أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

هلا بالربيع

الشيخ كمال خطيب

اليوم الجمعة 23/3/2018 هو اليوم الثالث من أيام فصل الربيع، نرحب به أهلًا ومرحبًا. وكيف لا نرحب به وهو أجمل الفصول وهو الذي بهر بجماله أصحاب الحجج والعقول، وهو الذي تغنى به الشعراء والأدباء فكتبوا عن صبحه ومسائه، وأطنبوا في وصف أرضه وسمائه. وكيف لا نرحب بالربيع وهو الذي بساطه حرير ونسيمه عبير، وعصافيره جذلانة تطير. وكيف لا نرحب بالربيع وأزهاره مسك يفوح وأغصانه خضراء تلوح وماؤه من العيون يسوح.

فصل الربيع الذي لجلاله وجماله، ولعبق أزهاره وطيب ثماره، ولوفرة ظلاله وكثرة أنهاره، للذي يذكر بالجنة ونعيمها، وما أعدّه الله لعباده الصالحين فيها، مع أن الجنة فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. ولقد قال الشاعر رشيد أيوب بالترحيب به:

مرحبا ذُبنا اشتياقًا يا ربيع يا خفيف الروح يا أهلًا مرحبًا

كلما ضاء محياك البديع هبت الأرض تتباهى الكوكبا

وأما الشاعر وليد الأعظمي فقد قال في وداع الربيع:

ذهب الربيع وثغره المبتسم فبدا على وجه الحياة تجهم

ذهب الربيع وليس ثمة ضاحك فالحزن من وقع الفراق مخيم

والبلبل الصداح أصبح ساكتا فكأنما هو أخرس يتلعثم

كلما جاء الربيع ومع تفجر الأنهار وتفتح الأزهار وتغريد الأطيار، فإننا نتذكر في شهر الربيع مولد محمد المختار والشفيع صلى الله عليه وسلم، ربيع البشرية ونورها وسراجها المنير. شافي جراحها ومؤنس وحشتها وحادي قافلتها ورُبّان سفينتها إلى بر الأمان وشاطئ السلام.

هو الربيع به تتعافى الروح ويغمر الأمل. ومثل تفتح الزهرة تكون منها الثمرة، ومثل تشقق البيضة يكون منها الفرخ الصغير. فمن الربيع تكون بدايات كثيرة وكيف لا والربيع زهرة، وقطر، ونسمة، وفراشة ونحلة.

الربيع أمل يعالج اليأس، ونور يطوي الظلام، وأنس يغالب الوحشة، وبسمة تنتصر على الأحزان. الربيع عتبة بين أيام العواصف الهوجاء وزمهرير الشتاء، وبين الدفء والصفاء، وقد قيل (في قلب كل شتاء ربيع يختلج، ووراء نقاب كل ليل فجر يبتسم) فمرحبًا ويا هلا بالربيع.

#لا يكون الربيع بزهرة ولكن كل ربيع يبدأ بزهرة

هي عبارة من أشهر ما قاله المرحوم نجم الدين أربكان مؤسس الحركة الإسلامية في تركيا، وما تردد على لسانه في توجيهاته للشباب العامل لخدمة الإسلام.

إنه ولصعوبة الظرف الذي وجد فيه أربكان رحمه الله تعالى وهو يواجه تيار العلمانية الجامح والذي نجح في إسقاط وإلغاء الخلافة الإسلامية العثمانية، والذي كان يقوده مصطفى كمال أتاتورك، هذه العلمانية التي سلخت الشعب التركي عن دينه وعن تاريخه معلنة حربًا سافرة على الإسلام وتعاليمه ورموزه منذ نشأتها وصولًا إلى بدايات ستينات القرن الماضي.

وحين بدأ المرحوم أربكان نشاطه السياسي من خلال هويته الدينية والإسلامية، فكان بعض المخلصين معه ممن يرون الواقع الصعب والقبضة الحديدية التي يحكم بها الجيش لحماية العلمانية ولسان حالهم يقولون له: أنت مثل زهرة في صحراء قاحلة، وأنت في بحر متلاطم الأمواج، وأنت في غابة وحوش. في إشارة إلى سوداوية الظروف واستحالة التغيير، وأنه ورغم كل الصدق والخير والنية الصادقة عنده في خدمة الدين لكن ماذا سيفعل في هذا الواقع. فكان رحمه الله يجيبهم بثقة وتفاؤل كبيرين ورؤية بعيدة ويقين أنه بالإمكان تغيير الحال إذا توفرت النية الصادقة والإيمان العميق والفهم الدقيق والعمل المتواصل، وكان يردد جملته التي يقول فيها: (لا يكون الربيع بزهرة ولكن كل ربيع يبدا بزهرة).

نعم إن تفتح زهرة في زمان غير زمان تفتح الأزهار، أو في مكان لا تنبت فيه الأزهار بالعادة، فهذا ليس معناه أن فصل الربيع قد حان وقته، ولكن في المقابل فإن فصل الربيع حين تتفتح الأزهار وتغني الأطيار وتبعث الشمس إشعاعها ليملأ الأرض دفئًا وأنسًا، فإنه يبدأ من زهرة واحدة تتفتح في مكان ما في أرض الله ثم تكون زهرات وبعدها فساتين وحدائق غناء، فهو الربيع في أجمل حلة وأبهى لوحة.

لكأني بالمرحوم أربكان يريد أن يقول لي ولك: لتكن أنت الزهرة الأولى، بادر ولا تنتظر غيرك، كن أنت الزهرة الأولى في فصل الربيع، وكن أنت الإشعاع الأول لشروق الشمس، وكن أنت القطرة الأولى من الغيث النازل من السماء إلى الأرض، كن أنت من السابقين خير من أن تكون من اللاحقين.

ابدأ بنفسك وادع غيرك، هكذا قال الإمام الشهيد الأستاذ حسن البنا والذي طالما أشاد المرحوم أربكان بفكرة وشمولية منهجه وجماعته “الإخوان المسلمين”. وإذا كان الصينيين قد قالوا في حكمتهم الشهيرة “الألف ميل تبدأ من خطوة” فكن أنت من يخطو أولًا. وقالوا: “لا تسب الظلام ولكن أوقد شمعه” فكن أنت موقدها الأول، ليس المطلوب أن تتمنى العيش في بستان مليء بالأزهر، بل كن أنت زارع الزهرة الأولى. ولا تتمنى أن يتغير المجتمع وحال الأمة نحو الأفضل، ولكن كن أنت أول من يتغير. ولا تتمنى أن يعلو صرح الإسلام، ولكن اجعل من نفسك اللبنة الأولى.

#الربيع العربي

في مثل هذه الأيام من مطلع العام 2011 كانت جموع الشعوب المقهورة في تونس ومصر قد استكملت ثوراتها وأطاحت بزين العابدين بن علي وحسني مبارك، بينما كانت الثورة تتأجج في اليمن وليبيا وسوريا حيث ما تزال ملتهبة في ظل متغيرات كثيرة طرأت على واقع الثورات.

نعم إنه الربيع العربي، كانت شرارته الأولى انطلقت في تونس يوم 14/ /12 2010 وكانت شرارته الأخيرة تنطلق في سوريا يوم /15 3/2011 حيث خرجت الشعوب تنادي بالحرية والكرامة والعدالة والعيش العزيز، بعيدًا عن الظلم والذل والقهر والخوف تفرضه أنظمة الطواغيت في هذه الدول.

بالبارود والنار والرصاص والمذابح والسحل والقتل والاغتصاب، بالدبابات والطائرات والجيش والمخابرات قامت أنظمة الظلم والقهر بمواجهة الشعوب التي خرجت تنشد حريتها وتنادي بحقوقها، بل إنه ومنذ ظهور ملامح هذه الثورات عبر انطلاقها من المساجد وبعد صلاه الجمعة وترديد الهتافات الدينية، فقد أدرك الطغاة ومن يساندهم في الغرب والشرق هوية هذه الثورات، فقاموا بالانقلاب على من نجحت ثوراتهم كما في مصر وليبيا، وكادوا ينجحون في تونس وقد أثخنوا ثورتها بالجراح. وأما سوريا واليمن فقد نفذوا ما وعدوا به لما قالوا (يا بشار الأسد يا منحرق البلد)، وقد أحرقوا سوريا ودمروها وهجروا أهلها كرمال أن يظل بشار رئيسًا ولو على جماجم وجثث شعبه وأنقاض بيوت مدنه وبلداته.

لقد سعوا ليتحول الربيع العربي الى خريف، وليتحول بريق الأمل إلى يأس قاتل ونفق مظلم. إنه بالحصاد المر الذي نتج عن دموية ودمار هؤلاء الطواغيت، فلكأنهم أرادوا للشعوب أن تتمنى لو يظل ظلم هؤلاء على ألا يستمر سيل وشلال الدم دون علمهم بقولة من قال: (إن من يفضلوا الراحة والرخاء والسلامة على الكرامة والحرية فسوف يخسرونها جميعًا).

هكذا هو منطق الطواغيت والظلمة، أن الشعوب والدول هي مجرد مزارع لهم ولعائلاتهم وأنهم متفضلون على الشعوب بكونهم يسمحون لهم بالعيش في هذه المزارع ويجب أن يكتفوا بما يلقى إليهم فيها من فضلات هؤلاء الطواغيت.

#أم الربيعين وأم البساتين والموصل والغوطة.

لا يمكن أبدًا أن نتحدث عن الربيع ونسماته وأزهاره وصفاء سمائه وزقزقة عصافيره وجمال فراشات، دون أن نتذكر أم الربيعين وما حلّ بها وأم البساتين وما نزل بها.

أما أم الربيعين فإنها الموصل الحدباء ثاني مدن العراق بعد بغداد، وهي التي سميت بأم الربيعين لأن الخريف فيها يشبه الربيع، فلكأنما يتكرر ربيعها في العام مرتين، فهي تعيش دائمًا في أجواء الربيع والزهر والجمال، ولذلك فقد سميت كذلك بالموصل الفيحاء لجمالها وكثرة أزهارها. ولقد قال في مدح أهلها وكريم منبتهم الشاعر وليد الاعظمي لما قال:

أم الربيعين ابسمي وتهللي زهوًا بتاريخ البطولة وادخلي

أم الاسود الثائرين تحية بدم الشهيد كتاب مجدك سجلي أم البطولة والرجولة والإباء دكي قلاع الظالمين وزلزلي أم الأُباة الطيبين مأثرًا لازلتِ للإسلام أعظم معقل

وأما أم البساتين والكروم والحدائق الغنّاء فإنها غوطة دمشق. هذه الغوطة التي هي الآن ملء سمع الدنيا وبصرها حيث تباد وتدمر بالبث المباشر كما سبق ودمرت أختها الموصل الفيحاء.

الغوطة والتي وصف جمالها وكثرة أزهارها وأثمارها الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله في كتابه “دمشق صور من جمالها وعبر من نضالها” لما قال: “والغوطة الغنّاء جنة الأرض ما رآها أحد الا أحسّ بأنه يرى مدينة مسحورة من مدن ألف ليلة وليلة قد تراءت له في غمرة حلم ممتع”. وأضاف الشيخ الطنطاوي في وصف غوطة دمشق: “الغوطة هذه بساتينها التي تتصل حافلة بالثمار، مليئة بكل ما يفتن ويفيد، مسيرة تسع ساعات على الماشي، وما ينفك يمشي في ظلال شجرة مثمرة أو نبتة مزهرة، ولو اجتمع على مائدة واحدة ما تُخرج من الثمار من أنواع المشمش والعنب والتفاح والكمثري والخوخ لاجتمع أكثر من ثلاثمائة صحن، ما في صحن منها مثل الآخر”.

ها هو الربيع يحل على أم الربيعين وأم البساتين وكلتاهما مكلومتان محزونتان على فراق الأهل والأحبة، وكلتاهما تبكيان دمًا بدل الدموع على عشرات آلاف الشهداء من أبنائهما وعلى مئات بل ملايين المهجرين والمشردين. الأزهار ذبلانة والطيور حزينة على دمار ودم وخوف نزل بأم الربيعين وأم البساتين، لا لشيء إلا لأن الموصل دائمًا كانت حصن الإسلام الحصين، ومن أرضها ومن أبنائها خرج المجاهدون الذين ساهموا في حصار القدس وتحريرها من الصليبيين، وإلا لأن الغوطة سيكون لها دور مميز في نصرة الإسلام، وقد ورد فيها حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: “فسطاط المسلمين يوم الملاحم في أرض يقال لها الغوطة فيها مدينة يقال لها دمشق هي خير مدائن الأرض يومئذ”.

لا تحزني يا أم الربيعين، كفكفي الدمع يا أم البساتين فلن يطول ليلك بإذن الله، وستعود أزهارك تتفتح وأشجارك تثمر وبلابلك تغني وسيعود ابناؤك الغائبين بإذن الله.

#الربيع الإسلامي

لقد تآمر أعداؤنا وأبناء جلدتنا على الربيع العربي وثوراته كيدًا ونكاية بهوية القوى التي حركت هذا الربيع ومن تصدروا مشهد مواجهة الطواغيت والظلمة وأسقطوهم. لقد تآمروا عليه بفتن عمياء ما زالت تعصف، وبانقلابات ومذابح دموية ارتكبوها وما يزالون وكل ذلك للحيلولة دون وصول الإسلاميين إلى حكم بلادهم وهو حق طبيعي لهم إذا اختارتهم الشعوب وحيل بين الشعوب وبين صناديق الاقتراع، وهذا ما حصل في مصر وتونس، وسبق وحصل في الربيع الفلسطيني عام 2007 يوم أعطى شعبنا في الضفة الغربية وقطاع غزة ما نسبته 67.5 % من مجموع الأصوات لأبناء المشروع الإسلامي على حساب مشروع منظمة التحرير وسلطة رام الله.

لقد أرادوا إجهاض ثورات الربيع العربي ليتحول إلى خريف عربي يحمل كل معاني اليأس والإحباط وفقدان الأمل، وما علموا لغبائهم أن مكر الله أعظم من مكرهم، وأن إرادة الشعوب ستقهر بإذن الله إرادتهم. لقد سبق وقال بنيامين بن اليعازر وزير حرب اسرائيل السابق والصديق الحميم لحسني مبارك: “إننا ليس بين يدي ربيع عربي وإنما أخشى أن يتحول إلى شتاء قارس”.

إنني على ثقة ويقين بإذن الله تعالى أن السنوات السبع العجاف التي مرت من 2011 – 2018 حيث سنوات الدمار والقتل والظلم، وإننا سنبدأ بإذن الله بالعام الذي فيه يغاث الناس وفيه يعصرون. إن ربيعنا سيزهر وإن شتاءنا سيمطر، وإننا بين يدي الفجر الذي سيبدد الظلام، واليسر الذي سيطوي صفحة العسر، والفرج الذي به سنمحي الكرب والى الأبد بإذن الله تعالى، ونحن الى الفرج أقرب فأبشروا، ويا هلا بالربيع.

رحم الله قارئا دعا لي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة

والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى