أخبار رئيسيةأخبار رئيسية إضافيةمقالات

الشيخ الأستاذ عبد الحكيم مفيد “أبو عمر”… فارس يترجل…

صالح لطفي: باحث ومحلل سياسي..

الأستاذ الشيخ السياسي والإعلامي المعلم والطالب الشرعي، عبد الحكيم مفيد ابن الحركة اﻻسلامية المحظورة إسرائيليا وابن الداخل الفلسطيني…من درج في  سني دراساته المبكرة في كنف حركة أبناء البلد  وأنهى حياته في كنف الحركة الاسلامية المحظورة، جامعا للفكرة الثورية من جانبيها الوطني والإسلامي.

آمن أشد ما آمن بالإنسان. فقد آمن الأستاذ بأنَّ  أعظم ما يملكه الفلسطينيون هو الانسان.. لقد استحوذت قضايا الانسان على  هموم وفكر وجوارح الاستاذ الشيخ عبد الحكيم، وتشهد ربوع المدن الساحلية والنقب والجليل على ذلك، فالإنسان في فكره هو رأس المال الذي لا يمكننا بدونه أنَّ نواجه الغطرسة والغرور الإسرائيلي الذي يريدنا مجموعة من السقاة والحطابين وفي أحسن الاحوال، مجموعات تعيش تحت دائرة “أسألك اللهم نفسي”… كما استحوذت عليه قضايا الإنسان العربي في سوريا والعراق واليمن ومصر وليبيا وشغلته كثيرا مصائر المنطقة ومألات الأحداث، وسواء اتفقنا معه أم اختلفنا في بعض الطروحات أو القضايا فإنَّ ما ميزه رحمه الله أنه كان واسع الصدر يؤمن بأن الاختلافات في الرأي لا تفسد للود قضية.

لقد آمن  الشيخ الأستاذ عبد الحكيم بالإنسان وأحزنه أشدُّ الحزن الفتنة العمياء التي تضرب مجتمعنا بين الحين والأخر من قتل وسفك للدماء وانتهاك للحرمات معتبرا أن هذه الأحداث هي تدمير مبيت للإنسان الذي هو رأسمال الداخل الفلسطيني.

آمن أن هذا الإنسان يجب أن نسعى دائما للنهوض به بغض النظر عن هويته الفكرية والثقافية والسياسية والدينية، لذلك خاطب الاخر من خلال الإنسان الذي يؤمن به: إنسان الفكرة والموقف والمبدأ.. إنسان القاسم المشترك مع كل مركباتنا الفلسطينية في الداخل دون إنقاص من مبدأ أو معتقد يؤمن به.. أمن بالإنسان الذي في داخلنا فعمل على بناء علاقات مع كل من تعرف عليه تعززت مع مرور الوقت بفضل ذكائه الاجتماعي الذي ورثه من والده الفاضل أمدَّ الله في عمره ومن بيئته التي عاش فيها فأهالي بلدته، مصمص، أناس يألفون ويؤلفون، وعزز هذا الخلق وهذه السجية بمنظومته الإسلامية التي تؤمن بقيم الانسان: إنسان العدل، أنسان الاخوة، إنسان العمل والموقف.

لعل موتة الشيخ الأستاذ عبد الحكيم التي تلاقت مع ذكرى إستشهاد العالم المجاهد ابن الشام عز الدين القسام تذكرنا ببعد آخر من جوهريته الإنسانية التي يؤمن بها الأستاذ أبو عمر، فقد شغلته مقبرة القسام التي تضم رفاة هذا العالم المجاهد وعمل ليل نهار على تخليصها مما كيد لها وقد نجح في ذلك نجاحا كبيرا بفضل جهده الكبير ومن أحاط به من إخوان بهذه المهمة المقدسة وفي هذا تعبير عميق عن تلكم الابعاد التي يؤمن بها شيخنا الاستاذ رحمه الله تعالى.

لعل وفاته أمس قبيل الساعة السابعة مساء بقليل وهو متجه من شفاعمرو إلى عكا حيث يواكب بعض مشاريعها التي تهم الإنسان فردا وأسره ومجتمعا تؤكد أنه آمن بهذه الطريق حتى نهايتها فأسعده الباري عز وجل أن قبض روحه وهو يعيش هموم شعبه..

أنا أعلم جيدا أنَّ الشيخ الاستاذ عبد الحكيم لم يكن من أصحاب اليسار المادي بل كان في شَققِّ من الحياة ولم يأبه بذلك فقد كان ما يملك لغيره ولطالما أخذ  ليعطي الأخرين مؤمنا أن الإنسان الذي نعيش معه وبيننا لا بدَّ من أدوات تعينه على شظف الحياة وقهرها، والشيخ الأستاذ ابن والد كادح وعاش هموم هذا الكدح، وكان يشعر جيدا ماذا يعني ضيق العيش واليد لذلك كان اهتمامه بهموم الناس لا ينقطع سواء كانوا مسلمين او مسيحيين وهو ما ميزه وجعله مميزا عن أبناء الحركة الإسلامية المحظورة إسرائيليا، فقد كان رحمه الله مع الفقراء والمساكين وأصحاب الحاجات يرى بنفسه  نصيرا لهؤلاء المستضعفين والمقهورين بغض النظر عن هوياتهم الدينية ومعتقداتهم الفكرية.

أبو عمر رجل أخر يترجل في رحلة السير إلى الله تاركا وراءه شبكة من العلاقات التي أمن بها وعمل على توسيعها وتعميقها باستمرار حتى أضحى رحمه الله محل ثقة عند الكثير من الإخوة ممن يعملون في الأطر السياسية والمدنية والمجتمعية، والحقيقة التي لا مراء فيها أنه رحمه الله كان مبدعا في بناء هذا العلاقات وتحويلها إلى عوامل مفيدة وصالحة تدبُّ في مصلحة وخدمة شعبنا وكأني به قد جمع من أسمه نصيبا في عمله فهو متعبد لله في كل ما يعمل من خدمة لأبناء بلده ووطنه ومجتمعه وشعبه بل ولأمته وكان مفيدا في دفع هذه العلاقات لتدخل بوتقات الصهر المجتمعي المفيد لشعبنا وكان صالحا في معاملته وتعامله مع الأخرين بحيث جعل هذه العلاقات صالحة دائما لتحقق الأهداف المرتجاة منها.. نعم لقد كان أبو عمر رحمه الله مدرسة فذة في بناء العلاقات مع كامل الطيف السياسي في مجتمعنا الفلسطيني هذا فضلا عن علاقاته المميزة مع أبناء الصحوة الإسلامية عموما وليس الحركة الإسلامية المحظورة إسرائيليا فحسب..

لقد أسس الاستاذ الشيخ عبد الحكيم مفيد مدرسة في كيفية بناء العلاقات مفادها الاحترام المتبادل واحترام الرأي الاخر مهما كان حادا وقاسيا وغير مقبول عليك دون أن تتنازل عن قناعاتك وأفكارك وعقيدتك فهو لم يساوم يوما قط على مصالح شعبه ولا على فكره  ولا على عقيدته.

أسأل الله تعالى أن ييسر لنا هماما يكمل المسيرة وأن  ييسر لنا سيدا يمضي قدما في إتمام المسيرة التي مضى بها شيخنا شهيدا حميدا.

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى