أخبار رئيسيةأخبار عاجلةمقالات

فاشلون وظالمون وسيرحلون

الشيخ كمال خطيب

 

# الفشل الكبير

لم أكن يومًا من هواة الرياضة عمومًا، ولا من عشاق كرة القدم خصوصًا. وليس لذات الرياضة وكرة القدم، وإنما هو عزوف عن اللهو بكل أشكاله وأنواعه لشيء وسبب لا أعرفه وليس لي أن أحدده.

ولكن وخلال الأسابيع الماضية، ليس أنني قد اكتشفت هوايتي المفضلة ولا موهبتي الخارقة في كرة القدم، ولكن ولأن تداخلًا عميقًا قد وقع بين الرياضة والسياسة في ظل مباريات كأس العالم التي تجري في روسيا خاصة نتائج المنتخبات العربية المخيبة للآمال، وعلى وجه الخصوص الفضائح التي مني بها المنتخبان السعودي والمصري.

لا أتردد بالقول أن لله سبحانه وتعالى حكمة وإرادة في هذا الفشل وهذه الخيبة، ذلك لأن النظامين الفاسدين في السعودية ومصر كانا يعولان كثيرًا على نتائج المباريات، وأن فوز منتخب كل منهما وتحقيقه نتائج مميزة كان سيعتبره كل من النظامين السعودي والمصري بمثابة فوز له وسيجيره كل واحد منهم لصالحه، على أنه هو من قدم الدعم المالي السخي، وهو من هيأ الظروف المادية والمعنوية والإدارية لتحقيق ذلك الفوز الذي لم يكن والحمد لله.

ولأن شعوبنا المقهورة والمغلوب على أمرها تتجرع كأس الهزيمة ومرارة الخيبة في كل شيء، فإنها تتوق لمشهد ومظهر من مظاهر الفوز والنصر في أي شيء، حتى وإن كانت مباراة كرة قدم. ومع صخب إعلام الأنظمة الفاسدة وتهييجها وتسخير كبار معلقيها، فإن الشعوب ستتعامل مع  ذلك الفوز كأنه فوز وانتصار في معركة حقيقية ضد الأعداء، وأنه بفضل جلالته وفخامته وفي عهده الميمون، فقد تم إحراز ذلك الانتصار التاريخي الموهوب.

ولكن الله سبحانه أراد أمرًا آخرًا، فكان الفشل المدوي رغم فتاوى هيئة كبار العلماء بجواز إفطار اللاعبين والمشجعين ورغم ذهاب ابن سلمان نفسه إلى روسيا، ورغم مناورات السيسي الخائبة والخبيثة في تجيير حالة التعاطف والإعجاب التي حظي بها اللاعب المصري محمد صلاح ومحاولة السيسي لتبييض صفحته وصورته، بل وحتى جعل المجرم والعميل الروسي أحمد رمضان قديروف بلطجي الشيشان، يستغل صورة محمد صلاح المحبوبة لتجميل وجهه القبيح ودمويته مقابل خدماته الجليلة لسيده وولي أمره بوتين.

لقد جاء الفشل الرياضي لينضم إلى قائمة الفشل ولائحة الخيبات الطويلة والمتواصلة لهؤلاء الفاسدين. إنه فشلهم الاقتصادي حيث التردي والتراجع المستمر في اقتصاد كل من السعودية ومصر، حيث لا مجال للخوض في تفاصيل وأسباب ذلك وانعكاسات ذلك الفشل على استقرار هذه الدول، وإنه الفشل العسكري سواءً كان في حرب السعودية ضد الحوثيين أو حرب نظام السيسي ضد ما يسميه الإرهاب في سيناء، وانعكاس آثار هذا الفشل على صورة هذين النظامين محليًا ودولياً.

وإنه الفشل في السلم والأمن الداخلي مقابل حالة الغضب التي تسود كل من الشارعين السعودي والمصري، حيث يتوقع الخبراء والمحللون أن هذا الغضب سيقود إلى انفجار يطيح بهذين النظامين.

الغريب واللافت أن هؤلاء الفاشلين في كل شيء لا ينظرون إلى الخشبة التي في عيونهم، وإنما ينظرون إلى القشة التي في عيون الآخرين، لا بل لأنهم يتصدرون قائمة الفاشلين والمستبدين وسارقي أموال شعوبهم، ومن يملكون ويترأسون بقوة الحديد والنار والاعتقالات والملاحقات، وسجن أصحاب الرأي المخالف وقمع كل من يقول لا لجلالته ولفخامته، فلأنهم كذلك فإنهم يتمنون لو أن كل الأنظمة تكون مثلهم حتى لا يعيّرهم أحد بما هم فيه. إنهم كمثل الزانية التي تتمنى لو أن كل النساء مثلها، حتى لا يعيّرها أحد بزناها وفساد أخلاقها.

 

لقد رأينا هذه الأنظمة العربية الفاسدة عمومًا، وعلى وجه الخصوص النظام السعودي والإماراتي والمصري، كيف كان موقف إعلامهم الفاسد من الفوز المدوي الذي حققه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الانتخابات الأخيرة يوم 24/6.

لقد سبقوا مواقفهم العدائية بعد الفوز الانتخابي بموقفهم من محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا في 15/7/2016 وكيف أنهم طبلوا وزمروا في انسجام تام وكأنهم ضمن فرقة أوركسترا واحدة مع الإعلام الإسرائيلي فرحين إلى حد الجنون في الساعات الأولى والتي بدا وكأن الانقلاب قد نجح.

وها هم يعودون لنفس الدور بعد الفرز الانتخابي والفوز المظفر للرئيس أردوغان، إذ حاولوا تشويه هذا الفوز بفرية أن تزويرًا قد حصل من قبل حزب العدالة والتنمية. يا للعجب فإن نسبة 53% قالت نعم لأردوغان هي محل تشكيك، بينما نسبة ٩9’99%  هي نسبة حقيقية قال فيها الشعب نعم لفخامته، أو قالها بالنيّة القلبية لجلالته.

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل وصلت الحقارة والسفالة عند هؤلاء ومن يتماثل معهم من الأنظمة كالإمارات وسلطة أبو مازن الفاشلة كما أوردت صحيفة هآرتس العبرية في تقرير لها يوم الجمعة الأخير 29/6/2018 والتي ورد فيه أن السعودية والأردن والسلطة الفلسطينية قد أبدوا امتعاضهم وتذمرهم لدى الحكومة الإسرائيلية متخوفين من تأثير الحضور والدور التركي في القدس الشريف عمومًا والمسجد الأقصى خصوصًا. وأن على اسرائيل الانتباه وعدم إغفال الدور التركي المتنامي، وأن عليها العمل على مواجهة هذا الدور لأن في مواجهته مصلحة مشتركة لكل من إسرائيل والسعودية والأردن وسلطة أبو مازن.

بربكم هل سمعتم أو قرأتم في التاريخ عن عملاء أحقر من هؤلاء وعن فاسدين أكثر من هؤلاء، ليس فقط أنهم يريدون الاستقواء بإسرائيل المحتلة والمدنسة للقدس والأقصى على تركيا، بل إنهم يتذمرون من دور تركيا كما ورد في التقرير في ترميم بيوت وأحياء ودعم مشاريع ومؤسسات مقدسية، بينما هم وهنا الإشارة على وجه الخصوص للسعودية والإمارات ورجالاتهم، في ضخ عشرات بل مئات الملايين لشراء ذمم مقدسية لتروج للمشروع السعودي والسياسة السعودية الجديدة، لا بل إنه دور رجال الأعمال الإماراتيين عبر سماسرة فلسطينيين محسوبين على محمد دحلان في شراء بيوت مقدسية وتحويلها الى للجمعيات الاستيطانية اليهودية، وما أكثر الأمثلة والشواهد على ذلك. لا بل إن معلومات تتواتر يومًا بعد يوم عن سعي السعودية وبتكليف من الإمارات بتملك بيت قريب من المسجد الأقصى، ليكون مركزًا ومقرًا لرجالات السعودية والإمارات للقيام بدور فاعل في المسجد الاقصى، ليكون موازيًا لمقر دائرة الأوقاف الأردنية في القدس تمهيدًا لسحب البساط من تحت الوصاية الأردنية على المسجد الأقصى، وكل ذلك في خدمة المشروع الأمريكي “صفقة القرن” والتخلص من عبء القضية الفلسطينية التي تثقل كاهلهم وفي مقدمتها قضية القدس، وفي اللب منها قضية المسجد الأقصى المبارك، وأن يكون حوله حلًا توافقيًا بينهم وبين الإسرائيليين عليه وحوله.

ذلكم هو الفشل الكبير لهؤلاء النخاسين عكاكيز أمريكا وإسرائيل.

 

# الظلم الأكبر

قال الدكتور العراقي أحمد خيري العمري في صفحه 232 من كتابه الرائع والذي أنصح بقراءته وهو تحت عنوان – ليله سقوط بغداد – : “الظلم الأكبر أن يأتي علينا ظلم تترحم فيه على الظلم الذي سبق….”. إنه يقصد بذلك ما وقع في العراق بعد أن سلمت أمريكا العراق لإيران على طبق من ذهب، وأصبح يتحكم في العراق من جاؤوا على الدبابات الأمريكية، وباتت النزعة الطائفية هي المسيطرة حيث وقع بسبب ذلك ظلم كبير من الشيعة ضد السنة بزعم الإنتقام من نظام صدام حسين وكأنه كان يمثل سنة العراق الذين لم يكتوِ أحد بظلم صدام أكثر منهم.

لكن ما حصل بعد الاحتلال الأمريكي وفق ما يقوله الكاتب وهو ابن بغداد ولعائلة عريقة من عوائلها، من خلال وبسبب الممارسات الطائفية والظلم الذي مارسته، جعل الناس يترحمون على أيام صدام وإن كانت ظالمة، لكنها أصبحت توصف بالرحيمة إذا ما قورنت بما أصبح عليه من جاؤوا وحكموا العراق بعد صدام.

لا بل إننا ونحن نرى ذل الحكام وخياناتهم وتزلفهم لأمريكا وإسرائيل، ليقارن هذا السلوك بموقف صدام حسين خلال محاكمته، فإن فساد وذل ملوك ورؤساء زماننا يجعلنا ننسى لصدام ظلمه ونترحم عليه وعلى شجاعته وعلى حكمه قياساً، وبسبب الظلم الأكبر الذي وقع وما يزال يقع علينا من عكاكيز وعملاء إيران الذين حكموا بعده.

ولعل الشعب المصري وقد رأى ولاقى ما لاقاه من الانقلابي الخائن السيسي من ظلم وقهر وذل، فبسببه أصبح يترحم على ظلم وقهر وذل حسني مبارك الذي ثار الشعب المصري في 25/2/2011 لإسقاطه، لأن ما فعله السيسي يفوق بأضعاف مضاعفه ما كان عليه الحال أيام حسني مبارك.

وليس أقل من ذلك وإن كان أكثرالسلوك، أنه بفعل ظلم ذوي القربى وسياسات القهر وأساليب الاعتقال والتعذيب التي تمارسها سلطة رام الله بحق مخالفيها السياسيين في سجونها وخاصة الإسلاميين منهم، فإن البعض يترحم على أيام الاحتلال الإسرائيلي وسجونه وزنازينه، لأن ما أصبح يمارسه المحقق الفلسطيني تلميذ المحقق الإسرائيلي والأمريكي يفوق ما كان يفعله استاذه ومدربه من إهدار آدميه الفلسطيني وانتهاك إنسانيته بما لا يتصوره العقل.

وليس أقل من ذلك حين سمعنا وشاهدنا ما قاله ذلك العجوز الفلسطيني في مخيم اليرموك في بداية الثورة السورية، وما لاقاه هذا العجوز وكل سكان المخيم من ظلم شبيحة بشار وميليشياته الطائفية، حتى وصل الأمر بذلك اللاجئ الفلسطيني أن يقول: “ارجعونا عند اليهود، اليهود أرحم”. إنه الذي هُجّر وطُرد من وطنه، وأصبح لاجئًا بفعل ظلم العصابات الصهيونية، لكنه لما رأى ظلم شبيحة بشار وميليشياته فإنه أصبح يترحم على ظلم العصابات الصهيونية وجرائمها.

وليس أقل من ذلك ما نراه الآن وبالبث المباشر من هروب أهالي حوران السورية” درعا ومدنها وقراها” من قصف وتدمير الميليشيات الطائفية وجيش بشار، ليحتموا عند حدود الجولان قريبًا من الجيش الإسرائيلي الذي سبق وهجّرهم من بيوتهم من الجولان السوري عام 1967 ودمّر قراهم.

لقد ظلمهم الاحتلال الإسرائيلي وهجّرهم ودمّر قراهم بالأمس. واليوم يظلمهم النظام الدموي وميليشياته مع الاحتلال الروسي يدمرون بيوتهم وقراهم فلا يجدون إلا الظالم الأول ليحتموا به لعله يكون أرحم من الظالم الثاني.

ولأن هؤلاء الحكام فاشلون وظالمون فإنهم حتمًا سيرحلون. إنهم وبما كسبت أيديهم لن يبقوا لشعوبهم حسنة واحدة تذكُرُهم بها. ولأن من بعد عصر الظلم والجور الذي تعيشه الأمة من حكامها، سيكون زمن وعهد القسط والعدل كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، لذلك فإنه لن يكون الظلم الأكبر الذي بسببه نترحم على الظلم الذي سبق، وإنما هو القسط والعدل والرحمة تنسينا وإلى الأبد عهد الظلم والظالمين. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يخرج رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه إسمي وخلقه خلقي، فيملأها قسطًا وعدلًا كما ملئت ظلمًا وجورا”. وقال صلى الله عليه وسلم: “لا تقوم الساعة حتى تمتلئ الأرض ظلمًا وعدوانًا ثم يخرج رجل من عترتي يملؤها قسطًا وعدلًا كما ملئت ظلمًا وعدوانا”.

إنا بين يدي نهاية الظلم الكبير والظلم الأكبر، وبداية زمن القسط والعدل والفرج، زمن الخلافة الإسلامية الراشدة التي ستعم الأرض.

نحن إلى الفرج أقرب، فأبشروا

 

رحم الله قارئًا دعا لنفسه ولي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة

والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى