أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

كن ولا تكن

إبن أكبر داعية وزوجة أكبر طاغية

إن كل عاقل يدرك أن الجمود والقبول بالأمر الواقع بدل المبادرة لتغيير هذا الواقع إنما هي إشارة ودلالة ضعف، لا بل إنه يصبح دلالة على ضعف الإيمان بل والفهم المشوّه للدين الحنيف. فكيف لعاقل أن يعتبر أن المرض هو قدر ويجب الرضا به، وإذا كان المرض قدرًا فلماذا لا يكون العلاج والشفاء هو كذلك قدر بإذن الله؟ وإذا قال قائل بأن الفقر والجوع هو كذلك قدر، لماذا لا يكون السعي لطلب الرزق وكسب العيش هو كذلك قدر رغم انه فرض وواجب.

إنها إرادة التغيير إذن، وإنه الاعتراف بقدرة الإنسان على إحداث التغيير في نفسه والذي حتمًا سيكون مقدمة ووسيلة لإحداث التغيير في المجتمع {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} آية 11 سورة الرعد.

ولكن إرادة التغيير تنبع أساسًا من إعتراف الإنسان بسوء الواقع وضرورة التغيير نحو الأفضل، وإلا فإن الإصرار على القبول بالواقع لا بل تمجيده والثناء عليه تجعل إرادة التغيير غير منطقية.

إنه التاريخ يحدثنا عن ابن نوح عليه السلام، الداعية الى الله بكافة صنوف الدعوة كما ذكرت مقدمة سورة نوح {قال ربّ إني دعوت قومي ليلًا ونهارًا فلم يزدهم دعائي إلا فرارًا وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارًا ثم إني دعوتهم جهارًا ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسرارًا} آية 5-9سورة نوح.

هذا الابن الذي رفض الاستجابة لدعوة أبيه وقرر أن يظل في مستنقع الضلالة والكفر {يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين} آية 42 سورة هود. لكنه ابن نوح رفض نداء أبيه ورفض الاستجابة له، ورفض تغيير مفاهيم الكفر استكبارًا وعنادًا، فكان مصيره الهلاك والغرق، إن رفضه للتغيير وقد أخذته العزة بالإثم، جعلته ينتقل من حال سيء إلى حال أسوأ منه {وحال بينهما الموج فكان من المغرقين} آية 43 سورة هود، إنه ابن أكبر وأشهر وأحدق داعية، إنه ابن نبي الله نوح عليه السلام.

وبالمقابل فإنها زوجة أكبر طاغية، إنها آسيا زوجة فرعون التي ورغم رغد العيش الذي كانت تحيا به، ورغم أنها الملكة تحيط بها الجواري والخدم، وأنها التي كانت تعيش في رفاهية القصور وحدائقها الغناء، هذا كله لم يكن ليرضي نفسها وظلت تعيش في شعور الغربة عن هذا المكان وهي تتمنى التغيير وتتمنى الانتقال {رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين} آية 11 سورة مريم. إنها لم تنبهر بالبريق والبهرج والجاه، وقد علمت أن هذا كله إلى زوال بل إنه كله ضمن بيئة الكفر التي كانت تجعلها تعيش حالة الوجع والقلق وتريد الخلاص منه.

صحيح أنها دفعت ثمنًا لهذا الموقف ولإرادة التغيير هذه، ولكن هذا الثمن جعلها تنتقل ليس من حال حسن إلى حال أسوأ، بل إن الله سبحانه كافأها على إرادة التغيير هذه، وأنها اختارت الإيمان على الكفر واختارت الطاعة على المعصية واختارت التوحيد على الشرك، فكان أن نقلها من حال حسن إلى أحسن، ومن قصور الدنيا إلى قصور الآخرة، ومن جوار الطاغية فرعون إلى جوار الله جل جلاله.

إنه الفارق الكبير صنعته إرادة التغيير بين ابن أكبر داعية، وبين زوجة أكبر طاغية من قال عن نفسه {أنا ربكم الأعلى} آية 24 سورة النازعات. لذلك وإذا كنا نريد اليوم أن نعيش في ظلال وفي أفياء الإيمان والتوحيد والعزة والكرامة، فإنه لابد لنا أن نملك إرادة التغيير ونتحرك باتجاه الأفضل دون أن نرضى بالواقع، لأن الرضا بالواقع السيء سيقود الى أسوأ، وأن السعي لتغيير الواقع السيء حتمًا سيكون نحو الأفضل بإذن الله تعالى.

رائع وأروع

قال الدكتور حسان شمسي باشا في كتابه ” قمم تهوى النجاح” صفحه 273:

– رائع أن يكون لك أصدقاء، والأروع أن تراهم وقت الضيق.

– رائع أن تصمت في مكان يضج بالأصوات، والأروع أن يكون صمتك حكمة وليس موقفًا سلبيًا.

– رائع أن تقدم النصيحة لمن تحب، والأروع أن لا تتحول النصيحة إلى جرح المشاعر.

– رائع أن تشعر بمعاناة الآخرين، والأروع أن تبادر لمساعدتهم وأن تجعل نيتك لله تعالى.

– رائع أن تصحح أخطاء الآخرين، والأروع ألا يتحول تتبع أخطاء الآخرين إلى متعة شخصية لديك.

– رائع أن تشارك الآخرين في سعادتهم، والأروع أن تكون سببًا في تلك السعادة.

كن مثل خيّاط الجينز

إنها قصة الخياط الألماني “أوسكار شتراوس” والذي سمع ووصله أخبار كثيرة عن كنوز الأرض وخيراتها المخبوءه في أرض العالم الجديد “أمريكا”، وسرعة أن يتحول أحدهم من الفقر إلى الغنى بل إلى الثراء الفاحش. باع مخيطته الصغيرة في ألمانيا، وانتقل إلى كاليفورنيا في الولايات المتحدة الأميركية، وكان ذلك عام 1850 ميلادي بعد توالي أخبار اكتشاف كميات كبيرة من الذهب هناك.

فلما وصل قام بخياطة خيمته من قماش قوي لتتحمل ظروف الطقس بين الحر والبرد، وانتقل إلى أماكن نائية يبحث عن الذهب، لكنه لم يجد مبتغاه. وبعد تنقيب دام أسابيع وأشهر إلا أن بريق الذهب الذي كان يُمني نفسه أنه سيجده، فإنه لم يلمع بين عينيه بل تحول الأمر إلى كابوس، إذ أظلمت الدنيا في وجهه، ووصل به الحال إلى اليأس بعد أن نال منه الجوع والألم من تأثير التعب والمرض.

وفي لحظة تفكير وتأمل ومع بقايا إرادة، فإنها لم تلمع بين عينيه ذرات ذهب، وإنما لمعت في ذهنه فكرة هي خليط بين الأمل واليأس، فنظر إلى خيمته التي ما عاد يملك غيرها وكانت من القماش الأزرق القوي، ولأنه كان خياطًا ماهرًا فقد مزق الخيمة وراح يخيط بيديه منها بناطيل شديدة التحمل. باع هذه البناطيل فأعجب الناس بمتانتها وخياطتها، فاشتراها عمال المناجم. أقبل غيرهم للشراء فلم يجدوا، فأسرع لشراء قماش كالذي كانت منه خيمته، وأخذ يخيط بناطيل أطلق عليها اسم شتراوس جينز.

أقبل عمال المناجم على شرائها، واستمر هو بخياطة الكثير منها، أصبحت له بذلك تجارة واسعة مزدهرة، بل أصبحت ماركة من أشهر ماركات الملابس في العالم إن لم تكن هي الأشهر، بل إنه أصبح أغنى من كل منقبي الذهب بل تجاره، وما كل ذلك إلا لأنه رفض الاستسلام لليأس، إنه لم ينظر إلى الظلام متأففًا بل قام وأوقد شمعة، ولم ينظر إلى الألف ميل بخوف وقنوط بل إنه راح يتقدم خطوة خطوة، وإنه لم يحلم أن يكون له بستان بدون أن يفعل شيئًا، بل إنه قام وغرس زهرة وأتبعها بزهرة، فكان له بستان جميل.

ومثل خياط الجينز، فإنه ذلك الشخص الآخر الذي باع كل ما يملك بل واستدان مبلغًا من المال ليعطيه لرجل وعده بأن يشتري له في بلاد العالم الجديد قطعة أرض خصبة، فلما سافر الى تلك البلاد وإذا به يجد أرضه مليئة بالأفاعي والثعابين السامة، وأنها لا تصلح للزراعة، بل إنه الخطر الشديد لكل من يقترب منها، إنه لا يكاد يقلب فيها حجرًا إلا وتحته ثعبان.

جلس الرجل يندب حظه، فلا هو بقي في بلده ولا هو رضي بكفاف العيش، وإذا به الآن غريب وليس له من مال الدنيا شيء، وأنها أرض الآخرين تدر ثمرًا وحبوبًا، بل ونفطًا وذهبًا، أما هو فإنها أرضه التي تنبت أفاعي.

لكنها لحظه تفكير قدحت في رأسه، وإذا به يقول، ولماذا لا أقبض على بعض الأفاعي الكبيرة فأقتلها وأسلخ جلدها وأبيعه. وصلت هذه الجلود إلى تجار وصانعي الملابس والأحذية النسائية ليصنعوا منها أثمن الأحذية وأثمن الجزادين، ليجد الرجل نفسه يستخرج من أرضه كنوزًا ليست من النفط والذهب، وإنما من جلود الأفاعي وليتحول الرجل إلى صاحب شركة عملاقة متخصصة بتصنيع ثياب وأحذية نساء المشاهير ورجال الاعمال وليصبح هو من أشهرهم.

إنه سر النجاح أن لا تيأس ولا تجلس تنتظر، بل أن تتقدم وتفعل. إنه الله سبحانه الذي كان “بكُنْ” منه سبحانه يجعل التمر ينزل على مريم وليس هو صعبًا على من جعلها تحمل بعيسى من غير أب، ولكنه أراد لها هي أن تفعل وتبادر، فقال لها {وهزي اليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبًا جنيًا} آية 52سورة مريم. فكن مثل خياط الجينز بل كن مثل مريم عليها السلام.

لا تكن مثل الدجاج

فإذا كنا في الفقرة السابقة قد قلنا لك كن مثل خياط الجينز، فإننا في هذه الفقرة نقول لك لا تكن مثل الدجاج.

يحكى أن أحد الرعاة وبينما كان يومًا في أعالي الجبال، وإذا به يعثرعلى عش لنسرٍ، وفي العشّ بيضة أخذها الراعي، ولما وصل إلى بيته وضعها في قن الدجاج لعلها تفقس يومًا ليكون عنده نسرًا أليفًا. وفعلًا وإذا بدجاجة كبيرة في السن ترقد على البيضة أيامًا وأسابيع حتى فقست البيضة، وخرج منها نسر صغير بدأ يكبر ويلهو مع فراخ الدجاج.

وذات يوم وبينما النسر الصغير يلهو بين الأعشاب مع الفراخ، وإذا به يرى نسرًا يحلق عاليًا في السماء. تمنى النسر الصغير لو يستطيع التحليق مثل النسر الكبير في جو السماء، حاول أن يحلق لكنه لم يستطع أكثر من تحليق فراخ الدجاج. قوبل بضحكات الفراخ واستهزائهم وهم يقولون له، ما أنت إلا فرخ دجاجة ولن تستطيع أن تحلق إلا مثل الدجاج، لماذا تريد التحليق مثل النسور؟

ولأن النسر الصغير يعيش في بيئة الدجاج، فإنه تراجع عن فكرة التحليق مثل النسور ورغم انه نسر وليس دجاجة، ثم آلمه اليأس ووجع الإحباط، ثم مات في بيئة الدجاج.

من هذه القصة الرمزية فإن الواحد منا مطالب بألّا يقبل العيش في البيئة السلبية، وأن عليه أن يفعل لتغييرها أو مغادرتها. إن للبيئة تأثيرًا على الفرد في سلوكه وفي أخلاقه وفي همته. فالذي يعيش في صحبة أشخاص مؤمنين وخلوقين فإنه سيصبح مثلهم، والذي يصاحب شبانًا أصحاب همم عالية وشبابًا متوقدًا فإنه سيصبح مثلهم، والذي يصاحب شبانًا يتعاطون المخدرات فإنه ومع الأيام يتأثر بهم، فالصاحب ساحب كما يقال.

والذي يرضى العيش في بيئة الكسالى سيكون كسولًا، والذي يرضى العيش في بيئة الجبناء سيكون جبانًا، والذي يرضى العيش في بيئة اليائسين فإنه سيصبح يائسًا.

ولذلك ولأننا نؤمن بإذن الله بالتغيير وقدرتنا عليه، فيجب علينا أن نحرص أن نكون في بيئة الصادقين الأوفياء، أصحاب الهمم العالية الذين يحلقون في سماء المجد والذين يطيرون بجناح الأمل. إن هذا الحال سيتغير وإننا إلى الفرج أقرب، فكن مثل النسر ولا تكن مثل الدجاج.

رحم الله قارئا دعا لي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة

والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى