أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

غزة العز وغوطة الإيمان

الشيخ كمال خطيب

إن ما تتعرض له غزة وأهلها هذه الأيام من حصار وتجويع ومحاولة إذلال وكسر لشوكة أهلها وأبطالها، وهي لم تتعاف بعد من آثار ثلاثة حروب شُنّت عليها في أقل من ست سنوات، 2008، 2012، 2014 وهي التي بدأت تتهيأ لحرب رابعة ظالمة عليها بدأت طبولها تقرع. فما تتعرض له غزة هو نفسه الذي تتعرض له غوطة دمشق من قصف وتدمير وحصار وتجويع منذ سبع سنوات، هي عمر الثورة السورية ضد نظام الطاغية بشار الأسد.

وإذا كانت غزة في عيون شعبنا الفلسطيني هي أيقونة الجهاد والبطولة والتحدي رغم جراحها، فإن الغوطة هي في عيون الشعب السوري أيقونة الجهاد والبطولة والتحدي رغم الفارق في الإمكانات، حيث لا مقارنة بين ما يملكه الاحتلال الإسرائيلي الذي يحاصر غزة، وما يملكه الاحتلال الطائفي النصيري مدعومًا بروسيا، والذي يحاصر غوطة دمشق.

إنهما غزة والغوطة، فلسطين وسوريا هي مقصد النبي صلى الله عليه وسلم لما قال: “لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك. قيل أين هم يا رسول الله؟ قال: في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس”. وفي الحديث الآخر قوله صلى الله عليه وسلم: “إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم، لا تزال طائفة من أمتي منصورة على الناس، لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة”. إنه إدارة الظهر، إنه الخذلان لا بل إنه الاستعانة بالأعداء لكسر إرادة وشوكة غزة والغوطة كما يفعل أبو مازن مستعينًا بالاحتلال الإسرائيلي، وكما يفعل بشار مستعينًا بالاحتلال الروسي.

#غزة العز

قيل في المعاجم عن معنى كلمة غزة في اللغة، أنها “المتميزة عن غيرها” وأنها تعني “القوي”، وأنها تعني “المخازن”، وأنها تعني “الكنوز”، وأنها تعني “الشيء الذي يدخر لوقت الحاجة”. فعلًا وحقًا أن كل هذه المعاني والأوصاف تليق بغزة العزة، بل يكفي غزة شرفًا ورفعة أن فم الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم قد نطق باسمها لما قال مبشرًا بوصول المسلمين إليها وفتحها:” أبشركم بالعروسين غزة وعسقلان”.

غزة التي لو لم يكن لها إلا شرف موقف كسر شوكة الزحف التتري المغولي لكفاها. كان ذلك في العام 1260 للميلاد وتحديدًا في شهر تموز، بينما الزحف المغولي يتمدد وينتشر في بلاد المسلمين مثل السيل الجارف بعد احتلال بغداد عاصمة الخلافة عام 1258 ودب الرعب في المسلمين، حيث خارت عزائمهم أمام الضربات الموجعة التي تلقوها من التتار حتى انتشرت بينهم مقولة ” إذا قيل لك أن التتار قد انهزموا فلا تصدق”.

لم يوقف الزحف التتري إلا غزة وأهل غزة وحاميتها من الجيش المصري بقيادة الأمير بيبرس، يوم استطاعوا الحاق الهزيمة بطلائع التتار ليكون هذا الانتصار في بعده المعنوي أكثر تأثيرًا من بعده العسكري ليفهم المسلمون يومها أن بالإمكان هزيمة التتار، وهذا ما كان بعد أن وصلت أخبار انتصارات غزة إلى بلاد الشام لتتحرك الإمارات الإسلامية المبعثرة وتجمع إمكاناتها وطاقاتها ولتلتقي في مواجهه التتار بعد شهرين من نصر غزة في أيلول/ 1260 حيث عين جالوت البطولة والفداء والانتصار على التتار وإنهاء زحفهم وكسر شوكتهم.

ها هي غزة العز تعود لتكتب التاريخ من جديد حيث التتار الجدد ومغول العصر، ليس بعددهم وإنما بعدتهم، وهم الإسرائيليون تدعمهم وتمدهم بأسباب القوة قوى عالمية، وإذا بهم يصولون ويجولون ويعربدون في المنطقة. فكان احتلال فلسطين عام 1948 وانتصارهم على جيوش دول عربية لم تكن تملك عقيدة قتالية، ثم استكملوا احتلال ما بقي من فلسطين عام 1967 وانتصارهم مجددًا على جيوش لدول عربية يحكمها قادة لم يكن همهم إلا الحفاظ على كراسيهم. واحتل الجيش الإسرائيلي لاحقًا جنوب لبنان بل والعاصمة بيروت، وظل يعيث فسادًا في المنطقة مثل بلطجي الحارة. وكانت حروب غزة الثلاث حيث صمود غزة الأسطوري في وجه مغول العصر بل وقدرة غزة على بناء إمكانات وإيجاد مقدرات للرد بل وللردع أحيانًا.

إن صمود غزة رغم حصارها مدة أحد عشر عامًا منذ العام 2007، لم تشارك به المؤسسة الإسرائيلية وحدها، وإنما كان الدور الأبرز فيه لمصر حسني مبارك ثم لمصر السيسي بعد الانقلاب، ولكن الأكثر إيلامًا ووجعًا لغزة هو الدور القذر والمشبوه الذي قام وما يزال يقوم به أبو مازن وسلطته المأجورة والتي تبيّن أنها كانت وراء هذا الحصار سرًا، ثم ما لبثت أن خلعت عن وجهها القناع لتعلن بصراحة عن مشاركتها بالحصار عبر قطع المعونات الطبية والمستحقات المالية، وما ترتب على ذلك من وصول الكهرباء والغذاء والدواء.

لكنها غزة القوية كما معناها في اللغة، لكن غزة المتميزة عن غيرها كما في المعاجم ما زالت تعلم الدنيا الدروس وما زالت تكتب بدماء أبنائها ودموع نسائها أنها مخزن الرجال وأنها الكنز الثمين، وأنها غزة العز التي تجوع ولكنها لا تركع وأنها التي تموت ولا تأكل بثدييها لأنها الحرة.

#غوطة الإيمان

في الوقت الذي تعاني فيه غزة العز في فلسطين من حصار وقصف من قبل المؤسسة الإسرائيلية المدعومة أمريكيًا، فإن غوطة الإيمان السورية قرب دمشق ومثلها مثل الكثير من مناطق سوريا، فإنها تعاني من الحصار والتجويع والتدمير والتهجير من قبل نظام بشار الأسد الطائفي مدعومًا من روسيا وإيران.

وإذا كانت غزة العز قد نطق باسمها فم الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم فإن غوطة الإيمان الدمشقية قد نالت نفس الشرف إن لم يكن أكثر. إنها غوطة دمشق التي تحدث عنها النبي صلى الله عليه وسلم وعن الدور المشرف الذي ستقوم به والمكانة المميزة التي ستحظى بها، وهي تضع اللبنات المباركة لإعادة المجد الإسلامي. قال في هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم:” فسطاط المسلمين يوم الملحمة بالغوطة إلى جانب مدينة يقال لها دمشق من خير مدائن الشام”. وقال صلى الله عليه وسلم:” موضع فسطاط المسلمين في الملاحم، أرض يقال لها الغوطة”. وكيف لا تكون الغوطة كذلك وكيف لا تتصف الشام بهذه الأوصاف والنبي صلى الله عليه وسلم قال:” صفوة الله من أرضه الشام، فيها صفوته من خلقه وعباده”.

إنها غوطة دمشق التي تتعرض هذه الأيام وتعاني من الحصار والتجويع والقتل والقصف بالطيران الروسي والسوري. هذه المنطقة التي يقرب تعداد سكانها من نصف مليون من السوريين الذين قالوا لا للنظام الطائفي ولا لحزب البعث، ولا لمن يقتل السوريين ويشردهم. غوطة دمشق التي تعتبر ساقطة في المفهوم العسكري لأنها محاصرة ومحاطة بقوات الجيش الطائفي المدعوم من ميليشيات ومرتزقة قادمين من أفغانستان وباكستان وجنوب لبنان وإيران والعراق، لكن بطولات شبابها تجعلها تصمد أمام هذه الغطرسة، تمامًا مثلما تصمد غزة أمام الغطرسة الإسرائيلية وهي المحاصرة من جهاتها البرية الثلاثة ومحاصرة أكثر من جهة البحر، حيث السفن البحرية الإسرائيلية تطبق عليها الخناق.

لقد كان لصعود غزة ومواجهتها لطلائع الجيش التتري والانتصار عليهم، وما أعقب ذلك من حالة معنوية راحت ترتفع ظهرت آثارها في دمشق التي هبّت وثارت على أمرائها الفاسدين، وإذا بها يتردد في شوارعها ومآذنها ومساجدها صدى انتصار غزة الأسطوري على التتار، فتهب دمشق من غفوتها ويلتقي أبطالها وثوارها مع ثوار حلب وطرابلس، ويلتقي جيش الشام مع جيش مصر في عين جالوت بفلسطين لتسطر هناك أعظم ملاحم التاريخ بانتصار المسلمين بقيادة قطز على التتار وإيقاف زحفهم ونهاية اجتياحهم للبلاد الإسلامية.

وإنني على يقين أن غزة تعيد كتابة التاريخ من جديد، وإن غوطة دمشق تتهيأ لمرحلة قادمة تحمل كل معاني الخير ليس لسوريا وحدها ولا لبلاد الشام وحدها، وإنما للأمة كلها. وإذا كانت غزة قد شهدت بداية تراجع الزحف التتري الذي قيل يومًا أنه لن يهزم، فإنها غزة التي بصمودها في هذا الزمان ستجعل الدنيا تشهد على بداية تراجع المشروع الصهيوني الذي قيل يومًا أنه سيظل في علو.

وإذا كانت دمشق يومها قد شهدت الثورة والتمرد على الأمراء الفاسدين، ثم انطلقت لتنضم إلى زحوف الخير لمواجهة التتار، فإنها دمشق اليوم وغوطة دمشق تعيش حالة الثورة على طاغيتها الفاسد سعيًا للخلاص منه، وعندها ستلتقي مقدرات الأمة مع بعضها البعض بإذن الله لنشهد وتشهد الدنيا كيف أن الطريق إلى القدس تصبح أقصر وأقرب.

نعم، وكما أن تحرير القدس يومها لم يتم إلا بعد تحرير مصر من حكامها الفاسدين وهم العبيديون الفاطميون، وتحرير دمشق من أمرائها الفاسدين أمثال الصالح اسماعيل، واليوم فإن تحرير القدس لا بد أن يسبقه تحرير وخلاص القاهرة من حكم طاغيتها السيسي وخلاص دمشق من حكم طاغيتها بشار.

نعم، إننا نبكي ونحزن وتتقطع قلوبنا ألمًا لأطفال ونساء يموتون تحت الركام، ولرجال يبكون من قلة حيلتهم في حماية أطفالهم وحتى في إطعام، أطفال سوريا الذين من لم يمت منهم بقصف طائرات بشار وبوتين فإنه يموت بالسلاح الكيماوي يخنقهم، تطلقه عليهم طائرات البعث الطائفي، ومن لم يمت بالكيماوي يموت من الجوع والبرد في خيام اللجوء.

ولكننا على ثقة ويقين بأن هذا الحال لن يدوم، وأن أشرار الشام عمومًا وسوريا خصوصًا لن ينتصروا على أخيارها، وإنما هي دورة من دورات التاريخ جعلها الله سبحانه لحكمة يريدها، ثم لا نلبث بإذن الله أن نسمع ونرى كيف تعود الشام لتؤدي دورها الذي لن تتخلى عنه بأن تكون موطن الإيمان وعرين الأبطال وناصرة الإسلام.

رحم الله قارئا دعا لي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة

والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى