين، بل ويخاف المسلم من إخراج زكاته والتي هي فريضة وركن من أركان الإسلام وتوزيعها على مستحقيها، فتتخذ ذريعة لاتهامه بتمويل الإرهاب”.

لقد رأينا كيف تغلق المؤسسات الإغاثية وكفالات الأيتام بدعوى مكافحة الإرهاب، ورأينا كيف تغلق معاهد تحفيظ القرآن بدعوى أنها تنشئ جيلًا يتجه نحو الإرهاب، ورأينا كيف تصنف القوى التي تقاوم الاحتلال في غزة بأنها إرهاب، ورأينا كيف تصبح حركات الشعوب التي تواجه الحكام الفاسدين من عملاء أمريكا إرهابية، فتحاربها أمريكا وعملاؤها كما هو الحال في سوريا ومصر، ورأينا كيف يصبح الرباط في المسجد الأقصى إرهابا، ورأينا كيف تصبح الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني وبقرار سياسي ظالم حركة إرهابية محظورة وخارجة عن القانون الإسرائيلي الظالم.

حكموا علي بأنني إرهابي قالوا بأني قد فقدت صوابي
زعموا بأني مسلم متطرف والويل كل الويل للإرهابي
حكموا بقتلي حيث أني مسلم أبغي الكرامة أو يهال ترابي
إن كان عز القدس صار تطرفًا فأنا أبيح تطرفي لصحابي

إنهم لصوص المصطلحات ولصوص التاريخ والجغرافيا والتراث والأخلاق، إنهم لصوص في كل شيء، وإنهم يسعون لتشويه المصطلحات والمفاهيم التي نعتز بها. إنهم يريدون لأبنائنا ولأجيالنا أن يصبحوا جيلًا مخنثًا مائعًا مثل الريشة تحركه وسائل إعلامهم كيفما تشاء، ولا يريدون لهذا الجيل أن يكبر على مصطلحات معاني العزة والرجولة والتحدي ومواجهة الظلم والباطل. وهذا ما حصل ويحصل في فترات ضعف الأمم والشعوب حين تتسلل إليها مفاهيم غريبة ودخيله، فتصبح كأنها جزء من موروثها. إنهم يريدون لنا ولأبنائنا أن تصبح قيمة الحياة تافهة، وأن تصبح معاني الرجولة والبطولة معاني لا قيمة لها، بل وأن تصبح مصطلحات العز والمجد مصطلحات للسخرية كما ورد وحصل في التاريخ القديم والحديث.

شهيد الحب

إنها القصة التي كانت فصولها وأحداثها في الماضي وإن كانت تتكرر كثيرًا، لكن في أماكن مختلفة وأسماء غير تلك الأسماء. إنها قصة ذلك الشاب جميل معمر الذي كان يعرف أيضا بجميل بثينة كما عرف قيس بليلى. إنه الذي لم يعد يرى في الدنيا إلا بثينة وحبها، إنه الذي لم يشغله شاغل سوى النيل والظفر بمحبوبته بثينة، وكأن لم يكن لقبيلته ولأمته مهام جسام يجب أن يؤديها، حتى أنه في شعره كان يشير إلى تخلفه عن الجهاد والمعارك لأنه يريد البقاء قريبًا من حمى وديار بثينة، وفي هذا قال جميل:

يقولون جاهد يا جميل بغزوه وأي جهاد غيرهن أريد
لكل حديث بينهن بشاشة وكل قتيل عندهن شهيد

 

إنه يعتبر الجهاد الحقيقي ليس جهاد الأعداء ومواجهته لمن يتربصون بقبيلته وأهله وأمته الدوائر، وإنما رأى أن الجهاد الحقيقي هو في استمرار بذل جهده وإمكاناته للوصول إلى بثينة والظفر بها، بل إنه يعتبر أن أسمى درجات وأعلى أوسمة الشهداء لا تنال في المعارك وفي مقارعة الأعداء بالسيف، وإنما تلك التي تنال لقتيل الحب وشهيد المرأة “وكل قتيل عندهن شهيد”.

نعم إنه ليس مشهد الماضي، ولكنه المشهد والحالة التي تتكرر كل يوم مما نرى عليه انشغال أبنائنا وشبابنا بغرائزهم وشهواتهم، حتى لكأن أحدهم لم يعد يرى من الدنيا إلا الحب والغرام والجنس ومشتقاتها. إنه ينسى هموم شعبه وأمته، وينسى مقدساته وينسى تسلط الأعداء والأنذال على أهله وأوطانه ولا يحركه من ذلك شيء، وانما الذي يشغله هواه وغرائزه.
نعم إن أعدائنا يتمنون لو أن كل جيل الشباب قد انحرف. ويتمنون لو أن كل شبابنا لم يعد يعرف من الإسلام إلا اسمه ولا من القرآن إلا رسمه. إنهم يتمنون لو أن شبابنا قد أصبحوا مسوخا، فهذا بالنسبة لهم هو الفوز العظيم. إنهم لا يريدون لأبنائنا أن يكون أحدهم شهيد الوطن وشهيد الأرض وشهيد الدين، وإنما يريدون أن يكون أحدهم شهيد الحب والهوى والغرائز.

شهيد السيارة

إنها تلك القصة بل قل إنها النكتة تدلل إلى مدى انحدار المفاهيم والقيم والمنظومة الاجتماعية في زمن الترهل والضعف، ومن هنا تكمن خطورة أن تعيش الأمة في حالة انهيار معنوي وعسكري لأنها ستصبح عرضة لكل الآفات الاجتماعية حيث تطغى نزعة الأنانية على سلوك الأفراد وعلى حساب المجتمع والوطن. ومرة بعد مرة تنقلب الموازين إلى حد أن يصبح المعروف منكرًا والمنكر معروفا، ويصبح الصادق كاذبًا والكاذب صادقا، ويخون الأمين ويؤتمن الخائن وهكذا في حالة من الانحدار لا نهاية لها، تماما كالجسم الذي يفقد مناعته فتغزوه كل أنواع الأمراض حتى ينتهي ذلك بانهياره.

يقول الدكتور أحمد خير العمري في كتابه – ليله سقوط بغداد – :”كانت سرقة السيارات عملية شائعة جدًا بعد مرور ثلاث سنوات على الحصار، وكان بعضها دمويًا ولقد صحا المجتمع البغدادي ذات يوم على حكاية اعتبرها البغداديون بمثابة نكتة مالحة عن زمن التناقضات والانهيار. فقد حدثت محاولة سرقة سيارة أحدهم من البيت في حي المهندسين على ما أذكر، ولأن صاحب السيارة انتبه لمحاولة السرقة فقد أطلق النار وأصاب أحد أفراد العصابة، وكانت إصابته على ما يبدو قاتلة. إلى هنا والقصة شبه عادية، وكان القانون الجزائي العراقي يعتبر قتل أي شخص اقتحم حدود دارك هو دفاع عن النفس وينظر إليها في ظروف مخففة.

لكن الذي حدث أن عشيرة السارق جاءت تطالب بالفصل (الديّه) في دم (المرحوم) وبالذات جاءت تطالب بالسيارة التي كانت هدفه قبل موته، فقد صارت السيارة من استحقاق العشيرة ما دام قد بذل دمه من أجلها. بل إن العبارة التي قيلت في وصف المجرم المقتول إنه – شهيد السيارة”.

هكذا إذن يصبح التردي والانزلاق، وهكذا تدخل على المجتمعات المأزومة مفاهيم ومعاني ومصطلحات غريبة، حتى أنها تصبح من ملامح صورة ذلك المجتمع حتى يألفها الناس مع أنها كانت بالأمس القريب مستنكرة مرفوضة.
وهذا ما يريده أعدائنا لنا ومنا، إنهم يريدون تشويه صورة الأبطال الحقيقيين، بينما هم يلمعّون ويزخرفون تلك البطولات الموهومة، فيصبح الممثل نجمًا، ويصبح لاعب الكرة مثالًا وقدوة، وتصبح الرقاصة كوكبًا، بل ويصبح الخائن والعميل رمزًا للوطنية، وصدق في ذلك قول الشاعر:

صرنا عبيد المال باسم حضارة حمقاء لا تؤمن بغير الدرهم
صرنا عبيد الغيد أقصى همنا لو تحت أقدام الغواني نرتمي
حتى جعلنا الغانيات كواكبًا ومباذل الأخلاق رمز تقدم
واذا استذلت أمة شهواتها جمدت فلم تنهض ولم تتقدم

 

إنهم لا يريدون أن يكون منا بطلًا شهيدًا يموت هو ليحيا شعبه، ويرحل هو لتبقى أمته. إنهم لا يريدون منا شهيد الوطن وشهيد الأقصى وشهيد الدين وشهيد الأرض وشهيد العرض وشهيد المبادئ، وإنما يريدون أن يكون منا شهيد الحب وشهيد السيارات وشهيد المخدرات وشهيد الانتخابات وشهيد الطوشات وشهيد العائلة، وشهيد كل شيء أي شيء إلا شهيد الدين والعقيدة.

إنما الأقصى عقيدة أين من يحمي حدوده منح البغي حماه لطريد وطريده فمتى نرجع عهد المجد كي نلقى وليده ونصون العهد في أعناقنا حتى نعيده شامخ الجبهة يرنو كي يرى في الجمع صيده إنما الأقصى عقيدة ليتني كنت شهيده

لا لن يكون لأعدائنا ما يريدون بإذن الله، فها هو جيل العقيدة قد نفض عنه غبار السنين، وها هو يرفع الراية الخضراء، معلنًا للدنيا كل الدنيا نهاية مرحلة الذل والتبعية وتشويه الهوية، وبداية مرحلة العز والمجد والأصالة، وبداية دورة عودة الإسلام ودولة الخلافة الراشدة التي تعم الأرض بإذن الله تعالى. يسألونك متى هو قل عسى أن يكون قريبا.

رحم الله قارئًا دعا لنفسه ولي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى